18-فبراير-2017

المرشح الرئاسي الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب/Getty)

تصريحات المرشح في الانتخابات الرئاسية الفرنسية إيمانويل ماكرون، الذي زار الجزائر مؤخرًا، وقال فيها إن تاريخ فرنسا في الجزائر كان "جريمة ضد الإنسانية ويجب مواجهة الماضي حتى نعتذر لمن تضرروا"، أحدثت جدلًا كبيرًا في الساحة السياسية الفرنسية وفي الجزائر، حيث تؤكد من جديد أن التاريخ الذي يربط البلدين لا يزال يحدث رجات في العلاقات بين الجزائر وباريس، رغم محاولات "التناسي" لبعث علاقات سياسية واقتصادية بين الطرفين ومحاولات طي الصفحة الأليمة بين الجانبين عقب استعمار دام أزيد من 132 سنة (1830-1962).

صرح المرشح للرئاسة الفرنسية ماكرون أن تاريخ فرنسا في الجزائر كان "جريمة ضد الإنسانية ويجب مواجهة الماضي حتى نعتذر لمن تضرروا"

بعيدًا عن الجدل السياسي المرتبط بانتخابات الرئاسة الفرنسية، ورفض ماكرون التراجع عن تصريحاته التي لم تلق الرضا في باريس، فقد أيقظت هذه التصريحات بركان الذاكرة الهادئ، وأعادت طرح سؤال مزمن عن موقف جيل ما بعد 55 سنة من استقلال الجزائر (5 حزيران/يوليو 1962) تجاه ملف التاريخ والذاكرة ومطالب جزائرية من فرنسا بالاعتراف والاعتذار والتعويض عن جرائمها الاستعمارية في الجزائر خلال قرن ونصف، علاوة على ما إذا كان الجيل الحالي مستعدًا للتخلي عن الدوافع التاريخية كضوابط أساسية تحكم العلاقات متعددة الأوجه مع فرنسا اليوم، ويرتبط هذا السؤال بحسب المؤرخين بعامل الزمن والتباعد بين مرحلة الثورة ومرحلة النضج السياسي لجيل ما بعد الاستقلال أو الجيل المقبل، وهو ما يأتي موازاة مع ما وصفته أصوات تاريخية وسياسية في الجزائر بـ"فشل السلطات في حفظ الثورة التحريرية وكتابة التاريخ بالشكل المطلوب الذي يتيح للثورة أن تبقى أبرز معالم ومحددات التوجهات والخيارات الوطنية".

اقرأ/ي أيضًا: "بلال"..الحصان الأسود في انتخابات فرنسا المقبلة

كما يطرح المهتمون بالشأن التاريخي وخاصة العلاقات بين الجزائر وفرنسا فكرة أن ملف التاريخ وإرث الاستعمار بات يضيق في مساحة العلاقات بين فرنسا والجزائر، من فترة إلى فترة ومن جيل إلى جيل، لأن جيل الثورة يرى في فرنسا دولة استعمار ومحتل، أما جيل ما بعد الاستقلال فيراها دولة استعمار سابق، في المقابل جيل اليوم يرى إمكانية تأسيس تعاون اقتصادي وتجاري قوي بين الدولتين، وإمكانية بعث استثمارات كبرى في الجزائر مع الجيل السياسي الحالي.

ملفات جرائم الإبادة التي قامت بها فرنسا في الجزائر، ستدفع الجزائر وفرنسا إلى البحث الجاد عن وضعية حل واقعي لهذه الملفات 

وعليه فإن سؤال الذاكرة المرتبط بالاعتراف والاعتذار والتعويض يرتبط مع عامل تطور الظروف الاجتماعية والاقتصادية للجزائر، لكن تصريحات المرشح للرئاسيات في فرنسا إيمانويل ماكرون، برأي الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية الأستاذ زهير بوعمامة، تعيد إلى الواجهة ما أسماه "حروب الذاكرة"، مضيفًا أن "هذه الحروب الصامتة غالبًا والمثيرة في القليل من الأحيان لا تزال قائمة بين الجزائر وفرنسا ولم تضع أوزارها بين الفرنسيين أنفسهم ومع الجزائريين ومع غيرنا ممن تعرضوا لمرور أقدام الجيش الفرنسي الهمجية".

وأوضح بوعمامة لـ"ألترا صوت": "ما صنعته تصريحات المرشح ماكرون تستحق التنويه رغم الحسابات الانتخابية التي وراءها، لكنها تحمل جرأة مسبوقة حين قال إن "الاستعمار جريمة ضد الإنسانية" وإن فرنسا "جلبت معها إلى الجزائر إعلان وثيقة حقوق الإنسان ولكنها نسيت أن تقرأها"، وهو ما يؤكد في رأي الدكتور بوعمامة أن "الفرنسيين لن يتمكنوا من إخراج الجزائريين من حلقات نقاشاتهم قبل وقت طويل".

اقرأ/ي أيضًا: من يفوز ببطاقة ترشيح اليسار للانتخابات الفرنسية؟

وقرأ الدكتور بوعمامة تصريحات ماكرون من ناحية أخرى أنها "تطور واضح نحو تبني خطاب الحقيقة ولكن علينا أن نعي أن تغير ممارساتهم تجاهنا لن يحدث قبل أن نصبح في وضع يفرض عليهم ذلك"، وواصل قائلًا إن "الجزائر لن تتمكن من فرض تغيير نظرة الفرنسيين لها إلا إذا صارت أمة تمتلك مداخل القوة والقدرة في مختلف الميادين" وهو ما يعني من وجهة نظره أن "الأمر الآن في أيدي الجزائريين وليس بأيدي الفرنسيين في ما يتعلق بصفحات التاريخ المأساوية التي لم تطو بعد ولم تجد ملفاتها الحل".

لكن ملفات جرائم الإبادة التي قامت بها فرنسا في الجزائر خلال الحقبة الاستعمارية وملف الاعتراف ثم الاعتذار والتعويض، ستدفع الجزائر وفرنسا إلى البحث الجاد عن وضعية حل واقعي لهذه الملفات التي تعيق دومًا علاقات الدولتين، وهو ما يعني أنها من أهم الملفات في أجندة العلاقات الخارجية للرئيس القادم في قصر الإليزيه، لوجود أزيد من خمسة ملايين جزائري في فرنسا يشكلون كتلة انتخابية لافتة فضلًا عن علاقات اقتصادية قوية يمكن بعثها بين البلدين.

اقرأ/ي أيضًا: 

هولاند..نهاية فاترة لرئيس ضعيف