يتّفق كثيرون، أن السلطة حاولت تقسيم صفوف الحراك الشعبي منذ انطلاقه في شهر شبّاط/فيفري الماضي، باللعب على الحساسيات العرقية والجهوية، بداية بمنع رفع العلم الأمازيغي واعتقال حامليه، وصولًا إلى إطلاق التلفزيون العمومي، وصف "السكان الأصليين" على مجموعة من الشباب حاولوا التشويش على الحراك، حيث بدا الأمر أشبه بتحريض فئة من الشعب ضدّ فئة أخرى.
شكّلت التجاذبات الأيديولوجية والسياسية بعد فترة من انطلاق الحراك الشعبي، منعرجًا أقلق الكثير من المتابعين
في هذا السياق، أمر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الوزير الأوّل عبد العزيز جراد، بإعداد مشروع قانون يجرم كلّ مظاهر العنصرية، وخطاب الكراهية في البلاد.
اقرأ/ي أيضًا: بين مرحّب ومتخوّف.. الرئيس تبون يأمر بإعداد قانون يجرّم "خطاب الكراهية"
وأوضح بيان رئاسة الجمهورية، أن "التعليمة تأتي بعدما لوحظ ازدياد خطاب الكراهية والحثّ على الفتنة، خاصّة في وسائل التواصل الاجتماعي".
خلُص بيان رئاسة الجمهورية، إلى أن "الجميع مطالبون بالتقيّد بالدستور وقوانين الجمهورية، لا سيما فيما يتعلّق باحترام ثوابت الأمّة وقيمها، والمكوّنات الأساسية للهوية والوحدة الوطنية، ورموز الدولة والشعب".
ظروف وتوقيت مشروع القانون
شكّلت التجاذبات الأيديولوجية والسياسية بعد فترة من انطلاق الحراك الشعبي، منعرجًا أقلق الكثير من المتابعين من مخاطر الانزلاق، والعودة إلى سيناريو والعشرية السوداء.
ويأتي بيان الرئاسة بحسب بعض مراقبين، بعد سلسلة من النعرات الجهوية، والإسقاطات التاريخية، كان التلفزيون العمومي خصوصًا وراء بثّها، ولقيت تلك التقارير التلفزيونية استهجان ومخاوف الرأي العام، واعتبرت أنها تؤدّي إلى انزلاقات بين أبناء الشعب الواحد.
من جهته، أثار مدير الثقافة لولاية المسيلة، رابح ظريف، جدلًا على منصّات التواصل الاجتماعي، بسبب تخوينه للشهيد عبان رمضان، في منشور له على فيسبوك، حيث وصفه بـ "الخائن والعميل"، واعتبر ظريف، أن مؤتمر الصومام كان انقلابًا على إرادة الشعب في المنشور ذاته، الذي ردّ فيه على مخرج فيلم "العربي بن مهيدي" بشير درايس.
وردًا على هذه التصريحات، التي أطلقها ظريف، تبرّأت وزارة الثقافة من تصريحات أحد كوادرها في بيان لها، معتبرة أن "ما قام به مدير الثقافة لولاية مسيلة، بتجنّيه على ذاكرة عبان رمضان، أحد الوجوه الكبرى والخالدة للثورة الجزائرية، وأحد مهندسي مؤتمر الصومام، أمرًا غير مقبول".
وأضاف البيان: "إن وزارة الثقافة تتبرّأ من هذا الفعل المتهوّر والمرفوض أخلاقيًا وسياسيًا، من طرف أحد كوادرها، الذي لم يلتزم الحد الأدنى بقواعد المسؤولية…ما قام به مدير الثقافة مرفوضٌ شكلًا ومضمونًا".
وجاء ردّ رابح ظريف على صفحته بموقع الفيسبوك قائلًا: "أنا رابح ظريف كاتب وإنسان، وهذه صفحتي الخاصّة، وليست صفحة مديرية الثقافة".
وأضاف: "أعبر فيها عن أفكاري الشخصية وقناعاتي الفكرية، وعن التزاماتي الوطنية بعيدًا عن أيّ ضغط".
وتابع: "من الجبن والوقاحة أن يستغلّ أعداء الوطن والخونة، كوني مديرًا للثقافة لإسكاتي وإجباري على الصمت ككاتب ومثقف".
تراجع الحريات
في السياق نفسه، أبدى كثير من النشطاء، تخوفًا من جعل مشروع قانون تجريم العنصرية والكراهية، مطيّة وغطاء تشريعيًا يهدف إلى المزيد من التضييق على مجال الحرية في التعبير والإبداع، والتشديد على الرقابة على القراءات التاريخية والمساهمات الأدبية. التي قد لا تتوافق مع الرؤية الرسمية للسلطة السياسية، بخصوص أحداث تاريخية أو أخرى سياسية.
ويستدلّ هؤلاء النشطاء، على تجربة قانون السينما الذي صدر في 2010، تحت إشراف الوزيرة خليدة تومي، والذي نصّ على إخضاع الأفلام التاريخية، لمراقبة وزارة المجاهدين ووزارة الثقافة.
