20-يونيو-2021

الانتخابات التشريعية عرفت مشاركة ضعيفة (تصوير: رياض قرامدي/Getty)

لم تكن نتائج الانتخابات التشريعية المبكّرة التي جرت 12 حزيران/ جوان الجاري رحيمة بمجموعة من الأحزاب السياسية، بعضها مضى على وجودها في المشهد السياسي أكثر من ربع قرن، خرجت بصفر مقعد، ما يمثل إعدامًا سياسيًا لها.
لم تحصل "حركة النهضة" أي مقعد في التشريعيات الأخيرة،رغم أنّها ظلت من المناوئين للرئيس السابق ببوتفليقة
كشَفَت الانتخابات التشريعية الجزائرية، عن أبرز الفائزين وأكبر الخاسرين فيها، لكنها أبرزت مفارقات كون بعض الأحزاب لم تنل من المنافسة الانتخابية، شيئًا وخرجت من حلبة المعركة فارغة.
انفصال مع الواقع

من الأحزاب التي خرجت صفر اليدين في الانتخابات النيابية الأخيرة، ومر على وجودها في الساحة السياسية خمس وعشرون سنة، حزب "التحالف الجمهوري" الممثل تاريخيًا للتيّار التقدمي في الجزائر، وهو الحزب الذي أسسه في تسعينيات القران الماضي، رئيس الحكومة الأسبق رضا مالك، فترة ما أعقبت فتح المجال السياسي للتعددية الحزبية، وفي أوج بروز التيار الإسلامي، وما يعرف وقتها بسنوات الجمر.

هذا الحزب يرأسه حاليًا بلقاسم ساحلي، الذي شغل منصب وزير ملف بالجالية، وحاز على مقاعد قليلة منذ انتخابات 1997، في المقابل من ذلك، ظلّ يشارك في الحوارات السياسية، ومن الأحزاب المناوئة للسلطة.

ويبدو أنّ هذا الحزب حسب العارفين بشؤون الأحزاب السياسية في الجزائر، دفع ثمن دفاعه المستميت على ترشّح عبد العزيز بوتفليقة للعهدة الخامسة، وما أعقبته من تداعيات في الشارع، ومن الرفض الشعبي لهذه الوجوه التي ظلت تساند وجهة واحدة للسلطة السابقة والحالية أيضًا، غير أن هذا الحزب ظل ضعيف التشكيل هيكليا وتنظيما وقاعديا أيضا

حزب آخر، دفع ثمن مواقفه التي ظلت مراوحة لفكرة واحدة وهي الإبقاء على ميراث أبناء الشهداء (ثورة التحرير الجزائرية)، إذ أنشأت "الجبهة الوطنية الجزائرية" قبل عشرين سنة، وترأسها منذ ذلك الوقت ليومنا هذا الأمين العام السابق لتنسيقية أبناء الشهداء موسى تواتي، غير أن الأخير لم يتمكن من الخروج من خطابات السياق التاريخي الماضي، دون الاندماج أو احتواء لقضايا المجتمع والوضع الاجتماعي الحالي.

كما عرف الحزب الذي ترشح رئيسه لرئاسيات 2009، وحصل على 13 مقعدًا في انتخابات 2012، لكن رصيد نفذ بفعل عدة انشقاقات وأصبح خاويًا من الكوادر التي توجّهت لتشكيل كيانات سياسية أخرى، وبات الحزب فارغًا من المناضلين ولم يتمكّن من إعادة البناء وحتى ترميم ما تبقى منه.

كل ذلك جعل من الجبهة الوطنية الجزائرية تحصد صفر مقعد في الانتخابات الأخيرة، وتحصد معها سكون الحراك النضالي لفترة طويلة أمام هيجان الشارع وغضب أحزاب سياسية قديمة أخذت مقاعدها في الغرفة التشريعية الثانية هذه المرة

انشقاقات ووهن نضالي

التيّار الإسلامي، هو الآخر تلقى ضربة قاصمة، وخاصّة حركة الإصلاح الوطني، التي يرأسها حاليا فيلالي غويني، لم تنل أي مقعد هي الأخرى، رغم أنها حركة عرفت كبار القادة السياسيين منذ عشريتين من الوجود أهمهم مؤسّسها الأول عبد الله جاب الله الذي أسس جبهة العدالة والتنمية لاحقًا، إذ فشلت في استقطاب الناخبين، ودفعت ثمن دعم ترشح الرئيس السابق عبد العزيز وتفليقة لولاية خامس في2019.

