06-مايو-2021

تراهن السلطة على جمعيات المجتمع المدني لإنجاح التشريعيات (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

 
منذ انطلاق مسيرات الحراك الشعبي في الجزائر قبل أزيد من عامين من الآن، في الـ 22 شبّاط/فيفري 2019، لم يتوقّف الحراكيون عن رفع شعارات تطالب بإبعاد الأحزاب السياسية التي شاركت في نظام الحكم السابق، وفرّخت الكثير من المسؤولين الذين تداولوا على مناصب وزارية وإدارية حساسّة، تورّطوا خلالها توليهم مناصبهم في قضايا فساد مدوّية انتهت بعدد منهم في السجون والملاحقات القضائية، بل وتجاوز الأمر ذلك أن سيطرت أحزاب الموالاة كما يُطلق عليها البعض، على المقاعد النيابية، وتواطأت مع السلطة في تشريع القوانين والمصادقة عليها، فكانت هذه الأحزاب تمثّل الشعب والسلطة معًا ضدّ إرادة الشعب نفسه.
هروب القيادات والمناضلين من أحزاب السلطة وفَّر فرصة أكبر للطامحين في الترشح في هذه الأحزاب
على الرغم من انحِسار أحزاب السّلطة، بسبب الرفض الشعبي لها، بعد اندلاع الحراك الشعبي قبل عامين، إلا أن عددًا من مناضلي هذه الأحزاب، لم يتأثّروا بهذا الواقع السياسي الجديد، وقرّروا الترشّح ضمن قوائمها، تحسّبا للانتخابات التشريعية المقرّرة في الـ 12 حزيران/ جوان المقبل، حتى وإن كانت كلّ المؤشّرات السياسية تتحدّث عن هزيمة متوقّعة لها، خاصة أن الجزائر عاشت تقريبًا التجربة السياسية نفسها ثم الانتخابية قبل 30 سنة.

 

 شهدت غالبية أحزاب السّلطة في الجزائر، خاصّة حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، وتجمع أمل الجزائر والجبهة الشعبية، نزيفًا كبيرًا في صفوفها بعد مسيرات الحراك الشعبي منذ الـ 22 شباط / فيفري 2019، الذي تعرّض في شعاراته لأحزاب الموالاة ولرؤسائها بشكل خاصّ وطالب بحلِّها وابعادِهم من الساحة السياسية.
خلال عقدين من الزمن وفي المقام الأوّل؛ ظلّت جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، أكثر الأحزاب التي كانت تدفع نحو استمرار حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة وترشيحه لعهدة رئاسية خامسة، في الانتخابات التي كانت مقررة في نيسان/أبريل 2019، وعدد آخر من الأحزاب في المقام الثاني، كأصوات مُساندة دائمة للرئيس السابق، باعتباره "رئيسًا مدى الحياة"، قبل أن يطيح الحراك بحكمه ويدفعه إلى سحب ترشحه والاستقالة من الحكم.
منظومة الحكم
بات جليًّا، أن الرُّباعي السياسي كان يمثل أعمدة للواجهة السياسية للسلطة في فترة ما قبل الحراك الشعبي، وسندًا لسياسيات السّلطة التي أوصلت البلاد إلى "الإفلاس السياسي" والانهيار الاقتصادي، بحسب متتبعين، حيث توسّع نهب المال العام، باعتراف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الذي أن قال في عدد من لقاءاته الإعلامية إن إصلاحاته ستكون خطوة نحو القطيعة مع المنظومة القديمة.
على الأرض، لم تتحرّج هذه الأحزاب من معاودة الظهور للعلن وإطلاق خطابات سبقت أن تحدثت بها، حيث عادت للواجهة والمشاركة في النقاشات السياسية، ما يؤشّر على عودتها ولو من بوابة أخرى، وتجريب حظها من تركة الهيئة الناخبة لاختيار نواب البرلمان المنتظر.  
بعد اندلاع الحراك الشعبي، شهدت هذه الأحزاب بشكل عام، سلسلة استقالات كبيرة وهروب بعض الكوادر والمناضلين، بعضهم فضّل العُزلة السياسية والخروج تمامًا من الحقل السياسي، خاصة بعد انكشاف "الافلاس" وقضايا الفساد الذي ضرب أركان السلطة وأحزابها، والزجّ بعدد كبير من قيادات أحزاب السلطة في السّجون، على غرار الامناء العامون لحزب جبهة التحرير الوطني جمال ولد عباس ومحمد جميعي، او الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي وعدد من نواب وقيادات الحزب.
وفي المقابل من ذلك، فضّل بعض من كوادر أحزاب السلطة، البحث عن فضاءات مدنية أو سياسية أخرى، سواءً لدواعي القناعة بأخطاء أحزاب السلطة اتجاه الشعب، او كنوع من السّلوك الانتِهازي الذي يرافق عادة الممارسة السياسية، خاصة وأن الأفق السياسي لهذه الأحزاب بات مغلقًا وهزيمتها الانتخابية باتت أقرب من أي وقت مضى.
النضال السياسي
كتلة ثالثة من المناضلين والكوادر ظلّت متمسكة بموقفها في أحزاب السلطة، وقرّرت البقاء في صفوفها، على الرغم من الصدّ الشعبي ورفض الشارع لوجودها السياسي بعد الحراك، وتخلّي السلطة والإدارة عنها، وانحِسَار الامتيازات التي كانت تحظى بيها لدى السلطة، ومؤشّرات هزيمتها المتوقعة في الانتخابات المقبلة، خاصة وأن حصد المقاعد يتعلّق أساسا بمدى استقطاب المرشّحين للمواطنين خلال الحملة الانتخابية أولًا ثم إقبال الناخبين على الاستحقاقات ثانيًا، مثلما أذكر أستاذ العلوم السياسية مصطفى رحمون لـ "الترا جزائر" لافتًا إلى أن هذه الأحزاب أصبحت ورقاتها محروقة رغم ما يقال أنها لازالت تتحكّم في الإدارة والممارسات السابقة كما قال. 
وفي غضون ذلك، قرّر بعض المناضلين الترشح في قوائمها دفاعًا عنها وللمنافسة باسمها في الانتخابات البرلمانية، وهو ما يُمثِّل في السياق السياسي الراهن وتداعيات ما بعد الحراك الشعبي، إمّا شجاعة كبيرة تُحسب لهؤلاء، في صلة بقناعة بمبادئ أحزابهم وضرورات الاستمرار في النضال فيها، وعدم التخلّي عنها في مثل هذه الظروف، حسب تصريحات الأستاذ رحمون، وهي من مبدأ النضال السياسي تعتبر استمرار مساندة قواعد الحزب، كما أضاف.
بين الأمس واليوم
وذكر المترشّح في قائمة حزب جبهة التحرير بولاية المسيلة المهندِس محمد مشقق أنه "قبل تحدّي الترشح في صفوف هذا الحزب، و"يكون على قدر المسؤولية"، إذ اختار حزبًا يتماشى مع أفكاره وقدرته في إيصال هموم وانشغالات سكّان المنطقة، بعدما فشل بعض النوّاب الممثلين للولاية في إيصال صوتهم في الهيئة التشريعية.
ويرفض الأستاذ مشقّق وهو ناشط جمعوي أيضا في العديد من الجمعيات الخيرية، أن ترتهِن صورة الحزب بعدد من الوجوه والشخصيات المحسوبة على المنظومة السياسية السابقة في فترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، معترفًا لـ "الترا جزائر"، أنّ تلك الوجوه ليست ممثلة لمختلف القاعدة النضالية للحزب التاريخي، موضحًا بالقول: "اخترت الجبهة، جبهة اليوم وليست جبهة الأمس يوم، إذ جرى حراك في دواليب هذا الحزب، مثلما وقع حراك في الشّارع". 
وأضاف في هذا السياق:" تضمّ جبهة التحرير شرفاء، لا يمكن أن نقول إنّ الجميع فاسدين"، لافتًا إلى أن هناك انقسام شعبي إزاءها فهناك جزء يتقبَّل الجبهة لأنّها تحمل مجموعة من الأفكار، وهي التاريخ، وفيها رجال وهناك من يرفضها"، مفيدًا أنه يعرف أسماء وقيادات سابقة من المنظومة السابقة وترشحت في قوائم حرّة، إذ لا يعني أن الأخيرة أفضل من الأحزاب الموجودة في الساحة، على حدّ قوله. 

