31-يناير-2022

الحكومة تدرس ميكانيزمات تقليص استيراد القمح خلال السنوات المقبلة (الصورة: algerianexpress)

رغم تضمن السياسات المنتهجة من قبل مختلف الحكومات الجزائرية المتعاقبة برامج لتطوير القطاع الزراعي، إلا أن تحقيق الأمن الغذائي وعلى رأسه تقليص واردات البلاد من الحبوب ظلّ حتى الآن حلمًا مؤجلًا، وتحديا تحاول الحكومة الحالية كسبه رغم العوائق التي تواجهها، فهل سيكون ذلك ممكنا؟.

كانت الجزائر في السابق تعتمد بالأساس على القمح الفرنسي لتغطية حاجاتها المحلية، إلا أنها قرّرت في السنوات الأخيرة تنويع مصادر تموينها

وشهد إسهام قطاع الفلاحة في الاقتصاد الوطني ارتفاعًا في السنوات الماضية وصل إلى 25 مليار دولار وفق تصريحات مسؤولين حكوميين جزائريين، إلا أن ذلك لم ينعكس على شعبة الحبوب التي يظلّ الميزان التجاري الخاص بها سلبيًا، ويصب لصالح الاستيراد.

اقرأ/ي أيضًا: الجزائر تستورد 60 ألف طن من القمح الروسي

أهداف الحكومة 

أعلن وزير الفلاحة والتنمية الريفية الجزائري محمد عبد الحفيظ هني قبل أسبوع في تصريح للقناة الإذاعية الحكومية أن مصالحه تهدف إلى أن يتراوح الإنتاج الوطني من الحبوب الذي سيتم تحصيله خلال الموسم الفلاحي الجاري ما بين 27 إلى 30 مليون قنطار، مما سيسمح للجزائر بتقليص واردتها من الحبوب بنسبة 25 بالمائة.

وأضاف أنه "خلال السنوات الماضية قدرت أكبر كمية تم تحصيلها بـ 27 مليون قنطار بجميع أنواعها".

ولا تأخذ هذه الأرقام في الحسبان الكميات التي يسحبها المزارعون لزرع حقولهم و الكميات الموجهة للجمعيات الخيرية وتلك التي تباع مباشرة.

وتعول الحكومة على توسيع المساحة المخصصة لزراعة الحبوب المقدرة حاليا بـ 3.3 مليون هكتار، ورفع المردودية لتصل إلى ما بين 60 و70 قنطارًا في الهكتار الواحد.

وحسب وزير الفلاحة، فإن الحكومة تعول على مساهمة زراعة الحبوب في المناطق الصحراوية بتقليص فاتورة الاستيراد، بالنظر إلى إمكانية تحصيل 100 قنطار في الهكتار الواحد.

وأنشأ الرئيس عبد المجيد تبون عقب وصوله إلى كرسي الرئاسة في حكومة الوزير الأول السابق عبد العزيز جراد وزارة منتدبة للفلاحة الصحراوية والجبلية، لكن تم التخلي عنها في التعديلات الحكومية اللاحقة لتسند هذه المهمة من جديد لوزارة الفلاحة.

هنا، يرى الأستاذ الجامعي الدكتور أنور سكيو أن تحقيق هذا الهدف ممكن، بالنظر إلى أن الجزائر كانت تحوز على وفرة في مختلف أنواع الحبوب بعد الاستقلال وبعد الثورة الزراعية، حينما كانت قادرة على تغطية أمنها الغذائي، لكن سكيو يشير في تصريح لـ"الترا جزائر" إلى أن ذلك لم يستمر بسبب "نفوذ جهات معينة سيطرت على هاته السوق التي كان من المفترض للجزائر أن تكون فيها مصدرًا قويًا للحبوب، وفي صدارة المنطقة وليس بمستورد أصبح اليوم يعمل على تقليص استيراد القمح خاصة الصلب منه".

اهتمام خاص

يدرج الدكتور أنور سكيو تركيز وزارة الفلاحة على تقليص فاتورة استيراد الحبوب ضمن توجه عام للجزائر في السنوات الأخيرة، مذكرًا في حديثه مع "الترا جزائر" أن الرئيس تبون قد أمر السنة الماضية بأن يكون تقليص استيراد الحبوب وفي مقدمتها القمح تحديًا للوزارة المكلفة بهذا القطاع. ولفت المتحدث إلى أن فاتورة استيراد الجزائر للحبوب انخفضت بـ 8.5% مطلع العام الماضي.

وكانت الحكومة تراهن على استمرار هذا الانخفاض، غير أن الجفاف الذي شهدته الجزائر أثر بشكل واضح على محصول الحبوب خاصّة القمح بنوعيه.

