30-ديسمبر-2019

ضريح سيدي زرزور بولاية بسكرة (الصورة: Flickr)

أعاد بيان صادر عن وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، نهاية الأسبوع الماضي، جدلًا واسعًا حول دور الإمامة، والعلاقة الموجودة بين السلطة والمؤسّسات الدينية، حيث طلبت مديريات الشؤون الدينية من أئمة المساجد، تخصيص خطبة الجمعة للحديث عن "الحدث الجلل الذي ألم بالشعب الجزائري، بفقدانه رمزًا من رموز هذا الوطن المفدى"، في إشارة إلى وفاة رئيس أركان الجيش أحمد قايد صالح.

 وجّهت وزارة الشؤون الدينية تعليمةً إلى أئمة المساجد، تدعوهم إلى إلقاء دروس حول استهجان التدخّل الأجنبي

بين المطرقة والسندان

في هذا الشأن، يقول إمام مسجد أبي حنيفة النعمان وسط العاصمة، إنّ الإمامَ مكوّن من مكوّنات المجتمع، يتفاعل كباقي الفئات المجتمعية مع الأحداث الجارية، مضيفًا أنه رغم القيمة المعنوية والعلمية للإمامة، إلّا أنّه في النهاية، موظفٌ كغيره ينتمي إلى قطاع تُشرف عليه الدولة، وبالتالي، يُردف قائلًا: "يخضع إلى طائلة القانون، ولدفتر شروط محدّد في التوظيف، ويلتزمُ بتعليمات الوزارة وفق عقد عمل".

اقرأ/ي أيضًا: الطرق الصوفية.. محل استغلال سياسي جزائريًا

 وبخصوص التوجيهات الصادرة من الوزارة إلى الأئمة، المحدّدة لمواضيع خطب الجمعة، أوضح محدثنا أن تلك التعليمات تخضع في الغالب، إلى ضمير وتقدير كلّ إمام، فإن لم تحمل ما يخالف المعلوم من الدين بالضرورة فلا حرج. أمّا ما يحمل شبهة الاستغلال أو خدمة أجندة السلطة، فالإمام يقع حينها بين المطرقة والسندان، على حدّ تعبيره.

 يُشير إمام المسجد، أن الإمام يخضع إلى مراقبة قبلية وبعدية من طرف مفتّشين، وتقييم دوري حول مساره ونوعية خطاباته، وقد تصل عقوبة مخالفة توصيات الوزارة إلى تجميد عقد العمل، أو الطرد التعسّفي، أو تحويله إلى مساجد نائية، مليئة بالصراعات مع التيّارات السلفية المدخلية.

الشؤون الدينية تجند الناخبين

يُذكر أنه سبق وأن وجّهت وزارة الشؤون الدينية تعليمةً إلى أئمة المساجد، تدعوهم إلى إلقاء دروس حول استهجان التدخّل الأجنبي في الشؤون الداخلية للبلاد، وألحّ وزير الشؤون الدينية في لقاءاته المتكرّرة مع إطارات وزارته، على أن "المؤسّسة الدينية تقف مع نداء الجزائر، وخيار الانتخابات الرئاسية".

لطالما شكلت مؤسّسة المسجد، حسب متتبعين، أحد المنابر الفاعلة في ترويج برامج النظام، استخدمتها السلطة السياسية في تمرير أجندتها. وتعمل الوصاية على انتقاء الأئمة الأقلّ تمرّدًا، ويخضع الإمام إلى مراقبة شبه أمنية، تُقيّم فيها دروسه وخطبه الأسبوعية.

في هذا السياق، سبق وأن ذكر جلول حجيمي، الأمين العام للتنسيقية الوطنية للأئمة وموظفي الشؤون الدينية، أنّ وزارة الشؤون تعمل على توظيفِ أطرافٍ من التيّار المدخلي، القائم ظاهريًا على السمع والطاعة للحاكم، لكنه يُخفي عقيدة الولاء والبراء والتكفير.

الزوايا كقاعدة سياسية

شهدت فترة رئاسة عبد العزيز بوتفليقة صعودًا لدور الزوايا في المشهد السياسي، وبات لهذه المؤسسة دورًا قويًّا في تعيين ووصول مسؤولين إلى هرم السلطة، حيث سارعت شخصيات سياسية، ورجال أعمال، وحتى فنانين إلى التقرّب من بعض الزوايا بقصد التبرّك السياسي، ورضى مسؤولي السلطة عنهم.

