11-يناير-2024
دواء

(الصورة: Getty)

تحاول الحكومة في السنوات الأخيرة تحقيق أمنها الدوائي بالتقليص من الاستيراد ورفع حجم الإنتاج الوطني للقضاء على حالات الندرة، وهو ما تحقق في عدة مجالات، فيما تواجه تخصصات أخرى بعض الصعاب التي تقف وراءها بالخصوص لوبيات الدواء، حسب تصريحات وزير الصناعة والإنتاج الصيدلاني علي عون.

ئيس النقابة الوطنية للصيادلة الخواص لـ"الترا جزائر": أطراف مجهولة تشكّك في نوعية وجودة الأدوية المحلية عبر منصات التواصل لإضعاف صناعتنا الدوائية وخلق أزمة في السوق 

وساهم تزامن جائحة كورونا مع السنة الأولى لعهدة الرئيس عبد المجيد تبون في أن يجعل الإنتاج الصيدلاني أولوية للحكومة، وعنوانا للتعيينات الوزارية التي أقامها من خلال جعلها وزارة مستقلة أو قطاعا ملحقا مرة بوزارة الصحة وأخرى بوزارة الصناعة كما هو الأمر في آخر تغيير حكومي له.

حصيلة مشجعة

يحرص وزير الصناعة والإنتاج الصيدلاني علي عون في كل لقاءاته على تعداد ما حققه قطاعه في السنوات الأخيرة، حيث أشار خلال جلسة استماع أمام لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية والعمل والتكوين المهني بالمجلس الشعبي الوطني عقدت الشهر الماضي إلى أن نسبة تغطية السوق الوطنية للمواد الصيدلانية بالإنتاج المحلي بلغت 68 بالمائة، في انتظار وصولها إلى 70 بالمائة قريبا.

وقال عون إن عدد الأدوية المسجلة على مستوى المدونة الوطنية للمواد الصيدلانية قد ارتفع في إطار الإنتاج المحلي إلى 3327 من أصل 4544 دواء مسجل على مستوى المدونة، أي بنسبة 73 بالمائة، وبـ300 دواء عما كان في أغسطس أوت 2022.

ويرافع عون لتوسيع الإنتاج المحلي للأدوية للقضاء على أزمات الندرة التي مست 10 أدوية في تشرين الثاني نوفمبر الماضي مقارنة بـ30 مفقود في 2022، حيث تم توطين 4 مشاريع إنتاج محلية للمخدر الموجه لطب الأسنان بهدف عدم تكرار الأزمة التي حدثت في 2023، إضافة إلى الشروع في إنتاج الأنسولين محليا، واعتماد 6 مشاريع لإنتاج الأدوية المضادة للسرطان.

وبلغة الأرقام، تتوفر الجزائر اليوم على 203 مؤسسة صيدلانية، منها 189 موقع للإنتاج، و14 مؤسسة تقوم بالإنتاج عن طريق المناولة، حيث توجد 114 مؤسسة منتجة للمواد الصيدلانية، و70 مؤسسة منتجة للمستلزمات الطبية، و5 مؤسسات تقوم بإنتاج المواد الصيدلانية والمستلزمات الطبية.

وقال رئيس النقابة الوطنية للصيادلة الخواص كريم مرغمي لـ"الترا جزائر" "إذا قارنا نسبة تغطية الصناعة الصيدلانية الوطنية لحاجيات الوطن بين سنة 2009 و2023، نلاحظ نموا كبيرا، إذ انتقلت النسبة من 17 بالمئة سنة 2009 إلى 68 بالمئة في 2023، وهي نسبة جد مشرفة وستسمح للجزائر بتحقيق الأمن الدوائي في عدة أصناف دوائية، خاصة ما تعلق ببعض أصناف الأنسولين وأدوية السرطان وتخثر الدم التي تمثل أكثر من ثلث واردات الجزائر في السنوات الأخيرة ".
 

جبهة مضادة

ونبه مرغمي إلى أن النتائج المحققة في مجال الصناعة الصيدلانية تتطلب دعمًا وحماية أكثر من قبل الدولة بالنظر إلى "وجود أطراف من أصحاب المصالح الضيقة ما تزال تراهن على فشل المنتوج الوطني باختلاق مشاكل تساهم من حين إلى آخر في ظهور اضطرابات في سوق الأدوية، لإضعاف صناعتنا الدوائية وإظهارها على أنها غير قادرة على تحقيق الاستقرار والانتظام في الوفرة، وهذا ما حذرنا منه عدة مرات في تدخلاتنا".

