في كلّ سنة، وعلى بُعد أشهر قليلة من شهر رمضان، تدخل القنوات التلفزيونية الجزائرية سباقًا محمومًا ضدّ الزمن من أجل الظفر بأبرز الإنتاجات في الفكاهة والدراما، فقد صار ثابتًا أن المواطن الجزائري يفضّل متابعة القنوات المحليّة في رمضان، وهو ما يضمن لهذه القنوات نسبة مشاهدة عالية تدّر عليها عقود إشهار معتبرة.
أخلط وباء كورونا أوراق القنوات والمنتجين على حدّ سواء، فتوقفت العديد من الإنتاجات
هذا العام، أخلط وباء كورونا أوراق القنوات والمنتجين على حدّ سواء، فتوقفت العديد من الإنتاجات واستنجدت بعض القنوات بأرشيفها من أجل تعويض أعمال لم تجهز، ومن بين أبرز الإنتاجات التي وجدت نفسها خارج سباق رمضان مسلسل "بابور اللوح" ، الذي كان ينتظره الجميع، كونه يجمع نفس فريق عمل مسلسل "أولاد الحلال" الذي حقّق نجاحًا باهرًا وحصد أعلى نسب المشاهدة العام الماضي.
اقرأ/ي أيضًا: عثمان عريوات.. "الجنرال" يعود إلى التلفزيون الجزائري
بابور اللوح على هواتفكم
أطلّ فريق مسلسل "بابور اللوح" ، في شريط فيديو نشرته الشركة المنتجة للعمل الدرامي، يبرّر فيه الممثل عبد القادر جريو، صاحب الدور الرئيسي في المسلسل، أنّ عدم بث العمل في شهر رمضان، كان بسبب عدم اكتمال تصوير المشاهد الخارجية لأسباب وصفها بالقاهرة، حيث تم إلغاء كل رخص التصوير بسبب وباء كورونا، وكذا رغبةً من فريق العمل في تصوير المشاهد على أفضل وجه، وأشار جريو إلى أن فريق العمل كان بمقدوره تصوير المشاهد الخارجية المتبقية (مشاهد البحر)، لكنه قرّر تأجيل ذلك لما بعد رفع الحجر الصحّي.
وفنّد جريو في ذات الفيديو كل الأخبار التي راجت عن إمكانية بثّ المسلسل على قنوات جزائرية وعربية، بل وفي خرجة مفاجئة أعلن فريق العمل عن بثّ المسلسل حصريًا، على منصّة مشاهدة إلكترونية جديدة تسمّى "يرى" ، وبرّر عبد القادر جريو القرار كون" الجميع يمتلك هاتفًا نقالًا يلازمه أينما كان، وأن الكل يشاهد أفلامًا وأعمالًا عبر منصات عالمية مثل نتفليكس، وهو ما دفع فريق "بابور اللوح" لخوض التجربة التي يرى جريو أنها ستفتح المجال أمام إمكانية إنتاج أعمال فنية خارج شهر رمضان.
مغامرة؟
يعتبر عبد القادر جريو، أن عرض المسلسل على منصّة إلكترونية ليس مغامرة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لكنها دفعة نحو الأمام للالتحاق بركب عالم الانتاج عالميًا، ويعدّد جريو دوافع هذا الخيار بالقول إن الفكرة كانت تختمر في ذهنه رفقة المنتج عماد هنودة منذ سنتين، وأتى أوان تنفيذها، كما أن هذه المنصة في حال نجاحها ستكون أولى لبنات القضاء على فكرة الإنتاج في شهر رمضان فقط، وانتظار الممولين والمشهرين، وهو ما كان يجعل الممثلين ينتظرون طويلًا للحصول على مستحقاتهم".
ويضيف صاحب دور مرزاق في مسلسل "أولاد الحلال" في تصريحات صحافية " فكرة منصة يرى مبنية على أن المشاهد هو من يختار ما يشاهد وقت ما يشاء، فمن يدفع مالًا من أجل تذكرة مسرحية أو فيلم، سيدفع أيضًا لمشاهدة سلسلة على هاتفه، التحدي هنا هو نوعية الإنتاج، لا أحد سيدفع مالا من أجل مشاهدة إنتاج رديء"، ويستشهد جريو بسلسلة "لاكازا دي بابيل"، التي مرّت مرور الكرام حين تم بثّها على قناة إسبانية، لكنها أحدثت ضجّة عالمية وحقق نجاحًا خرافيًا بعد أن اشترت منصّة نتفليكس حقوق بثها.