 في هذا السياق، يرى الباحث والأستاذ في علم الاجتماع، مصطفى راجعي، أنّ كلمة الزوايا لها عدّة معانٍ؛ فهي قد تعني مؤسّسات تعليم القرآن التابعة لبعض الخيّرين الذين ينفقون على تدريس الطلاب القرآن على حسابهم، إلى مؤسّسات الطرق الصوفية التي لها أتباعٌ وأملاك وقفية في الجزائر وخارجها، ولها مؤسّسات وطنية ودولية تشكّل جزءًا من المجتمع المدني، مثل المؤسّسات التابعة للطريقة العلاوية.

 وأضاف المتحدّث، أن المؤسّسات التجانية في تماسين بولاية ورقلة جنوبي البلاد، تشتغل على التنمية الاجتماعية مثلًا. مشيرًا أن الزوايا الصغيرة عمومًا، تكون أشدّ التصاقًا بالسلطة، بينما المؤسّسات الصوفية كالمؤسّسات العلوية بولاية مستغانم، والتجانية بمدينة بورقلة، والرحمانية بولاية بوسعادة، مؤسّسات تُحاول أن تكون مستقلّة عن السلطة ما استطاعت، على حدّ قوله.

 وذكر محدّثنا، أن السلطة في الجزائر في حاجة إلى دعم المؤسّسة الدينية. في فترة بومدين، كان هناك دعمٌ من قبل التيّار الإصلاحي في وزارة الشؤون الدينية، وكان التيّار الطرقي مستهدفًا، ولمّا جاء الشاذلي أرجع للطرق والزوايا حقوقها العقارية المسلوبة، في إطار تأميم الأراضي في مرحلة حكم بن بلة.

مواجهة الإسلام السياسي

يستطرد مصطفى راجعي، أن الزوايا عادت للظهور سياسيًا مع وقف المسار الديمقراطي سنة 1992، حيث لجأت السلطة إلى دعم الزوايا لمواجهة الإسلامين من الجبهة الإسلامية للإنقاذ، الفائزة بمقاعد المجلس الشعبي الوطني في التسعينات.

وبخصوص فترة بوتفليقة، أوضح أنّها "الفترة التي لاحظنا فيها ظهورًا كبيرًا لدور الزوايا العليمة، والزوايا الطرقية، وتكاثرت الجمعيات التي تنسب نفسها للزوايا، من أجل الحصول على الأغلفة المالية والعقارات".

تبون والزوايا

يؤكّد الباحث في علم الاجتماع، أن هدف السلطة من هذه الممارسات، كان كسب تأييد اتّباع هذه الزوايا والمؤسّسات الصوفية في تزكية العهدات المتتالية لبوتفليقة، كونها مؤسّسات تملك نفوذًا كبيرًا في أوساط الجزائريين في الجزائر العميقة. في مقابل ذلك حاولت الزوايا استعادة حضورها في الساحة، بعد سنوات المصادرة والرقابة في فترة الرئيس بومدين.

وفي تقدير راجعي، فإن فترة ما بعد بوتفليقة، ستعرف إعادة ترتيب بيت الزوايا والطرق الصوفية، إذ إنّ "الملفت للانتباه هو أن الرئيس عبد المجيد تبون تعود أصوله إلى بوسمغون بولاية البيّض غربي البلاد، وهي محجّ أفريقي ودولي لكل أتباع الطريقة التجانية، حيث عاش فيها مؤسّس الطريقة أحمد التجاني المتوفّي في القرن 18، لمدّة 13سنة، وله فيها مكان كان للعبادة والذكر والخلوة، وهناك تلقّى الصلاة التجانية المعروفة بعد تجربة روحية شخصية مؤثّرة".

كان والد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون من أتباع ومريدي الطريقة التجانية

وحسب مصادر "الترا جزائر"، فإن والد عبد المجيد تبون كان ممثلًا لجمعية العلماء المسلمين في المنطقة، وحضر افتتاح دار الحديث بمدينة تلمسان، وكان والد تبون من أتباع ومريدي الطريقة التجانية أيضًا.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الزاوية التيجانية.. قِبلة العشاق ومورد النُسّاك في الصحراء الجزائرية

الطرق الصوفية.. محل استغلال سياسي جزائريًا