الراية الأمازيغية
بيان الرئاسة لم يكن بريئًا، فقد أضاف أن مشروع القانون يهدف إلى: "سدّ الباب في وجه أولئك الذين يستغلون حرّية وسلمية الحراك، برفع شعارات تهدّد الانسجام الوطني". هنا، تساءلت الإعلامية والناشطة السياسية آمال محندي، عن المقصود بهذه الشعارات التي تُرفع في الحراك الشعبي، وتهدّد الوحدة الوطنية، متسائلة إن كان يقصد من يحملون الراية الأمازيغية؟
وأضافت المتحدّثة في اتصال مع "الترا جزائر"، أن الحراك الشعبي لا يحمل أي شعارات تهدّد النسيج الاجتماعي، بل الحاصل هو عكس ذلك. وترى الناشطة أن المجتمع تصالح مع هويّته، عبر رفع شعارات ومطالب موحدة، على حدّ قولها.
في مقابل ذلك، يستبعد متابعون، أن يستهدف مشروع القانون رفع الراية الأمازيغية، في ظلّ المقاطعة الانتخابية الواسعة التي شهدتها منطقة القبائل مؤخرًا، بينما شهدت احتفالية رأس السنة الأمازيغية، رعاية رسمية في محاولة من السلطة لاحتواء المنطقة، بدل فتح جبهة صدامية تعتبر الجزائر في غنىً عنها، في مقابل ذلك، يرى آخرون ضرورة تجريم حمل الراية الانفصالية، لوضع حدٍ وفاصل قانوني بين الراية الثقافية وراية الانفصال.
المزيد من التشريعات
في قراءة قانونية متعلّقة بالجانب الجزائي، قال الأستاذ فيصل بوصيدة، في حديثه إلى "الترا جزائر"، إن تجريم الكراهية والتمييز والعنصرية هذا، قد سبق تجريمه فعلًا، وأضاف أن النصّ الجديد سيحدّد سلوكيات جديدة من خلال الاستفادة مما حصل أثناء الحراك، خصوصًا قضية المساس بكرامة وشرف وذاكرة المجاهدين ورموز الثورة.
وعن خلفيات وتوقيت مشروع قانون تجريم خطاب الكراهية والعنصرية، كشف المتحدّث أن مشروع القانون، يحمل رسائل سياسية أكثر من نصوص قابلة للتطبيق، بدليل أن تجريم القذف في حقّ رئيس الجمهورية وفي حقّ الرسول والأنبياء موجود، لكن نادرًا ما رأينا تطبيقه، أيّ في حالات معزولة فقط، على حدّ تعبيره.
وأشار القانوني، أنه حين طلب الراحل أحمد قايد صالح، من العدالة التصدي لحملة الرايات الثقافية، راح بعض وكلاء الجمهورية يجتهدون في البحث عن نصٍّ يطبقونه على حملة الرايات، فاختاروا نصًا عامًا يتعلق بالمساس بالوحدة الوطنية، وهو التكييف الذي لقي استهجانًا من طرف هيئات الدفاع، ولم تستجب له هيئات الحكم.
وفي تقدير محدّثنا، فإن النصّ الجديد سيكون مجرّد تعديلٍ طفيف في قانون العقوبات، وهذا ما دأبت عليه السلطة في السنوات الأخيرة، بإدخال تعديلات كثيرة، لا تجد غالبًا سبيلًا إلى تطبيقها أمام القضاء، نظرًا لافتقاد الأمر إلى الآلية التي يتم من خلالها توجيه الاتهام؛ حيث يتمّ إسناد ذلك غالبًا، إلى النيابة العامة التي تحرّك الدعوى من تلقاء نفسها، بينما تنشغل النيابات العامة بأعباء كبيرة جدًا، لا تسمح لها بمتابعة كلّ ما يجري في الفضاءات العمومية.
لطالما شكلّ الاستقطاب الأيديولوجي والسياسي، ظاهرة صحيةّ داخل المجتمعات الحيّة
الحرية والتماسك المجتمعي
يشكلّ الاستقطاب الأيديولوجي والسياسي، ظاهرة صحيةّ داخل المجتمعات الحيّة، حيث يشكل النقاش العام مسلكًا إلى تناول كل ما هو محظور رسميًا، ويكسر الكثير من النمطية حول مسائل لم يتمّ تناولها في السابق، وتناقلت الوسائط التكنولوجية المحاور والمحظور خارج الحدود الجغرافية، ويعدّ ضمان الحرّيات وفتح الفضاءات للحوار والنقاش في السبيل، إلى قطع الانزلاقات نح والعنف والصدام، بينما يبقى التجريم القانوني والقضائي يخضع إلى تأويلات السلطة السياسية، واستخدامها في ردع خصومها، وطريقًا إلى احتكارها للتاريخ، لتبقى دولة القانون هي المعيار في الحكم على الخصومات المجتمعية.
اقرأ/ي أيضًا:
خطاب الكراهية.. ثورة مضّادّة على فيسبوك
المثقف والسّلطة في الجزائر.. قناع لوجهين