ويعتقد سكيو أن كلّ هذه الجهود تندرج ضمن غاية حكومية تتعلق بتقليص واردات البلاد من المواد الفلاحية بـ 2.5 مليار دولار آفاق 2024.

ورغم الشح في تساقط الأمطار الذي ينعكس سلبًا على مردودية محاصيل الحبوب، إلا أن السلطات الجزائرية تحاول كسب معركة تقليص واردات الحبوب، بعد أن قررت مؤخرا مراجعة أسعارها عند الشراء  من الفلاحين، لتشجيعهم على التوجه لهذه الشعبة الفلاحية أكثر فأكثر، وذلك برصد 30 مليار دينار لهذه العملية.

وعلق الدكتور أنور سكيو على هذا الإجراء قائلًا "أظن أن تشجيع الفلاحين على تقديم خيارات بديلة للحكومة من خلال رفع قيمة الشراء، سيكون ورقة محفزة لدفع وتيرة الإنتاج بما يضمن تعويض النقص الذي سينجم عن تخفيض فرص الاستيراد، حيث نستحضر الحركية الملحوظة في القطاع الفلاحي من خلال عملية الإحصاء الوطنية التي أطلقتها الوزارة الوصية بمعية الحكومة وكذا اهتمام الجانب الأمريكي بالاستثمار في القطاع الفلاحي كذلك".

رهان الجزائر 

رغم أن آخر تصنيف لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، وضع  الجزائر مع البلدان التي تقل فيها نسبة الأشخاص الذين يعانون سوء التغذية عن 2.5 % من العدد الإجمالي للسكان، لتحتل بذلك المرتبة الأولى أفريقيا، وتصنف مع الدول المتقدّمة، إلا أن ذلك لا يعني أنها استطاعت تأمين جميع حاجاتها الغذائية محليًا.

وإذا كان كثير من الخبراء الخبراء يتفقون أنه من الناحية النظرية والإمكانات الطبيعية، فإن الجزائر قادرة على تحقيق أمنها الغذائي محليًا، خاصّة بالنسبة للمنتجات الفلاحية ذات الاستهلاك الواسع، إلا أن ذلك يبقى غير مكتمل الجوانب حتى اليوم، فالبلاد تستورد سنويًا كميات معتبرة من الحبوب وعلى رأسها القمح.

وفي غياب تقديرات رسمية حول احتياجات الجزائر من الحبوب،  تشير تقارير دولية منها أرقام وزارة الزراعة الأمريكية إلى أن استهلاك الجزائر من القمح لموسم 2020/2021 تراوح  بين 10.7 و11 مليون طن، مقابل إنتاج محلي يقارب خمسة ملايين طن، بانخفاض تبلغ نسبته خمسة في المائة عن الإنتاج في موسم 2019/2020، ما دفع الجزائر لاستيراد ما بين 5 و7 ملايين طن لتلبية احتياجاتها.

واتفقت الجزائر على سبيل المثال فقط في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي مع روسيا على استيراد 200 ألف طن التي صدرت 365.5 ألف طن من القمح للجزائر في السنة الزراعية الحالية، وهي حالة من عدة صفقات عقدتها مع دول أخرى كفرنسا وأوكرانيا.

وكانت الجزائر في السابق تعتمد بالأساس على القمح الفرنسي لتغطية حاجاتها المحلية، إلا أنها قرّرت في السنوات الأخيرة تنويع مصادر تموينها، خاصة باللجوء إلى القمح الروسي.

ويرى الدكتور أنور سكيو أن التخلّص من حالات الاستيراد لن يكون إلا بتعزيز القدرات الوطنية لجمع وتخزين الحبوب، وإنجاز مراكز تجميع جوارية ليكون من شأنها تثبيت ما يمكن تخزينه والاستعانة به على المستويين القصير والمتوسط.

أشار سكيو إلى أن البيانات الأخيرة تصب في هذا الإطار بعد انخفاض إجمالي الإنفاق على الواردات الغذائية بنسبة 3.5 بالمائة

وأشار سكيو إلى أن البيانات الأخيرة تصب في هذا الإطار بعد انخفاض إجمالي الإنفاق على الواردات الغذائية بنسبة 3.5 بالمائة ليستقر عند 1.293 مليار دولار، وهو ما يعتبر إشارة واضحة عن توجه  الدولة نحو تشجيع الإنتاج المحلي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

القمح الروسي بدل الفرنسي.. توجّه إلى تبعية أخرى؟

رسميًا.. روسيا تشارك في مناقصات تصدير القمح إلى الجزائر