وجد قطاع واسع من الجزائريّين أنّ معظم التّوقعات التّي كانت سائدة قبل الانتخابات التّشريعيّة التّي جرت، السّبت، من ذلك تفوّق القوائم الحرّة على القوائم الحزبيّة، وتراجع أحزاب السّلطة التّقليديّة لصالح واجهات ووجوه جديدة؛ قد ذهبت أدراج الرّياح؛ إذ أظهرت النّتائج الأوّليّة العكس تمامًا. فقد عادت معظم المقاعد في معظم الولايات إلى حزبي جبهة التّحرير الوطنيّ والتّجمّع الوطنيّ الدّيمقراطيّ إلى جانب أحزاب تعوّد عليها الجزائريّون، مثل حركة مجتمع السلم وحركة البناء وجبهة المستقبل.
تبدو ملامح التّغيير غائبةً من حيث المضمون البشريّ للبرلمان الجديد
من هنا؛ تبدو ملامح التّغيير غائبةً من حيث المضمون البشريّ للبرلمان الجديد؛ ومن حيث نسبة المشاركة التّي بلغت 23.03 % أي بتصويت خمسة ملايين ناخب ومقاطعة ثمانية عشر مليون من أصل 23 مليون ناخب مسجّل في القائمة الوطنيّة. ولعلّ الفرق الوحيد أنّ الدّستور الجديد يمنح للحزب ذي الأغلبيّة الحقّ في تشكيل الحكومة. وهو ما أدّى إلى تذمّر ظهر في الواقع والمواقع.
اقرأ/ي أيضًا: التشريعيات الجزائرية.. أسبوع حاسم أمام الأحزاب والقوائم المستقلة
يقول الطّالب الجامعيّ أسامة. ح إنّ أحد حزبي السّلطة كان في السّابق يستحوذ على الحكومة بتفويض من الرّئيس؛ فصار الاستحواذ بتفويض من الدّستور الذّي عُدِّل في انتخابات لم يشارك فيها ثلثا الشّعب تمامًا مثلما حدث في الانتخابات التّشريعيّة الأخيرة؛ "فإذا كانت الشرعيّة عند السّلطة القائمة تُستمدّ من المسار العامّ للانتخابات، فهي متوفّرة؛ لكن هل تستطيع أن تحقّق الاستقرار اللّازم في ظلّ غياب الشّرعيّة الشّعبيّة؟ كيف يستطيعون إقناع الشّارع بترك الاحتجاجات والعودة إلى البيوت بانتخابات قاطعها 16 مليون مواطن؟".
ويرى محدّث "الترا جزائر" أنّ السّلطة مرّرت رسالة مفادها ألّا شيء يحدث من غير إرادتها، "فمن أراد أن يضمن مصالحه وتواجده مستقبلًا، فما عليه إلّا أن يدخل إلى بيت الطّاعة؛ وإلّا سيجد نفسه في مهبّ الإقصاء والتّهميش، أو تحت طائلة المتابعة القضائيّة باسم قانون مكافحة الإرهاب والتّخريب". يختم: "لقد عدنا إلى جزائر بوتفليقة طولًا وعرضًا".
من منظور آخر؛ يقول النّاشط محمّد بتقة إنّه ليس من حقّ الذّي رفض العمليّة الانتخابيّة أن ينتقد النّتائج التّي كانت منسجمة تمامًا مع ارتفاع نسبة المقاطعة؛ "أليس من حقّ الذّين انتخبوا أن يمنحوا أصواتهم لمن يربدون؟ فلماذا تفرض عليهم ألّا يمنحوها للأحزاب الموالية وأنت لم تنتخب أصلًا؟". ويقول بتقة إنّ ثقافة المقاطعة بقدر ما هي موقف سياسيّ محترم في سياقه إلّا أنّها في الحزائر تحوّلت مؤخّرًا إلى صالح السّلطة التّي لم يعد يقلقها أن تبني مؤسّسات بانتخابات لا تستقطب إلا ثلث الشّعب؛ "هل منعت المقاطعة الرّئيس تبّون من أن يصبح رئيسًا؟ وهل منعت التّعديل الدّستوريّ من أن يتمّ؟ لذلك لن تمنع البرلمان الجديد من أن يباشر التّشريع للجزائريّين على مدار خمس سنوات".
ويؤاخذ محدّث "الترا جزائر" على قوى الحراك الشّعبيّ والسّلميّ كونها لم تطوّر خطابها بما ينسجم مع التّحوّلات التّي وقعت بعد عام 2019؛ "في مقابل مناورات قامت بها السّلطة نقلتها من مقام ردّ الفعل في بدايات الحراك إلى مقام الفعل في الآونة الأخيرة. وهو ما مكّنها من استرجاع المؤسّسات التّي تعتمد عليها في أخذ الشّرعيّة".
وورد في تدوينة فيسبوكيّة للإعلاميّ والنّاشط الحراكيّ ناصر الدّين سعدي أنّ من قاطعوا أو تجاهلوا الانتخاب عن وعي فعلوا لأنّهم يدركون أنّ آلة النّظام هي صاحب المشروع الانتخابيّ الشّكليّ الذّي لا يؤدّي الى مؤسّسة مؤهّلة للتّشريع بمعناه العصريّ. "يدركون أنّ المشاركة ترشّحًا وتصويتًا تكريس للوضع القائم وإنقاذ للبوتفليقيّة المتهالكة وخضوع لبهتان العهدة الخامسة بالوكالة".
وفي الوقت الذّي تساءل فيه صانع المحتوى محمّد ناجي "ما الذّي تغيّر؟"، تساءل الصّحفيّ مروان الونّاس ما معنى أن تحلّ برلمانًا متكوّنًا من حزبي السّلطة لم يبق له إلّا عام واحد لتنظّم انتخابات تفرز برلمانًا متكوّنًا من حزبيّ السّلطة؟ من جهته، كتب أحد النّشطاء الجمعويّين أنّه يطالب الحكومة بالخروج في حراك سلميّ للمطالبة بتغيير الشّعب!
يبدو أنّ الرّئيس عبد المجيد تبّون لعب آخر أوراقه بإجراء الانتخابات التّشريعيّة لاستكمال الشّرعيّة بعد الانتخابات الرّئاسيّة
يبدو أنّ الرّئيس عبد المجيد تبّون لعب آخر أوراقه بإجراء الانتخابات التّشريعيّة لاستكمال الشّرعيّة بعد الانتخابات الرّئاسيّة التّي أوصلته إلى قصر المراديّة نهاية عام 2019. فهل يغضّ الطرّف عن ضعف نسبة المشاركة في المواعيد الانتخابيّة الثّلاثة ويواصل عهدته إلى عام 2024، أم سيفكر في مبادرة أخرى؟
اقرأ/ي أيضًا:
إسقاط العتبة والتساهل في مسألة المناصفة خلال التشريعيات المقبلة
قانون الانتخابات الجديد.. نحو حلّ مشكلة المال الفاسد والعزوف الانتخاب