14-يونيو-2022
برلمانيون داخل قبة المجلس الشعبي الوطني (الأناضول/Getty)

برلمانيون داخل قبة المجلس الشعبي الوطني (الأناضول/Getty)

تعود كل سنة مع اقتراب موعد اختتام الدورة البرلمانية بالمجلس الشعبي الوطني، انتخابات تجديد الهياكل لتطفو إلى السطح، وسط منافسة حادة بين الأحزاب ممثلة في ستة كتل برلمانية، للظفر بمناصب رؤساء اللجان ونواب الرئيس والمقررين، وهي العملية التي ستكون فيها الكلمة إما لصندوق الإقتراع أو عن طريق التعيين حسب خيارات كل حزب.

هذه المناصب تحمل في ظاهرها امتيازات عديدة منها السيارة الفاخرة والسفريات المغرية للخارج والتقاعد المريح ولكنها تتضمّن في باطنها مهام صعبة

هذه المناصب التي تحمل في ظاهرها امتيازات عديدة منها السيارة الفاخرة والسفريات المغرية للخارج والتقاعد المريح والمنحة المضاعفة عند نهاية الخدمة والكثير من "البريستيج"، ولكنها تتضمّن في باطنها مهام صعبة، وطريق محفوفة بالألغام، لتمثيل الجزائر دوليًا،ومسؤولية تثقل كاهل المنصّبين، فهؤلاء سيكونون ملزمين بخدمة المواطن والحزب ونصرة القضايا العادلة في البرلمانات الأجنبية.

وبين من يصف هذا التنافس المحموم بالظاهرة الصحية، حيث تمكن العديد من النواب طيلة تسعة عهدات برلمانية من إيصال صوت المواطن للمسؤول وحلحلة مشاكل العديد من المناطق في الجزائر العميقة، ودعم القضايا الفلسطينية والصحراوية وتفكيك أزمات حادة، عبر إشهار بطاقة المناصب السيادية في البرلمان.

في مقابل ذلك، يعتقد آخرون أن السعي إلى الفوز برئاسة اللجان ما هو إلا طمع في منحة مرتفعة عند نهاية العهدة وسفريات مجانية لمختلف دول العالم وسيارة فارهة ووصولات وقود وأحيانًا خادم شخصي، وامتيازات أخرى "تسيل لعاب" العديد من البرلمانيين، فكيف كانت تجربة من تداولوا على مناصب المسؤولية بمختلف هياكل المجلس الشعبي الوطني في السنوات الماضية؟

أسبوع حافل لتجديد الهياكل

في هذا السياق، يقول رئيس الكتلة البرلمانية لحزب جبهة التحرير الوطني سيد أحمد تمامري في تصريح لـ"الترا جزائر" إن انتخابات تجديد  الهياكل بالبرلمان التي تنتهي آجالها بتاريخ 23 جوان/ حزيران 2022، تتعلق بمناصب تنفيذية داخل المجلس الشعبي الوطني منها ما يرتبط بنيابة الرئيس، ومنها ما يشمل رئاسة اللجان الدائمة وعددها 12 لجنة إضافة إلى 12 مقررًا على مستوى كل لجنة.

وتقوم كل كتلة برلمانية بالمجلس الشعبي الوطني بالاستعداد لهذا السباق، الذي يعد فرصة لتمكين المناضلين من افتكاك مناصب المسؤولية ومناسبة أيضًا لتمثيل الحزب وتحقيق البروز السياسي على المستوى الوطني، وإظهار الإمكانيات التشريعية للبرلماني والارتقاء في التأثير والتغيير.

ويصرح تمامري: أنّ "صعوبة المسؤولية وثقل حجمها يفرض على النائب تكريس جلّ وقته للعمل داخل هياكل البرلمان ومجابهة الضغط الكبير، وليس فقط الاستفادة من بضعة امتيازات كما يحاول البعض تصويره".

وضرب المتحدث مثالًا بلجنة المالية، التي تفرض عملًا كبيرًا في الاجتماعات وضغطا حادا، وأحيانا مناقشة تعديلات القوانين لساعات متأخرة من الليل.

ومن جهته يؤكّد رئيس الكتلة البرلمانية لحركة البناء الوطنية كمال بن خلوف، في تصريح لـ"الترا جزائر"، أن هدف انتخابات تجديد الهياكل بالمجلس الشعبي الوطني هو استقطاب الطاقات الجديدة وتدوير العمل البرلماني للنواب، وإتاحة الفرصة لهؤلاء لإبراز إمكانياتهم، وتجديد دماء المجلس، رغم أن دوره اليوم لم يعد رياديًا، بل لا يزال يجابه النمطية ولم يستطع الانتقال إلى المستوى الذي أسس له رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، وطمح إليه الشعب الجزائري.

كيف تختار الأحزاب ممثليها؟

تختار الأحزاب السياسية الممثلة للكتل البرلمانية في الهيئة التشريعية، ممثليها في الهياكل، إما عبر الصندوق أي "انتخاب الشخص الذي تراه مناسبًا"، على غرار ما يقوم به حاليًا حزب جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي، وحركة البناء الوطني، التي فضلت اللجوء إلى طريقة الاقتراع.

