26-يوليو-2019

يتلقى ذوو الاحتياجات الخاصة في الجزائر منحًا زهيدة لا تغطي نفقاتهم (إنغا كجير /Getty)

بين الأمل والألم شعرة رفيعة، يتمسّك بها الزوجان وهما يدخلان قاعة علاج بسيطة بمدينة وهران، بعد عشر دقائق من الانتظار جاءتهما الممرّضة المكلّفة بتسجيل أسماء المرضى في دفتر قديم تهالكت وريقاته، طالبة منهما بطاقة التعريف الوطنية ومبلغًا زهيدًا يقدّر بـ 50 دينارًا، أي ما يعادل ربع يورو تقريبًا، وهو ثمن مقابلة الطبيبة، سحبت المرأة من حقيبة اليد ورقة نقدية وهمست بصوت منخفض موجّهة سؤالها للممرضة، كم هو رقمنا في طابور الانتظار؟

كثيرون ممن يزورون هذه المصحّة يبحثون عن شهادة تثبت عجزهم للحصول على منحة الحكومة

ردّت الممرضة قائلة: " بزاف بزاف، تقدروا تروحوا وترجعوا على ساعتين"، نظرت الزوجة إلى زوجها سننتظر أفضل، فلا يمكنك المشي وأنت هكذا.

اقرأ/ي أيضًا: ذوو الاحتياجات الخاصة.. الأكثر اضطهادًا في الجزائر

لم يبد الرجل امتعاضًا بل ابتسم وقال لزوجته "ماذا نفعل.. حكم الله؟". زوجته  لم يكن أمامها سوى التأوّه بصوت خافت والتوّجه بعينيها نحو مكان يليق بالجلوس، غير أنها عادت بخطوات ثقيلة للوراء وكأنها تقول في نفسها: "يا ليت شخصًا يتطوّع ليجلس زوجي، فهو لا يقوى على تحريك ساقه ويده اليمنى".

الساعة العاشرة إلا ربع، ستة وعشرون شخصًا في قاعة الانتظار، صراخ وبكاء أطفال وتأوّهات. السيّدة بن حامية، بدأت تتجوّل بعينها وتسترق السمع هنا وهناك، كل امرأة جالسة تسرد على مسامع الحاضرات تجاربها السابقة مع الأطباء، وكيف أنّهن لم يجدن راحتهن سوى عند هذه الطبيبة.

أغلبهن مررن بتجارب قاسية بحثًا عن علاج، والكثيرات دفعن ما يملكن عربونًا ثقيلًا ومصاريف كبيرة لأجل إسكات الوجع ليلًا، كثيرات تجرعن غمزات وهمسات ولمزات الأهل والأقارب والجيران وحتى في العمل، فمنهن من تخلّى عن كل شيء بسبب كلمة "معاق" أو "عاجز".

رحلة البعض في هذه المصحّة العمومية، ليس لطلب العلاج فقط، بل أكثرهم يبحثون عن طبيب مختصّ لتوقيع وثيقة تمكّنهم من المنحة التي تقدّمها لهم الحكومة، هناك حالات سبق وأن استفادوا من بطاقة تُثبت عجزهم ولكنها ضاعت منهم في الغالب أو أصابها التلف، وقدموا إلى هنا لتجديدها.

منحة الانتظار مؤلمة، تفقّس الجروح المخبأة في قلب كل مريض، بينما منحة العجز تساوي أربعة آلاف دينار جزائري شهريًا، تكلّفهم وثيقة طبية ووثائق أخرى يتمّ تسليمها إلى وزارة العمل والضمان الاجتماعي.

الزوج أصيب بشلل نصفي بعد صدمة قوية، أما زوجته فتأهبت لمواجهة ما بقي لها في الحياة

بعد ثلاث ساعات كاملة، ظفر الزوجان بالوثيقة الطبيّة التي تثبت عجز الزوج الكامل، وهو الذي كان طيلة سنوات طويلة في كامل صحّته، إذ أصيب بشلل نصفي بعد صدمة قويّة أرْدته اليوم كالجريح العائد من معركة، أمّا زوجته فقد لبست بزّة الجندي لمواجهة ما بقي لهما في الحياة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ضربة أخرى في مرمى شباب الجزائر

في الجزائر.. العمل دون عقد أو تأمين اجتماعي