26-مايو-2021

يحتوى منجم الحديد بغار جبيلات على مخزونات تقدر بـ 3.5 مليار طن (الصورة: وكالة الأنباء الجزائرية)

تسارع الحكومة شهرًا بعد آخر عملية استغلال المعادن الموجودة بالجزائر، والتي ظلّت طيلة سنوات محلّ إهمال، رغم العائدات الكبيرة التي قد توفّرها للبلاد من العملة الصعبة، والتي ستقلل من الاعتماد على النفط في بناءالاقتصاد الوطني.

ما يُخيف المهتمين بالشأن الاقتصادي أن يشكل قطاع المناجم مجالًا جديدًا للريع

ومنذ وصول الرئيس عبد المجيد إلى سدّة الحكم، أدرج قطاع المناجم يندرج ضمن خططه الاقتصادية، لكن التساؤل الذي مازال يُطرح كيف ستستفيد الجزائر من ثرواتها المعدنية؟ وهل سيكون بالطريقة ذاتها التي استغلت به ثرواتها النفطية أم أنها ستكون بنظرة اقتصادية مستقبلية واعدة؟.

اقرأ/ي أيضًا: الشروع في استغلال وتحويل الفوسفات نهاية مارس 2021.

استعجال استغلال المناجم 

شكّل قطاع المناجم أحد المحاور التي درسها مجلس الوزراء مؤخّرًا، بعد أن استمع لعرض وزير الطاقة والمناجم  محمد عرقاب حول وضعية وآفاق عدد من المشاريع المهيكلة لقطاع المناجم الذي أعيد إلحاقه في التعديل الوزاري الأخير بقطاع الطاقم بعدما تم فصلهما لأشهر.

وأمر الرئيس تبون خلال الاجتماع بـ "الشروع في الاستغلال الفعلي لمنجم الحديد بغار جبيلات في أقرب وقت ممكن، ومواصلة تنفيذ جميع المشاريع المرافقة لاستكمال مخطط الاستثمار المعتمد، قصد تحقيق الأهداف المسطرة في مجال ضمان تزويد السوق الوطني بمادة الحديد الصلب، وتصدير مختلف مشتقاته في المراحل اللاحقة؛ واستكمال كلّ الترتيبات الخاصة بإطلاق مشروع الفوسفات المتكامل لتطوير الموارد الفوسفاتية الطبيعية بمنجم "بلاد الهدبة"، ومشروع تطوير واستغلال منجم الزنك والرصاص بواد أميزور في ولاية بجاية".

وشدّد الرئيس تبون على "منع استيراد الرخام والسراميك والخزف في شكله النهائي"، وذلك لتشجيع المنتج المحلي وإيقاف استنزاف العملة الصعبة على سلع يمكن إنتاجها في الجزائر.

ولتسهيل استغلال هذه الثروات الطبيعية، وجّه الرئيس تبون تعليمات لمراجعة النظام القانوني للوكالة الوطنية للنشاطات المنجمية، بهدف إيجاد آلية أكثر نجاعة وفعالية للتحكم وضبط استغلال الثروات المنجية التي تزخر بها بلادنا.

انطلاقة جديدة 

وفي انتظار مراجعة هذا النظام القانوني، تعمل الحكومة جاهدة على الأقلّ في البداية على إطلاق بعض المشاريع، وفي مقدّمتها منجم الحديد بغار جبيلات بولاية تندوف عقب التوقيع في نهاية شهر آذار/مارس الماضي على مذكّرة تفاهم مع ائتلاف شركات صينية لتمويل المشروع مع الطرف الجزائري.

وقعت الحكومة مذكّرة التفاهم بين المؤسسة الوطنية للحديد والصلب "فيرال" والائتلاف الصيني المشكل من مؤسسات "سي دابليو اي" "ام سي سي" و"هايداي سولار"، لتنفيذ المشروع الذي قد تصل تكلفته حتى ملياري دولار وفق التقديرات الأوّلية، والذي سيمتد عبر ثلاث مراحل، إلى غاية سنة 2025 التي ستشهد الانتاج الأوّل للحديد على مستوى المنطقة المستغلة، والذي سيتم تصديره عبر ميناء مستغانم.

ويحتوى منجم الحديد بغار جبيلات على مخزونات تقدر بـ 3.5 مليار طن بتركيز عال من الفسفور.

وقال وزير الطاقة محمد عرقاب قبل شهر إنّ "الانتهاء من الدراسة الأولية المدققة والمعمقة للمشروع التي تنجز مع الشريك الصيني سيكون بعد 3 أشهر ليتم التوقيع مباشرة على العقود والشروع في العمل".

