01-ديسمبر-2020

المعارضة الجزائرية انتقدت لائحة البرلمان الأوروبي (الصورة: MCD)

استنكرت الأحزاب المعارضة في الجزائر، مضمون وتصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والبرلمان الأوروبي، ووصفتها بأنها محاولة للتدخّل في الشؤون الداخلية للبلاد.

رشيد شايبي: لائحة البرلمان الأوروبي محاولة لابتزاز الجزائر لتحقيق مصالح أوروبا الاقتصادية

تمثّل المواقف الأخيرة لقوى المعارضة الجزائرية اتّجاه التصريحات واللّوائح والتقارير التي تصدرها دول وهيئات غربية إزاء الوضع السياسي الداخلي للبلاد، ووضعية حقوق الانسان الجزائر، حالة سياسية متميّزة مقارنة بالمعارضات السياسية في كثير من الدول العربية، فهي تتخندق ضدّ أيّ تدخّل خارجي مباشر وغير مباشر، على الرغم من أن الخطوات الدولية تعزّز في ظاهرها انتقادات المعارضة لكثير من ممارسات السلطة الجزائرية.

اقرأ/ي أيضًا: البرلمان الأوروبي يُدين بشدّة الوضع الحقوقي في الجزائر بعد الحراك

هنا، وصف رئيس "حركة مجتمع السلم" عبد الرزاق مقري لائحة البرلمان الأوروبي بالأوامر؛ لأنها تحوز حسبه "عبارات بصيغة أوامر وبلا حياء في قضايا داخلية وسيادية نحن من يتكفّل بها ولا دخل لهم بشأنها".

ولفت مقري إلى أن حزبه معارض للسلطة في الجزائر، وسبق له أن قاطع الانتخابات الرئاسية ثم رفض مسودة الدستور، لكنه لا يثق في الأطراف الأوروبية، مستطردًا "نحن لا نثق بهم مطلقًا، يسكتون عن حقوق الإنسان والديمقراطية حين تتحقق مصالحهم، ويضغطون باسم حقوق الإنسان من أجل الابتزاز والتحكم".

كما اعترض رئيس "حمس"، على ما جاء في اللائحة الأوروبية التي تطالب السلطات الجزائرية بتغيير التشريعات المتعلقة بالهوية والمنظومة الأسرية، وأردف قائلًا أن البرلمان الأوروبي "يستغلّ رعونات وانحرافات وأخطاء النظام السياسي في مجال الحرّيات".

فرنسا على الخط

من جهته، اعتبر القيادي في "جبهة القوى الاشتراكية"، رشيد شايبي، لائحة البرلمان الأوروبي محاولة لابتزاز الجزائر لتحقيق مصالح أوروبا الاقتصادية، وربط القيادي بين توقيت صدور اللائحة واجتماع الاتحاد الأوروبي مع الجزائر لمناقشة مراجعة اتفاق الشراكة بين الطرفين والذي دخل حيز التنفيذ قبل 15 سنة.

في السياق نفسه، ردّ رئيس حزب التجمّع للثقافة والديمقراطية عن تصريحات الرئيس الفرنسي، واعتبرها عبارة عن صك أمان لرؤساء الدول، حيث اتهم رئيس الحزب محسن بلعباس في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي  فيسبوك، ماكرون قائلًا "لم يجد إيمانويل ماكرون بُدًّا من إعطاء دروس في الديمقراطية وإدارة الحكم، في حديثه إلى القادة الأفارقة، كما سمح لنفسه بتوزيع شهادات الشرعية على قادة شعوب الأنديجان التي نمثلها".

وواصل بلعباس :"الرئيس ماكرون عند تناوله للجزائر خولت له نفسه بإصدار شهادة ثقة لرئيس الدولة ويقول إنه مستعدٌّ لمساعدته فيما يسميه بالفترة الانتقالية".

واعتبر رئيس "الأرسيدي" أن تصريحات ماكرون ليست مجرّد تدخّل، ولكنها دليل على أن فرنسا تدير خارطة طريق لبلدنا"، وطالب بلعباس الرئيس ماكرون بوقف التدخلات الفرنسية في الشؤون الوطنية، موضّحًا أن التدخّلات المتكرّرة لفرنسا الرسمية في الخيارات السيادية للبلدان الإفريقية هي جزء من المشكلة".

وجاء في بيان شديد اللهجة لمحسن بلعباس: "فرنسا ما بعد الاستعمار هي جزء من مشكلتنا، إلى جانب كونها جزءًا من الماضي المؤلم للجزائر وأفريقيا"، مشددًا على أن الجزائر وأفريقيا لن يبقيا لأبد الدهر في وضعية التابع لخدمة المصالح الاستعمارية الجديدة، على حدّ تعبيره.

الخلفية التاريخية

هناك عوامل تاريخية وفكرية وضعت المعارضة السياسية في الجزائرية في هذا السياق الذي يرفض التدخلات الأجنبية في الشأن الداخلي ويتعامل بحساسية وحذر لافت مع هكذا مواقف غربية تجعل من قضايا حقوق الانسان والديمقراطية.

