27-نوفمبر-2021

في شوارع العاصمة (تصوير بن سالم/Getty)

قبل أزيد من أربع سنوات، وتحديدًا في الانتخابات المحلية التي جرت أطوارها في 2017، ألحّ كثير من رؤساء البلديات على ضرورة توسيع صلاحياتهم. أمنية لم تتحقّق وهدف ظل مُعلَّقا طوال العهدة المحلية السابقة، غير أن المطلب عاد ليخرج من الأدراج لأنه أساس الحكم المحلّي بحسب الأحزاب والمرشحين للانتخابات المحلية يوم 27 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري.

اعتبرت أحزاب كثيرة في الجزائر أن مسألة الصلاحيات التي يفتقدها المنتخبون المحليون هي مطلب مِحوري وأحد أساسات قاعدة التنمية على مستوى البلديات

اعتبرت أحزاب كثيرة في الجزائر أن مسألة الصلاحيات التي يفتقدها المنتخبون المحليون هي مطلب مِحوري وأحد أساسات قاعدة التنمية على مستوى البلديات في الجزائر، في ظلّ غياب شبه كلي لقرارات رؤساء البلديات.

اقرأ/ي أيضًا: سلطة الانتخابات تقدّم آخر أرقام المحليات يومين قبل الاقتراع

قانوني الولاية والبلدية

الثّابت بين تصريحات رؤساء البلديات والمرشّحون الأحرار هو الثّغرة التي لا تسمح للمسؤولين المحليين من الإشراف على المشاريع التنموية في محلّ مناصبهم بسبب محدودية الصلاحيات، في المقابل تمركزها عند الوالي أو رئيس الدائرة في المستوى الثاّني.

وعليه رافعت مختلف الحساسيات السياسية في الجزائر منذ بدء الحملة الانتخابية على ضرورة مراجعة عميقة لقانوني البلدية والولاية، من شأنها أن تخلق مجالات متعددة للاستثمارات والثّروة ورفع قيمة الضّرائب المحصلة، ومنها تدوير العائدات المادية لخلق مشاريع أخرى، تعود بالنّفع على المواطنين.

يشار هنا، أن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، قال مؤخّرًا خلال لقاء صحفي مع ممثلي الصحافة الوطنية، إنه سيكون هناك "تغيير جذري في قانون تسيير البلديات"، مشددًا على ضرورة"مراجعة مثل هذه القوانين وإعطاء صلاحيات أوسع للمنتخبين".

في هذا السياق، اعتبر المرشح عن حزب جبهة التحرير الوطني عن دائرة سيدي محمدبالعاصمة الجزائرية محمد الهادي واعلي/ أن توسيع الصلاحيات أمر حتمي خصوصًا عقب تجارب التسيير السابقة، لافتًا إلى أنه "غير معقول أن يكون مسؤول منتخب محدود الصلاحيات؛ في حين أن يحظى الوالي الذي يتمّ تعيينه من السلطة التنفيذية (الرئيس) بصلاحيات أوسع".

وواصل مرشّح الحزب ذو الغالبية البرلمانية قائلًا لـ "الترا جزائر"، أنّ الوالي يسيطر على مختلف السّلطات داخل حدود ولايته، التي تضم العديد من الدوائر والبلديات، مشيرًا إلى أن رئيس الدائرة أقل صلاحيات من الوالي ولكنه من يتحكّم في المسؤول المحلّي على مستوى تلك البلديات، وهذا برأيه غير معقول وغير مقبول.

من جهته، عزا مرشّح حركة مجتمع السلم (كبرى الأحزاب الإسلامية في الجزائر) بولاية جيجل وليد بوفناية، مطلب توسيع الصلاحيات إلى أنه من الغريب أن تكون البلديات في الدائرة الواحدة والولاية الواحدة شبه منفصلة عن بعضها البعض، إذ لا يملك رئيس البلدية سلطة القرار، ولا التدبير ولا المقترحات، بل تملي الأخيرة عليه ممن هم أعلى سلطة سياسية تنظيمية منه، رغم أنه وصل إلى المنصب باختيار شعبي بينما رئيس الدائرة والوالي هما موظفان إداريان يتم تعينهما من وزارة الداخلية التي تأتمر من سلطة الرئيس.

وتتفق عديد المكوّنات السياسية في الجزائر حول المنتخبين في البلديات، إذ تعترض على أن المنتخب الشرعي لا يجب أن يكون تحت سلطة ووصاية الوالي المنتدب، أو الوالي أو رئيس الدائرة.

والملفت للنظر أن هناك حلقة غائبة عن التسيير المحلّي، كما ذكر رئيس جبهة المستقبل عبد العزيز بلعيد في عديد خرجاته في إطار الحملة، إذ توجد حسبه على مستويين: الأول يتعلق بانعدام قدرة رؤساء البلديات على اتخاذ قرارات دون الرجوع إلى الوالي أو رئيس الدائرة، والثّاني يتعلّق بعامل أخلاقي إذ يعتبر رئيس البلدية والمجلس البلدي المشكل من أعضاء منتخبين في "فوهة المدفع-  كما قال- أثناء محاولات حلحلة مشكلات البلديات والاستجابة إلى انشغالات المواطنين ومطالبهم".

