14-أغسطس-2019

أجواء العيد في حي القصبة العتيق بالعاصمة (فاروق بتيش/ أ.ف.ب)

لطالما كانت جلود الأضاحي "الهيدورة"، تشكّل أهمّ القطع في ديكور البيوت الجزائرية التي مازالت تحتفظ بخصوصياتها، ولكن مع عادات التمدّن وهجرة سكان الأرياف والقرى، تراجعت هذه العادات بشكل كبير في السنوات الأخيرة، بل وأصبحت جلود الأضاحي تشكّل عبئًا ثقيلًا على ربّات البيوت وعمّال النظافة معًا.

يعتبر البعض أن  التخلّص من جلد الأضحية دليل على كسل ربّات البيوت وتفريط في التقاليد

جرت العادة في مساء يوم الأضحى بعدد من الأحياء، أن يعلن شباب على مواقع التواصل الاجتماعي عن حملات لتنظيف الشوارع والأحياء من فضلات الأضحية، خاصّة في المناطق التي تأخرّت عنها شاحنات البلدية المكلّفة بجمع النفايات. بينما ينشر آخرون تذكيرًا بمواعيد رمي النفايات في كل بلدية حتى يتمّ جمعها في وقت واحد ولا تتسبّب في تلوث المحيط.

في السابق، لم يكن مشكل التخلّص من جلد الأضحية مطروحًا، إذ كانت أغلب العائلات الجزائرية تقوم بتنظيفها بطرق خاصّة، ثم الاحتفاظ بها للاستعمال اليومي، وكانت تُفرش في أرضية الصالونات، وتعلّق على الجدران للزينة، أو يتمّ جزّها والاستفادة من صوفها في نسج الكنزات والعباءات الشتوية التقليدية "القشابية" وبعض الأغراض للزينة.

لم يعد غريبًا اليوم، وأنت تتجوّل بين الأحياء، أن تشاهد مكبّات نفايات وقدّ تحوّلت إلى  مفرغة كبيرة لجلود الأضحية، وفي أحيان كثيرة، تمّ التخلّص منها بطريقة عشوائية ودون وضعها في أكياس بلاستيكية، وهو ما يجعلها مصدرًا للروائح الكريهة والحشرات.

تعاليق كثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، اعتبرت التخلّص من جلد الأضحية دليلًا على "كسل" ربّات البيوت، وتفريطًا في التقاليد، وتلويثًا للمحيط، في مقابل ذلك، يردّ ممتبّعون على هذه التهم، أن عادات التمدّن فرضت واقعًا مغايرًا اليوم، خاصّة وأن الاحتفاظ بالجلود يتطلّب عناية خاصّة بها، منها تمليح جلد الأضحى وتعريضها للشمس فوق سطوح المنازل لفترة طويلة، وهو أمرٌ لا يُناسب سكّان العمارات.

من وجهة نظر اقتصادية، يرى متتبّعون، أن رمي جلود الأضاحي هو إهدار لثورة كبيرة، خاصّة وأنّه يمكن استغلالها، دون اللجوء إلى الاستيراد، فقد سبق للناشط سمير لقصوري، وهو ناشط في مجال حماية المستهلك إلى التنبيه أن الجزائريين يتخلّصون من 4 ملايين قطعة سنويًا، بينما تصل قيمتها إلى ملايين الدينارات، داعيًا إلى تشكيل نقاط لجمعها والإستفادة منها.

وتساءل لقصوري في الوقت نفسه، عن المبالغ المالية التي تصّف على استراك الكميّة نفسها من الجلود كلّ سنة، بينما يكلّف التخلّص منها في الجزائر ميزانيات ضخمة.

من جهة أخرى، أثار هذا الموضوع تعليقات ساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ حاول البعض أن يشارك صورًا لعروض الأزياء والموضة، تُستعمل فيها جلود الصوف، مادة أساسية في صناعة الألبسة العصرية، دعوةً منهم إلى الاستفادة من هذه الجلود وعدم إهدارها.

تاريخيًا، لجلد أضحية العيد، دلالات تاريخية في الموروث الشعبي الأمازيغي في الجزائر، إذ يقوم كثير من الأمازيغ -إلى غاية يومنا هذا- بمسح وجوههم بجلد الأضحية مباشرة بعد سلخها، ويُرجع كثير من المؤرّخين، أصول هذه الحركة إلى القائد الأمازيغي كسيلة، الذي توعّد بها عقبة بن نافع فاتح شمال أفريقيا بعدما أهانه وقلّل من شأنه، بحسب ابن خالدون.

يعتقد أمازيغ الجزائر أن عادة مسح الوجه بجلد الأضحية يعود إلى حادثة وقعت بين كسيلة وعقبة بن نافع

كثير من الأمازيغ اليوم وخصوصًا الشاوية، مازالوا يحتفظون بهذه العادات، إلا أن مدلولاتها لم تعد مرتبطة بالوعيد أو شيئًا من هذا القبيل، ولكنّ يعتقد كثيرون أن هذه العادة التي توارثوها منذ القدم، تُزيل البثور وتعمل على ترطيب البشرة وتنقية الوجه.