وأضاف مرغمي أن "هناك حتى من يحاول التشكيك في نوعية وجودة الأدوية المصنعة محليا، وتشجيع الأدوية الأجنبية على حساب المنتج الوطني، و هو ما نلاحظه في تنامي بيع ما يسمى "أدوية الكابا" عبر مواقع التواصل الاجتماعي من قبل أطراف مجهولة، لذلك فإن الحفاظ على الصناعة الصيدلانية الوطنية مسؤولية الجميع، كل في مجال اختصاصه وليس فقط مسؤولية وزارة أو هيئة بعينها".

ويتطابق تحذير رئيس نقابة الصيادلة مع تصريحات كثيرة لوزير الصناعة والإنتاج الصيدلاني الذي أرجع في تصريح له في أيلول سبتمبر2022 التأخر في إنتاج الأنسولين محليا إلى ما قامت به " مخالب المخابر الأجنبية "، مشيرا إلى أنها من  كانت تضيّع الوقت منذ 1994، حتى تستمر الجزائر في استيراد هذا المنتج الهام لمرضى السكري حتى العام قبل الماضي.

وفي حزيران/جوان الماضي، اتهم عون صراحة  ما أسماها بـ"لوبيات" بالوقوف وراء ندرة مواد التخدير الخاصة بطبّ الأسنان، وذلك بهدف" فرض دواء فرنسي"

وقال عون حينها إن "مشكل مخدر الأسنان خلقته لوبيات أرادت فرض الدواء الفرنسي وهو ما رفضناه من جهتنا ".

وبسبب اللوبي المسيطر على سوق الأدوية، ظلت الجزائر رهينة للمخابر الفرنسية، حيث تشير إحصاءات السنوات السابقة إلى احتلالها المرتبة الأولى في قائمتي مستوردي الأدوية الفرنسية عام  1990، وظلت على هذه الحالة لسنوات، حيث لم تغادر قائمة الزبائن العشرة للأدوية الفرنسية حتى في القرن الجديد الذي كانت تعيش فيه البلاد بحبوحة مالية، فقد استوردت سنة 2016 على سبيل المثال ما قيمته 581 مليون يورو من الأدوية الفرنسية.

توفير العملة الصعبة

يشدد رئيس النقابة الوطنية للصيادلة الخواص كريم مرغمي على أهمية الالتفات لهذا القطاع، لأن "وجود صناعة صيدلانية وطنية قوية ستسمح للجزائر بتوفير مزيد من العملة الصعبة للخزينة، وكذا توظيف وتكوين إطارات وطنية في الصناعة الدوائية المعقدة التي تحتاج إلى تقنيات حديثة ومتطورة، إضافة إلى التوجه نحو تصدير الفائض في مرحلة ثانية بعد تحقيق الاكتفاء الذاتي".

وحسب الرئيس المدير العام لمجمع صيدال وسيم قويدري، فإن النموذج الاقتصادي الجديد الذي تعتمده مؤسسته سيسمح بتخفيض فاتورة استيراد الأدوية بـ 1.1 مليار دولار في غضون 2026.

 وتراجعت تكلفة استيراد الأدوية من ملياري دولار في 2019 إلى 1.2 مليار دولار في 2022، وهو ما يمثل تقليص فاتورة الاستيراد بنسبة 40 بالمئة، وهي النسبة التي تسعى الحكومة لرفعها هذا العام.

استراتيجية مجمّع صيدال الاقتصادية ستسمح بخفض فاتورة الاستيراد بـ1.1 مليار دولار في غضون 2026

لكن  تحقيق ذلك يتطلب حسب النقابة الوطنية للصيادلة الخواص التعريف بجودة  الأدوية المصنعة محليا وتحسيس الأطباء والصيادلة في كل ولايات الوطن  بأهمية ذلك، من خلال تسطير أيام دراسية تكوينية لمهني الصحة، خاصة في الولايات الحدودية و الداخلية .

وأشار كريم مرغمي إلى أن نقابته قدمت عدة اقتراحات إلى وزير الصناعة والإنتاج الصيدلاني ترمي في مجملها إلى حماية المنتج الوطني، وحماية سوق الأدوية من الاضطرابات بإنشاء المرصد الوطني للوفرة الصيدلانية، ومراجعة  بعض النصوص القانونية التنظيمية التي ثبتت محدوديتها  كالمرسوم التنفيذي المتعلق بالمؤسسات الصيدلانية للتوزيع بالجملة، ومحاربة مظاهر الاحتكار والممارسات التجارية غير القانونية

ودعا مرغمي إلى تكثيف المراقبة والتفتيش ورقمنة قطاع الصيدلة وإشراك الفاعلين الحقيقيين في مجال الأدوية في كل المستويات في ورشات عمل تفاعلية، للوقوف على النقائص  وتصحيحها، وتقديم اقتراحات بما يخدم المصلحة الإستراتيجية للدولة الجزائرية والمتمثل في تحقيق الأمن الدوائي الذي ثبت فعاليته في تسيير الفترات الصعبة التي مرت بها الجزائر، وبالخصوص خلال فترة جائحة كورونا.