تقزيم المؤسسة المحلية

وفي قراءة لقانون المجالس المحلية في الجزائر، فإنّ رئيس البلدية ليس له صلاحية كاملة لتجسيد مشاريع التنمية بسبب انعدام صلاحيات اتخاذ قرارات تخص إقليم البلدية التي يرأسها.

كما تحدّث البعض من المرشّحين عن مسألة الحصانة التي تحمي المسؤولين المحليين حماية معنوية وجسدية، إذ لفتت فريدة حساني المرشحة عن القائمة الحرة" التغيير" بسكيكدة، في حديث إلى "الترا جزائر" أن التمتّع بالحصانة وأجرة محترمة للمسؤولين المحليين، تمنع عنهم الابتزاز وتحفظ لهم كرامتهم، على حدّ قوله.

وفي شق آخر، تناولت السيدة حساني وهي ناشطة سياسية قضية مواجهة المسؤولين المحليين وخاصّة رئيس البلدية ضغوطات شديدة من المواطنين، وهو الأمر الذي يفرض إعادة النظر في تنظيم المشرع للقانون البلديات خاصة في الجزائر.

ومن ناحية أخرى قالت إنّ رئيس البلدية فقد هيبته مقارنة بمناصب المسؤوليات في الدولة، وهذا بسبب عدم إحاطة التسيير المحلي بالقوانين التي تحميه، كما لفتت إلى أن فقدان هذه الهيبة كان ناجم عن فقدانه للصلاحيات التي سُحبت منه حسبها وقدّمت للمسؤولين المحليين الآخرين، إذ يتعرّض رئيس البلدية وأعضاء البلدية إلى القدح وحتى الضرب والاعتداء من طرف المواطنين.

التحرّر من الإدارة

خلال أيام الحملة الانتخابية، لم يشذّ المرشحون عن قاعدة المطالب المتعلّقة بالتحرر من نمطية الصورة التنظيمية المرتكزة أساسًا على مركزية سلطة القرار في يد الوالي، وهذا ما يجعل من البلدية كنواة مهمة في التّسيير المحلي من جهة، غير أنها فاقدة للاستقلالية الشاملة، بل هي "خاضعة لرقابة الإدارة المركزية"، ما يعطّل العديد من المشاريع التنموية.

وفي ضوء ذلك، ذكر رئيس حركة البناء الوطني عبد القادر بن قرينة في أحد تجمعاته الشعبية أنه لإنعاش التنمية المحلية يستدعي إنهاء مركزية القرارات والتسيير غير الفاعل للإدارة، كما اقترح " تقليص صلاحيات رؤساء الدوائر، بما يسمح من مباشرة رؤساء البلديات لمهامهم وتحقيق المشاريع.

 ومن زاوية أخرى، اقترح رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري، توسيع صلاحيات المنتخبين ممثلي الشعب، وأن تدعم المجالس بصلاحيات أكبر، لافتًا في تصريحاته خلال الحملة الانتخابية إلى أن الصلاحيات الكبيرة التي يتمتع بها الأمين العام للبلدية تعني أن المنتخبون تحت تصرف الإدارة، على حدّ قوله.

يذهب مقري إلى أن هذه الصلاحيات هي من تتسبب في "وأد الديمقراطية المحلية"، كما وصفها، ويعطي مساحة أوسع   لنفوذ وتغول الإدارة في شتى المجالات.

عراقيل بيروقراطية

تحدّث الباحث في العلوم السياسية مصطفى لعراجي، عن ثلاثية العراقيل التي يواجهها المنتخب المحلي باعتماد السلطة المركزية وتبعية البلديات لها أولًا، والأساليب التسيير البيروقراطية التي تهدد أي مبادرة محلية ثانيًا، أمّا ثالثا فيتعلق الأمر بضغط المواطن على المنتخب المحلي بغية الالتفات إلى انشغالاته وحلّ مشكلاته العالقة، من ذلك أزمة السكن ومشكل اهتراء الطرق وغياب الإنارة ونقص الرعاية الصحية في عديد المناطق النائية على سبيل المثال، في مقابل صلاحيات الوالي الذي يعدّ ممثلًا للدولة ممثلا للدولة ويحمي مؤسساتها، على حدّ تعبيره

وحتىّ تتضح الرؤية، وتصبح البلديات منتِجة، ينتظر أن تُنهي الحُكومة مناقشات إعداد مراجعة شاملة لقانون البلدية، إذ من شأنها أن تمنح للمنتخبين حرية المبادرات، واتخاذ القرارات فيما يتصل أساسا بالاستثمارات والمشاريع التنموية، ومؤسّسات شغّيلة تمتص البطالة، وتسيير العقار الصناعي والفلاحي.

الحديث عن صلاحيات رئيس البلدية عليه أن يكون بقوانين منصوص عليها بوضوح وترافقها نصوص تنظيمية

الحديث عن صلاحيات رئيس البلدية عليه أن يكون بقوانين منصوص عليها بوضوح وترافقها نصوص تنظيمية، وتفسيرية حتى لا تكون رهينة المناورات السياسية، فيما يصبح للمنتخب الشعبي سلطة حقيقية في اتخاذ القرار لتسيير الشأن المحلي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"الأرندي" يهاجم سلطة الانتخابات ويتهمها بمحاولة توجيه نتائج المحليات

الأزمة مع المغرب في قلب حملة المحليات