هذه الحركة حلّت ثالثًا في انتخابات 2002، لتسقط سقوطًا مدويًا في 2007 بعد استقالة مؤسّسها جاب الله، وتشكيله لحركة جديدة وبالتالي أفرغت الإصلاح الوطني من الكوادر ومن المناضلين بانسحاب المؤسّس، كما شهدت بذلك عدة انشقاقات جعلتها رهينة الضعف والوهن السياسي في مختلف المواعيد السياسية، رغم تمسك أمينها العام غويني لخطاب مساند وداعم للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.

كما لم تحصل "حركة النهضة" أي مقعد في التشريعيات الأخيرة، رغم أنّها ظلت من المناوئين للرئيس السابق ببوتفليقة، وشهدت انقسامات عنيفة هي الأخرى، إذ فضلت الحركة التي يرأسها حاليًا يزيد بن عايشة التحالفات السياسية مع أحزاب التيار الإسلامي في المرة الأولى ما عرف باسم "تكتل الجزائر الخضراء" في العام 2012، مع كل من حركة مجتمع السلم وحركة الإصلاح الوطني، ثم تحالف آخر في انتخابات 2017 مع كل من حركة البناء الوطني وجبهة العدالة والتنمية، وكلّها تحالفات لم تنل منها شيئًا، خصوصا وأنها شهدت تشرذمًا من حيث الكوادر والمناضلين وتشتت وعائها الانتخابي

ثمن المواقف 

الملفت أن بعض التشكيلات السياسية التي اشتد عودها خلال فترة حكم بوتفليقة، والوزراء الذين انضموا إليها هي من تلقت ضربة قاصمة، مثلما شهد حزب" تجمّع أمل الجزائر" الذي أسسه وزير الأشغال العمومية الأسبق عمار غول وعضو التحالف الرئاسي السابق وهو المتواجد اليوم في السجن، إذ عرف في الانتخابات الأخيرة هزة عنيفة بعدم حصوله على أي مقعد.

ورغم الحملة الانتخابية المساندة لتوجهات الرئيس تبون، الذي انخرطت فيه الأمين العامة لهذا الحزب فاطمة الزهراء زرواطي، إلا أنها لم تتمكّن من استقطاب الناخبين لحزبها، الذي فقد كيانه التشكيلي.

ويرى المتابعون للشأن السياسي في الجزائر أن معظم الأحزاب التي فضلت في حصد أصوات في التشريعيات الأخيرة، بنت مشاريعها السياسية على "رمال متحركة" ، كما عبر أستاذ العلوم السياسية محمد السعيد عباسة، إذ عبر في حديث لـ "الترا جزائر" أن هذه الأحزاب تشكلت في ظروف سياسية مغايرة للوضع الحالي، إذ بقي خطابها متشبثًا بواقع مغاير لمتطلبات الفترة الراهنة.

 محمد السعيد عباسة: المفاجئة لم تحدث مع هذه الأحزاب لأنها بقت رهينة لفترة سياسية سابقة يرفضها الشارع

ووصف المتحدث أن المفاجئة لم تحدث مع هذه الأحزاب لأنها بقت رهينة لفترة سياسية سابقة يرفضها الشارع أولًا، ويرفضها الظرف السياسي والاجتماعي الحالي ثانيًا، وابتعادها عن الواقع، كما قال كما عزا عباسة هذا الفشل الذريع إلى المشاكل الداخلية التي تعرفها هذه الأحزاب التي ضعف عودها في مواجهة المستجد في الشارع، ومحاولة فاشلة في إقناع الناخبين رغم خطاباتهم الصوتية خلال فترة الحملة الانتخابية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

التشريعيات الجزائرية.. ماهي فرصة أحزاب بوتفليقة في دخول البرلمان؟

بعجي: قوائم "الأفلان" في التشريعيات لن تفتح أمام الفاسدين