بينما تلجأ أحزاب أخرى إلى التعيين والتنصيب المباشر، خاصة عند الفصل في من سيمثلها في المناصب السيادية كنواب الرئيس ورؤساء الكتل، يتقدمها جبهة المستقبل وحركة مجتمع السلم، وحتى الأحزاب ذات التمثيل الواسع، التي ترى أن الصندوق، خيار مناسب في تجديد الهياكل لاختيار أعضاء ومقرري اللجان لتفادي الصراعات الداخلية و"الكولسة"، فيما تفضل التعيين، عند انتقاء من سيمثلها في المناصب العليا.

وفي السياق، يقول سيد أحمد تمامري، "في الأفلان نختار ممثلينا  عن طريق الصندوق، أما عن الطريقة المنتهجة لدى باقي الكتل، فكل حزب ينتقي الصيغة التي يراها مناسبة"، ويشدد قيادي "جبهة التحرير الوطني" أن للحزب دور كبير في الإشراف على نزاهة هذه الانتخابات، من خلال الحرص على ضمان وصول النواب الفائزين إلى مناصبهم، والذين يفترض أن يتمتعوا بالكفاءة والخبرة الكبيرة والكافية لتمثيله.

امتيازات تسيل اللعاب

وبالمقابل، يشكك النائب السابق لخضر بن خلاف في مصداقية كل نائب يصرح بأن الامتيازات التي تتضمنها مناصب الهياكل لا تثير شهية البرلمانيين، الذين يتسابقون عليها من كل حزب وتيار سياسي.

 فهذه الأخيرة _ يقول بن خلاف لـ"الترا جزائر "_  تضمن لهم سيارتين، بدل المركبة الواحدة، ووصولات وقود مجانًا وخط هاتفي مدفوع الأجر وتخفيضات في تذاكر السفر والعديد من الخدمات الأخرى، والأكثر من ذلك أجر وتقاعد مريحين ومرتفعين بنسبة 20 بالمائة مقارنة مع بقية النواب، وزيادة معتبرة في مكافأة نهاية الخدمة عند انتهاء العهدة البرلمانية.

وضرب المتحدث مثالًا بالعهدات التشريعية السابقة، أين كان يتهافت النواب من التيارين المعارضة والموالاة على هذه المناصب، لدرجة نشوب صراعات وكولسة وخلافات حادة وملاسنات في بعض الأحيان تحت قبة مبنى زيغود يوسف.

ويرد عليه كمال بن خلوف، بالقول أن هذه الامتيازات "مضخمة ولا تمثل إغراءً ماديًا معتبرًا مقارنة مع حجم المسؤولية التي ستقع على عاتق من سيتحملها"، وذهب المتحدث أبعد من ذلك، مشددًا "السيارات التي يتلقاها النواب المعنيون قديمة وترقيم بعضها يعود إلى سنة 2006، فما المغري في مثل هذه الإكراميات"؟

واعتبر بن خلوف أن الإغراء الحقيقي يكمن في منح النائب صلاحيات أوسع لممارسة مهامه النيابية وفرض الرقابة على أداء الجهاز التنفيذي دون خنق أو تضييق، وتمكينه من إيصال صوت المواطن.

الوجه الأخر لتجديد الهياكل

وغير بعيد عن ذلك، يؤكد النائب السابق وممثل المجلس في برلمان البحر الأبيض المتوسط، عمار موسي، أنه لطالما شكلت انتخابات تجديد الهياكل بالمجلس الشعبي الوطني صراعًا بين النواب بسبب امتيازاتها المتعددة ورغبة هؤلاء في تمثيل احزابهم في اللجان السيادية على غرار المالية والقانونية والخارجية.

إلا أن ذلك _ حسب موسي_ لا ينفي الوجه الخفي لانتخابات تجديد الهياكل، وهو الظفر بفرصة تمثيل الجزائر في الاجتماعات الدولية ومساندة القضايا العادلة وإحياء دبلوماسية البرلمان.

وضرب المتحدث مثالًا بحركة مجتمع السلم، وهو الحزب الذي مثله في انتخابات الهياكل في آخر عهدة، حيث كان تعيينه ببرلمان البحر الأبيض المتوسط، امتحانًا حقيقيًا لإبراز قدرة البرلماني وسعيه للتغيير والمشاركة في التوصيات الإقليمية.

ويضيف المتحدث: "شخصيًا سبق لي وأن مثلت المجلس في برلمان البحر المتوسط وخلال هذه المدة سعيت لإيصال صوت بلدي ومواقفها لاسيما فيما يتعلق بالقضايا الدولية العادلة على غرار القضية الفلسطينية، حيث سبق وأن انسحبنا من مؤتمر افتراضي حضره ممثلو (إسرائيل)، وهو ما أزعج المحتلين".

يبقى العمل النيابي في برلمانات العالم خاضعا للتقييم من خلال أداء النائب وقدرته على المساهمة في التغيير

وفي النهاية، يبقى العمل النيابي في برلمانات العالم خاضعا للتقييم من خلال أداء النائب وقدرته على المساهمة في التغيير، وليس بناء على الامتيازات والمنح المادية، فهل تمكّنت برلمانات الجزائر في 9 عهدات كاملة من تحقيق جزء من هذا الهدف، بعيدا عن الماديات؟