27-يونيو-2019

الحراك الشعبي حافظ على وحدة الصفّ في الشارع (رياض كرامدي/ أ.ف.ب)

باللّباس الأمازيغي التقليدي، وبالرّاية الوطنية الجزائرية، ارتأت نور الهدى لعلالي، طالبة بقسم الإنكليزية في جامعة بوزرّيعة بالعاصمة، أن تبلّغ رسالتها في احتجاجات حراك الطلبة الجامعيين يوم الثلاثاء الماضي، تقول في حديث إلى "الترا جزائر"، إنّ الموعد مناسب لتوحيد كلمة الطلبة، وسياسة فرق تسُد بين الجزائريين لن تُجدِ نفعًا".

لم تتوقّف خطابات الكراهية التي ظهرت في مواقع التواصل الاجتماعي عند الفئات الشعبية، ولكنّها امتدّت إلى الأحزاب السياسية

الوحدة خط أحمر

مرّ الحراك الشعبي بمنعرجين حاسمين منذ انطلاقه في شهر فيفري/ فبراير الماضي، وتوقّع كثيرون إفراغه من محتواه، وتوجيهه نحو صراعات داخلية، غير أن الجزائريين أثبتوا أن اللعب على وتر اللغة والهويّة لن يُعيق استمرارهم، مثلما عبّر الناشط في الحراك الشعبي أمين بوعبد الله، وهو الذي لا يتخلّف عن مسيرات الجمعة بالعاصمة، متنقّلًا بين ولايتي البويرة وبومرداس شرقي العاصمة، وصولًا إلى ساحة البريد المركزي رفقة ثلاثة أصدقاء له.

اقرأ/ي أيضًا: مثقّفون جزائريّون يُقاربون الحراك السّوداني

يعتبر بوعبد الله، أن النقاشات التي دارت حول رفع العلم الأمازيغي في الحراك، وخطابات الكراهية التي أثارها الموضوع، ستزيدهم إصرارًا على مواصلة الضغط بهدف التغيير، على حدّ تعبيره.

يقول المتحدّث إن "مشكلتنا انحصرت حول العلم الأمازيغي، بينما نسينا القضية الأهمّ وهي التغيير الشامل والقضاء على الفساد"، ويؤكّد في السياق، أنّه لم يتعرّض لمثل هذا النوع من الخطابات في الشارع أو بين زملائه في العمل.

يعتقد متابعون أن إثارة مواضيع الهويّة واللغة من طرف السلطة، هدفه توجيه الأنظار عن السلطة، هنا، تشير الناشطة نعيمة دفوس، إلى أن النقاشات الحادّة بدت واضحة جدًا في المسيرات الأخيرة، مبرّرة ذلك بمحاولة "توجيه اهتمامات الجزائريين نحو ملفّات ليست مهمّة في الظروف الحالية، هدفها تقسيم الحراك الشعبي"ْ.

خطابات مفخّخة 

اللافت أن تصريحات رئيس أركان الجيش الجزائري، أحمد قايد صالح الداعي إلى تنكيس ما أسماه بـ "رايات الفتنة" ورفع راية موحّدة ويقصد بها العلم الوطني، أربكت الشارع الجزائري، غير أن بعض ردود الأفعال، أثبت خطورة الدخول في طرح مسألة الهوية والراية الوطنية، أمام عدّة رايات في الحراك منذ قرابة خمسة أشهر.

هنا، يقول أستاذ الفلسفة في جامعة قسنطينة، السعيد بلوناس، في حديث إلى "الترا جزائر"، إنّ " هناك قلقًا واضحًا على مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب تزايد خطاب الكراهية وارتفاع منسوب التعصّب، واستعمال عوامل اللغة والعرق في الفترة الأخيرة".

لم تتوقّف خطابات الكراهية التي ظهرت في مواقع التواصل الاجتماعي عند الفئات الشعبوية، ولكنّها امتدّت إلى الأحزاب السياسية، حيث ظهرت رئيسة حزب العدل والبيان، نعيمة صالحي، في إحدى مقاطع الفيديو، تدعو إلى ضرورة مقاطعة الأمازيغ وعدم الزواج منهم أو التجارة معهم بسبب تمسّكهم برايتهم الثقافية.

ناشطون في الحراك، اعتبروا تصريحات نعيمة صالحي - المثيرة للجدل- غير مسؤولة، ويتّفق مع هذا الطرح الناشط محمد برزوان، إذ يقول في حديث إلى "الترا جزائر"، إن ما عمّق هذه الهوّة حول موضوع الهويّة، هوتصريحات كتّاب وإعلاميين ومثقّفين من النخبة، وما أحدث ذلك من تصريحات مضادّة".

من جهته، نبّه المؤرّخ والباحث محند أرزقي فرّاد إلى ضرورة " تحمّل النخبة في الجزائر مسؤوليتها اليوم، إزاء إيقاف هذه الخطابات وتأجيجها في هذه الفترة ".

ولمّح الأستاذ فرّاد في تصريح إلى"الترا جزائر"، بأن رفع منسوب الكراهية دونما وعيِ بالوضع الجزائري، والسياق الذي تعرفه مختلف الحساسيات السياسية والمجموعات التاريخية، من شأنه أن يتحوّل إلى فورة تؤدّي إلى الخراب على حدّ قوله.

ميثاق التسامح 

يبدو أن الخطابات العنصرية التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، دفعت النّخبة إلى التحرّك وإطلاق دعوات للاتفاق حول ميثاق وطني ضدّ خطابات الكراهية.

هنا، يفتح محمد سعيدوني، الأستاذ الباحث في مجال العلوم السياسية، قوسًا حول "وجود خطاب ثنائي المسار من مجموعات محسوبة على التيّار القومي والبعثي تهاجم المكوّن الأمازيغي، في مقابل أن هناك مجموعات أمازيغية تُهاجم العرب واللغة العربية، وتُحاول أن تستخدم التاريخ في ذلك".

وعبّر سعيدوني، عن امتعاضه من ظهور قاموس مصطلحات في الفترة الأخيرة، أذكت نيران الفتنة على حدّ تعبيره، وباتت تُعبّر عن الكراهية مثل كلمة "زوّاف" التي تعني مجموعات مسلّحة من السكان الأمازيغ استخدمها الجيش الفرنسي خلال فترة الاحتلال.

أين القضاء؟

من جهته، يعتبر عبد القادر بودور، أستاذ العلوم الاجتماعية والإنسانية في جامعة سعيدة، أن المؤشّرات الأخيرة مقلقة بشأن تنامي خطاب الكراهية في وسائط التواصل الاجتماعي، وهذا "الخطاب أخذ أبعادًا مختلفة ويتأّسّس أحيانًا على العرق واللغة والمناطقية".

على المؤسّسة القضائية التعاطي بحزم مع من كل من يتبنّى خطاب التعصّب والكراهية تحت أيّ ظرف كان

وتأسّف بودور من بعض السياسيين الذين تبنّوا هذا الخطاب، داعيًا المؤسّسة الرسمية والقضائية إلى التعاطي بحزم مع كل من يتبنّى خطاب التعصّب والكراهية، تحت أيّ ظرف كان على حدّ قوله.

 

اقرأ/ي أيضًا:

جغرافية الحراك الجزائري.. بين المركز والعمق

روح الحراك ترافق الفريق الجزائري في مصر