في السياق نفسه، يرى الصحافي ماليك سليماني، "أنّ عرض الأعمال السينمائية و الدرامية على المنصّات الإلكترونية أصبحت ظاهرة منتشرة في كل العالم وأعطت ثمارًا إيجابية أيضا في الوطن العربي"، ويعتقد المتحدّث أنّ اعتماد هذه الطريقة في العرض بالجزائر مغامرة ذكية وجريئة وجيدة، فالمشاهد الجزائري يتابع أعمال عالمية في منصات عديدة، كما أنّ مسلسل بابور اللوح يعدّ من الأعمال التي ينتظر الجمهور مشاهدتها؛ فنجاح مسلسل "أولاد الحلال" فتح شهية الجمهور لاكتشاف العمل الجديد لفريق العمل نفسه".
كما يعتقد سليماني، أن الإنتاج الدرامي خارج الموسم الرمضاني، موضوع يُثار منذ سنوات، ليس فقط في الجزائر، لكن الواقع يثبت دائمًا أن كسر القاعدة الكلاسيكية هي تحدٍ ليس بالسهل، ولو أن كسر هذه القاعدة سيعود بالفائدة على الجميع.
ماذا بعد رمضان
بات واقعًا جزائريًا أن يتحوّل الفنان إلى بطال بعد شهر رمضان، لانعدام العروض والفرص، ويجد الفنان الجزائري نفسه في راحة إجبارية كون ثقافة الإنتاج التلفزيوني لا تتجاوز مجرّد الوجود الرمضاني المنصبّ أساسًا على منطق العرض والطلب، الذي يصل حدّ الذروة في شهر رمضان، ليبقى الفنان الوحيد المعني بدفع فاتورة سياسة الإنتاج العرجاء في الجزائر كونه الحلقة الأضعف، فشغله يتحكم فيه طرفان منتجٌ حقق اكتفائه المالي من عقود رمضان، خاصّة بعد دخول القنوات الخاصّة على الخط، ومموّل أو مستشهر لا يُنفق مالًا دون ضمان نسب مشاهدة لا تتحقّق سوى في رمضان.
يرجّح كثيرون من المحسوبين على الوسط الفني في الجزائر، أنّ ظاهرة غزارة الإنتاج في رمضان وانعدامه في سائر السنة يعود لأسباب مالية بالدرجة الأولى، حيث تتعاقد القنوات مع منتجين منفّذين لإنتاج أعمال بعد ضمان توفّر ممولين لها، فقد سبق وأن توقف تصوير أعمال بسبب فشل مفاوضات القناة أو الشركة المنتجة مع ممولين للعمل. كما حدث أيضًا أن يتم اقتراح أعمال خارج الشبكة البرامجية الخاصّة بشهر رمضان على القنوات، لكنها تتحجّج بعدم توفر ميزانية كافية، وهذا ما يدفع الجميع للانخراط في ذات المنهجية والاكتفاء بإنتاج أعمال خاصّة فقط بشهر رمضان. فالجزائر لا تمتلك شركات إنتاج عملاقة تغامر بإنتاج برامج وأعمال تلفزيونية دون حد أدنى من ضمانات البث والتمويل إلا نادرًا.
يبدو أنّ السياسة التي تنتهجها القنوات الجزائرية الخاصّة، أثرت سلبًا على الساحة الفنية
يبدو أنّ السياسة التي تنتهجها القنوات الجزائرية الخاصّة، بما في ذلك مؤسّسة التلفزيون العمومي، أثرت سلبًا على الساحة الفنية وجعلت الإنتاج مقترنا فقط بشهر رمضان، رغم أنّ بعض الأعمال التي عرضت خارج رمضان حققت نجاحا كسلسلة "دارنا شو" التي أخذ منتجها سبيلًا مغايرًا متحديًا الأمر الواقع وعرضها خارج رمضان، فهل سيكون قرار عرض مسلسل "بابور اللوح" خارج رمضان بداية لتكريس سياسية إنتاجية جديدة، تتبنى فكرة أن الجزائري لا يشاهد التلفزيون إلا في رمضان؟
اقرأ/ي أيضًا:
حوار | خالد شنّة: دخلت عالم السينما صدفة وتكوّنت فيه عصاميًا
فيلم "بابيشة" يحصد جائزتين في مسابقة "سيزار" للفيلم السينمائي بباريس