الميدان سيفصل 

على العكس مما سبق، يعتبر متابعون للشأن السياسي في الجزائر، أن الترشّح في أحزاب محسوبة على المنظومة القديمة، أمر يتعلّق بوهم سياسي، مثلما قال الناشط السياسي سعيد صفوان لـ "الترا جزائر"، يرتكِز على أن "السلطة يمكن أن تعيد النظر في إمكانية مساعدة هذه الأحزاب، لضمان التوازن مع قوى المعارضة التي تنافس في الانتخابات أيضًا".
من زاوية أخرى، فإنّ الظروف التي تجري فيها هذه الانتخابات، وهروب القيادات والمناضلين من أحزاب السلطة، وفَّر فرصة أكبر للطامحين في الترشح في هذه الأحزاب، مقارنة مع ظروف سابقة كان الترشح في قوائمها يشهد تطاحنا كبيرا وتعليمات فوقية من السلطة.
جبهة التحرير الوطني لم تحصل في انتخابات عام 1991 سوى على 34 مقعدًا فقط
لهذا الوضع التنظيمي والهيكلي لأحزاب السلطة، وضع مشابه تقريبا حدث خاصة لحزب جبهة التحرير الوطني بعد انتفاضة الخامس تشرين الأول/أكتوبر 1988، حيث كانت الجبهة  هي الحزب السياسي الوحيد في البلاد، في نظام كان يعتمد الحزب الواحد، ويمنع كل تعددية سياسية، وبعد تلك الأحداث شهدت الجبهة نزيفًا حادًا من المناضلين وهروبًا كبيرًا من قياداتها التي تخلت عنها، خاصة بعد بروز أحزاب أخرى، عقب إقرار دستور جديد في البلاد في العام 1989، واعتماد التعددية الحزبية، حيث شهدت أوّل انتخابات بلدية وبرلمانية هزيمة ساحقة لجبهة التحرير، التي لم تحصل في انتخابات عام 1991 سوى على 34 مقعدًا فقط، بعدما كانت تسيطر بالكامل على برلمان ما قبل أحداث تشرين الأوّل/أكتوبر قبل أزيد من ثلاثة عقود.