يتأسّس موقف المعارضة الجزائرية من المواقف الأجنبية على فكرة استقلال القرار والخيار الوطني الذي استندت اليه الحركة الوطنية قبل استقلال الجزائر (1830-1962)، وبرغم الخلافات التي دبّت بين قيادات الثّورة بعد الاستقلال، واضطرار بعضها للعيش في المنفى، فإن أي منها لم يسارع إلى الاستعانة بأطراف خارجية لتعزيز موقفه في الداخل أو السعي لإحداث انقلاب سياسي، حيث ظلّ رهان المعارضة قائما على الشعب الجزائري والقوى الحية والظروف التي ساعدت على إحداث تغيّرات مرحلية مثلما حدث في أحداث الخامس تشرين الأول/أكتوبر 1988، وحراك الـ22 شباط/ فيفري 2019.

ومن هذه الخلفية للفعل السياسي منذ الاستقلال، تبقى أحزاب المعارضة في الجزائر منحازة للموقف الداخلي بكلّ ارتداداته وبمختلف تبعاته، حسب الباحث في العلوم السياسية نور الدين مهني، إذ قال في حديث لـ" الترا جزائر" أن هناك دافع آخر يجعل المعارضة الجزائرية أقل ثقة في المواقف الغربية إزاء قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية،  لافتا في هذا الصدد إلى أن بعض المؤسسات الغربية، الرسمية والسياسية والاعلامية، تكيل بمكاييل مختلفة لهذه القضايا، وعلى سبيل المثال لا الحصر رؤيتها للأحداث المتعلقة بفلسطين والممارسات الاسرائيلية، وفي مناطق صراع أخرى.

علاوة على ما سبق، يضيف المتحدث أن "الغرب الذي يحاجج عن الحريات وينتقد ممارسات بعض الأنظمة العربية، هو نفسه الذي كان يتعامل مع هذه الأنظمة ويتستّر على ممارساتها في ظروف وسياقات سابقة.

بعض السياقات والتجارب في المنطقة العربية، أثبتت أن ما يهمّ الغرب هو النفط، ومصالحه بالدرجة الأولى، أكثر من الحريات والديمقراطية، وانه يستغل ذلك لابتزاز الدول، وهذا يعزز من خوف المعارضة الجزائرية من اي تدخلات اجنبية تحت هذه العناوين

الشأن الداخلي خطّ أحمر

وبعيدًا، عن العوامل السابقة، ثمّة عامل قوي، يجعل من المعارضة الجزائرية تتجنّب التّفاعل إيجابا مع المواقف والخطوات الغربية حيال التدخّل الأجنبي في الشّأن الجزائري الداخلي، حيث تحترز من الموقف الرأي العام الداخلي، الذي تشكّلت لديه حساسية بالغة من المواقف الغربية عبر السنوات إذ يرفض التدخّل الأجنبي في الشؤون الداخلية للبلاد.

وكان البرلمان الأوروبي قد تحدث عن وضعية حقوق الإنسان وقضية معتقلي الرأي وناشطي الحراك الشعبي، كما تناولت اللائحة مسألة إغلاق السلطات الجزائرية لتسع كنائس مسيحية، علاوة ومطالبة السلطات الجزائرية بتنفيذ الاتفاقات الدولية، "خاصّة ما تعلق باتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والجزائر، الذي ينصّ على احترام مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات الأساسية كحرية التعبير واستقلالية القضاء".

من جهتها ردّت الخارجية الجزائرية على اللائحة الأوروبية، واعتبرت أنها تمسّ "بالعلاقات بينها وبين شركائها الأوروبيين" وذات "مضمون مشكوك فيه"، كما أنها "تحمل جملة من الاساءات والإهانات ضدّ الشعب الجزائري ومؤسّساته وكذا الدولة الجزائرية".

كما استنكرت الجزائر ما وصفته بـ"اللهجة الحاقدة والتي تشوبها روح الاستعلاء لهذا النص، الذي أبان عن العداء الدفين الممتد للحقبة الاستعمارية الذي تكنه بعض الأوساط الأوروبية للشعب الجزائري و لخياراته السيادية".

الغرب وإنقاذ النظام

بدورها، وصفت لويزة حنون رئيسة "حزب العمال" اللائحة الأوروبية وتصرحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بأنهما ذاتا مضمون متناقض في الظاهر، ولكنهما تشتركان في هدف واحد هو إنقاذ النظام السياسي المرفوض شعبيًا في بلادنا.

لويزة حنون التي سبق وأن دافع عنها البرلمان الأوروبي حين كانت في السجن، بررت انتقادها للائحة، بأن الأمر لو كان يتعلق بحقوق الإنسان لكان عاديًا في إطار التضامن البرلماني الدولي، مثلما حدث معها عندما كانت في السجن، لكن الأمر حسبها، تعدّى ذلك إلى اقتراح مسار سياسي شامل عبر مرحلة انتقالية.

يبدو أن قوى المعارضة في الجزائر لا تريد أن تستغل الضغوطات الأوروبية لصالحها

يبدو أن قوى المعارضة في الجزائر، لا تريد أن تستغل الضغوطات الأوروبية لصالحها في معركتها السياسية ضدّ النظام، فهي وإن كانت تندّد بقمع الحريات وتجاهلالسلطة لصوت الحراك الشعبي في الداخل، فهي تتعامل بحساسية مفرطة مع كل التصريحات القادمة من الضفة الأخرى، سواءً كانت منتقدة للنظام أو مادحة له.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

أكبر حزب في البرلمان الأوروبي يُطالب بمتابعة نتائج الرئاسيات الجزائرية

البرلمان الأوروبي يتأهّب للتصويت على لائحة تدين الجزائر في قضية درارني