وتتوقّع الحكومة أن يوفر المشروع خلال انطلاق أشغال الإنجاز حوالي 3 ألاف منصب عمل.

ولا ينحصر عمل الحكومة لتسريع استغلال المعادن في مشروع غار جبيلات الذي سيعاد بعثه، إنما على مختلف المعادن فقد باشرت الحكومة منذ أشهر عملية إيقاف الاستغلال غير الشرعي لمعدن الذهب بالولايات الجنوبية، خاصة بتمنراست وإليزي.

وبدأت الحكومة عملية تسليم رخص التنقيب عن الذهب لمؤسّسات شبابية، حيث تعمل تهدف إلى استغلال وتثمين الذهب عبر 220 محيط منجمي يحتوي على عروق وتركيزات الذهب بطريقة حرفية، وفق تصريحات وزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب.

وتُراهن الوزارة على التثمين الصناعي للمواد المنجمية لتطوير الصناعات المعدنية والانتقال من خطوة مصدر بسيط للمواد الأولية إلى مصدر للمواد المصنعة على رأسها الأسمدة، والفوسفات، والحديد والزنك والرصاص.

وقال الوزير محمد عرقاب إنّ احتياطات الجزائر تقدر بثلاثة ملايير طن بمناجم بئر العاتر بتبسة، وهو ما يعد فرصة لتطوير الصناعة التحويلية، باستغلال مشروعي بلاد الهدبة وبئر العاتر، وهو ما يوقف عملية الاستيراد من دول أخرى كالمغرب.

ويضم برنامج الحكومة أيضًا تنفيذ مشروع وادي أميزور ببجاية لاستخراج خام الزنك والرصاص، والتي قدرت احتياطاتها بـ 26 مليون طن.

رهانات الدولة 

وضع الرئيس تبون منذ البداية استغلال الثروات الطبيعية والمعدنية ضمن برنامجه الاقتصادي، وقال تبون في إحدى مقابلاته التلفزيونية إنّ الجزائر تزخر بثروات هائلة غير مستغلة "مثل المعادن النادرة التي تحتل الجزائر فيها المرتبة الثالثة أو الرابعة عالميًا من حيث الاحتياطيات"، إضافة إلى الذهب والألماس واليورانيوم والنحاس وغيرها، مبينًا أنه من غير المعقول ألا "تستغل الجزائر هذه الثروات ولا تترك الغير يستغلها".

وتضمنت خطة الرئيس تبون للإنعاش الاقتصادي والاجتماعي التي أعلنها في تموز/جويلية 2020، الدعوة لـ "الاستغلال الأمثل والشفاف لكافة الطاقات المنجمية التي يزخر بها البلد والثروات الطبيعية الوطنية، والإعداد الفوري لخارطة جيولوجية تضم كافة الحقول القابلة للاستغلال في مجال المعادن النادرة والتنغستين والفوسفات والباريت وغيرها من المعادن".

وتعوّل الحكومة أن يساهم قطاع المناجم في مداخيل إضافية للدولة سواء بالتقليص من الاستيراد أو التصدير، خاصّة وأن البلاد تتوفّر على احتياط لا يستهان به، بل إنه في ظلّ غياب عمليات استكشاف واسعة لباطن البلاد من المعادن يصبح احتمال وجود احتياطات أكثر من التقديرات الأولية أمرا ممكنًا.

غير أن ما يُخيف المهتمين بالشأن الاقتصادي أن يشكل قطاع المناجم مجالًا جديدًا للريع مثلما حدث مع المحروقات، باكتفاء الحكومة بعملية استخراج المادة الخام من المعادن، وترك الاستفادة منها وتطوير صناعتها والاستثمار فيها لشركات أجنبية بدل إنشاء مؤسّسات محلية تكون قادرة مستقبلًا على التوسع حتى المستوى الدولي.

تعوّل الحكومة أن يساهم قطاع المناجم في مداخيل إضافية للدولة سواء بالتقليص من الاستيراد أو التصدير

وإلى أن تتضح السياسة الحكومية بشأن قطاع المناجم بشكلٍ جلي، وتظلّ طموحات الدولة في تطوير هذا القطاع مشروعة، مادامت تراعي الجوانب التي يحذّر منها خبراء الاقتصاد وتتجنّب تكرار سياسة الريع البترولي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

عرقاب: استغلال الذهب صناعيا يتطلب شريكا أجنبيا

الترخيص لـ 57 مؤسسة للتنقيب عن الذهب بالصحراء