حين تمر بحي بوسحاقي في باب الزوار، أحد أبرز المناطق التجارية في الجزائر العاصمة، تستقبلك محلات متراصة في الشوارع الخلفية للحي، يعمل بها أشخاص صينيون، عدد المحلات يقارب المئة محل، تختلف أنشطتها من بيع للأحذية والأنسجة والمفروشات وقطع الغيار والأجهزة الإلكترونية وكذا الصناعات الجلدية والملابس وغيرها، تقابلك أينما وليت وجهك لافتات مكتوبة بالصينية وكذا بالعربية، سيخيّل لك وكأنك في أحد شوارع الصين الشعبية، إنه "الحي الصيني" أو "تشاينا تاون" كما يعرفه الجميع هنا، هذا الحي هو معقل الصينيين في الجزائر، فهنا يعيش ويعمل المئات منهم، بعضهم هاجر مع عائلته، والبعض منهم ولدوا في ذات الحي وصينيون آخرون تزوجوا بجزائريات. لقد أصبح الصينيون ديكورًا يوميًا في الجزائر، وتمكنوا بسهولة من الانصهار في النسيج المجتمعي الجزائري، وهم اليوم الجالية الأجنبية الأولى في الجزائر.
"تشاينا تاون" هو معقل الصينيين في الجزائر، هناك يعيشون ويعملون وبعضهم تزوج وانصهر في النسيج المجتمعي الجزائري بامتياز
ما إن تلج الحي حتى تستقبلك وجوه مبتسمة ترحب بك لتزور محلاتها، فالمنافسة هنا شديدة واستقطاب الزبائن صار الهاجس الأول، مما دفع الكثير من الصينيين لتعلم اللغة العربية ومنهم من يتكلم اللهجة الجزائرية بطلاقة وسلاسة مدهشة.
لقد بدأ توافد الصينيين إلى الجزائر عام 2005، كعمال في عديد المشاريع العملاقة التي أطلقها الرئيس بوتفليقة أنذاك خاصة مشروعي الطريق السريع وجامع الجزائر، كما كان قدوم العمال والشركات الصينية توجهًا عمدت إليه الحكومة الجزائرية ضمن اتفاقيات تعاون بين الدولتين، ليصير الصينيون اليوم الجالية الأجنبية الأولى في الجزائر، مزيحين بذلك الفرنسيين الذين كانوا يعتبرون أكثر الأجانب تواجدًا في الجزائر.
اقرأ/ي أيضًا: فهم الاستراتيجية الصينية عن طريق ثقافتها
يقدر عدد الصينيين في الجزائر بحوالي 40000 صيني، غالبيتهم من اليد العاملة غير المؤهلة الذين يغزون ورشات البناء والأشغال العمومية مشكلين بذلك 45 في المئة من المشتغلين الأجانب في قطاع البناء. ففي عام 2014 فقط أصدرت السلطات الجزائرية 24000 تأشيرة للصينيين، 90 في المئة منها تأشيرات عمل.
بدأ توافد الصينيين إلى الجزائر عام 2005 كعمال في المشاريع العملاقة وصاروا يشكلون 45 في المئة من العاملين الأجانب في البناء
أمام أحد المحلات التقينا "محمود" الذي يشتغل في مجال إيجار العقارات للصينيين القادمين إلى الحي، حدثنا: "أتعامل معهم منذ أزيد من عشر سنوات، أقوم بتأجير المحلات بسعر يقارب الـ500 دولار شهريًا، فالصينيون يجعلون من هذه المحلات مقرًا للعمل ومستودعًا للبضائع ومنزلاً في ذات الوقت، بعضهم يملك سجلات تجارية من الدولة الجزائرية ومنهم من يعمل بطريقة غير قانونية أو باستعمال طرق ملتوية وهو سبب رفضهم الدائم للحديث مع الصحفيين أو من يحمل آلة تصوير في يده".
اقرأ/ي أيضًا: الفائض المالي يدفع كرة القدم الصينية للأمام
غالبية الصينيين قدموا للجزائر بعقد عمل في أحد ورشات البناء، ليخوضوا بعدها مغامرة دخول التجارة، فتوقفوا عن العمل في الورشات وفتحوا محلات بطرق غير قانونية أو بمساعدة تجار جزائريين، فيقوم الصيني باستيراد السلع من بلده، لتباع في الجزائر بضعف الثمن، يقول محمود "أتذكر بعضهم وصل الحي بملابس العمل وبأحذية بالية ليصبح بعد عام رجل أعمال وصاحب مال يوظف بعض الصينيين والجزائريين، بل ويفتح محلات بالتشارك مع تجار جزائريين في مناطق أخرى من الجزائر، إنه اقتصاد الحاويات، يجني الصينيون أموالاً طائلة من تجارتهم ولا نعلم وجهة تلك الأموال رغم أنه من المرجح أنها تهرب نحو الخارج باستعمال طرق ملتوية وكذا الاعتماد على تضخيم فواتير التصدير أو الاستيراد".
قدم "لي" إلى الجزائر عام 2010 كعامل في مشروع ملعب "براقي" بضواحي العاصمة، لكنه تحول إلى عامل في ورشات الخواص، لأنهم يدفعون أكثر، يقول لي لـ"الترا صوت": "يعتمد المقاولون الجزائريون على اليد العاملة الصينية حتى في وظائف صغيرة يتقنها الجزائريون، ويدفعهم لذلك السرعة الكبيرة في تسليم المشاريع، وحب العمل الذي يعرف به الصينيون"، يفعل المقاولون هذا رغم علمهم المسبق أن عيوب المشروع ستظهر شهورًا بعد تسليمه نظرًا لنقص الإتقان الذي طالما كان علامة صينية مسجلة، كما أن بعض أصحاب المشاريع يرون أن الصينيين أقل تكلفة من العامل الجزائري وغير متطلبين كثيرًا في ظروف العمل، كما أن غالبيتهم يعملون من دون تأمين صحي. يبحث الصينيون عن المال وفقط، فالكثير منهم اختار البقاء في الجزائر بطريقة غير قانونية رافضين العودة إلى بلدهم.
غالبية الصينيين قدموا للجزائر بعقد عمل في أحد ورشات البناء ليخوضوا بعدها مغامرة التجارة ويتحولوا إلى رجال أعمال مهمين سريعًا
تسلمت الجزائر مؤخرًا مبنى "الأوبرا"، كهدية من الصين الشعبية، ويضاف المبنى لعديد المشاريع التي تم بناؤها كعربون صداقة بين البلدين مما جعل حجم التعاملات والمبادلات بين الدولتين في تزايد مستمر، فمنذ قدوم الرئيس بوتفليقة للحكم في عام 99 صارت الصين رقمًا مهمًا في سياسة الجزائر الخارجية، لتصبح دولة العملاق النائم المورد الأول للجزائر بمبادلات بلغت 7 مليار يورو بداية عام 2015، كما حازت الصين على نصيب الأسد في صفقات المشاريع الحكومية بقيمة قاربت 20 مليون يورو. وقد فازت 790 شركة بصفقات اقتصادية مهمة في مجالات متعددة، كما أن حضور الصين في السوق الجزائرية صار بارزًا، من تصدير قطع الغيار الصغيرة إلى إنجاز المشاريع السكنية الكبيرة.
اقرأ/ي أيضًا: