22-فبراير-2022

(تصوير: بلال بن سالم/Getty)

هل يمكننا اليوم الحديث عن مكاسب مسيرات الحَراك الشعبي في الجزائر؟  وهل يمكن أن نعود للوراء لرؤية ماذا تحقق خلال ثلاث سنوات الماضيةفي الذكرى المصادفة للـ 22 شبّاط/فيفري2019؟ وهل لدينا أدوات تمكننا من إعادة قراءة الشّارع أو بعبارة أخرى قراءة الاحتجاجات مجددًا، كفرصة التّغيير التي منحتها العديد من الأصوات على اختلاف مكوناتها السياسية والاجتماعية والتي طالبت بإيقاف خطوة ترشّح الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة لعُهدة خامِسة، ورفض منظومة تربّعت على كرسي الحكم لمدة عقدين من الزّمن؟

 استقالة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة لم تثن المحتجّين من النزول للشارع والإبقاء على سقف المطالب مفتوحًا 

أسئلة حارقة وجب طرحها اليوم بهدوء وكثير سواها: "ماذا حدث بالضبط وهل تحقّقت المطالب؟  أسئلة يثبت الواقع مدى اختلاف وجهات النظر حيال "ثورة الشّارع" أو "انتفاضة الشارع" أو" اللحظة الثورية" التي تصدرت المشهد الجزائري طيلة هذه الفترة وعلى مدار كلّ جمعة وثلاثاء، إذ أبقت الزخم الاحتجاجي متوهّجًا إلى غاية قرار منع المظاهرات بسبب انتشار فيروس كورونا.

اقرأ/ي أيضًا: في ذكرى الحراك الشعبي.. احتجاجات عابرة أم ثورة مستمرة؟

أطروحات هادئة

سياسيًا، انجرت السلطات الجزائرية نحو تحقيق بعض المطالب عبر توليفة الانتخابات وإعلان انتخابات الرئاسة في نهاية العام 2019، التي أفرزت فوز الرئيس عبد المجيد تبون، والذي باشر بدوره في تنفيذ مخططه السياسي القاضي بإجراء تعديل الدستور في الفاتح من نوفمبر 2020 وانتخابات برلمانية بتاريخ 12 حزيران/جوان 2021 تلتها انتخابات محلية في الـ 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2021.

ختام المحطّات الانتخابية، كان المبرّر الأكبر لدى السلطة السياسية في الجزائر، لاستجلاء رسالة التّغيير أو ما وُسم في خطابات الرئيس تبون منذ اعتلائه كرسي الرئاسة بـ" ببناء الجزائر الجديدة".

هنا، يرى الباحث في علم الاجتماع السياسي من جامعة وهران غرب الجزائر نورالدين بن فضة أن المخطط الذي بادر به الرئيس عبد المجيد تبون كان واضحًا منذ إعلان ترشّحه للرئاسيات، ثم فتحه لملفّ تهدئة الشارع والتعامل مع فعاليات الحراك الشّعبي والذي وصفه بـ"الحراك المبارك الأصيل الذي أنقذ الدولة من الذوبان".

وأوضح لـ"الترا جزائر" أن الحراك الشعبي كان هاجسًا كبيرًا للسلطة خصوصًا وأن استقالة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة في الـ 2 نيسان/أفريل 2019، لم تثن المحتجّين من النزول للشارع والإبقاء على سقف المطالب مفتوحًا فيما عرف وقتها بتنحية كل الوجوه التي كانت في واجهة دواليب الحكم والإدارة.

وبشعار "يتنحاو قاع" كانت جموع المحتجين تطالب بالتغيير والتأسيس لمرحلة جديدة بمنظومة جديدة، حسب تعبير المتحدث، غير أن المتغيرات الجديدة التي أدت إلى الإذعان لتأجيل الرئاسيات من شهر نيسان/أفريل 2019 إلى غاية كانون الأول/ديسمبر 2019، فضلًا عما سمّي بطرح خطة طريق سياسية بالدرجة الأولى بعنوان "بناء مؤسسات جديدة"، على أساس دستور جديد وبرلمان منتخب ورؤساء بلديات ومجالس ولائية جديدة.

هذه الخطّة حسب متابعين للشأن السياسي، تعتبر "واجهة من واجهات التغيير وليس كلّ التغيير المنشود"، غير أن مطالب مكوّنات الحراك كانت أوسع من إنشاء مؤسّسات بلا ديمقراطية وإخلاء سبيل على سجناء الرأي أو الناشطين السياسيين.

تغيير أحادي الاتّجاه

عطفًا على ما سبق ذكره، فإن التغيير لن يحدث بين ليلة وأخرى ولا يمكن إرضاء جميع الحساسيات السياسية والاجتماعية، ولن يحدث في سنة أو سنتين، إذ بدأت الجزائر تجني بعض الثمار التي لم تنضج بعد، خصوصًا وأن تعديل الدستور جاء عبر مشاورات سياسية ولكنها غير مفتوحة لجميع الأطياف السياسية، وحتى نتائج الانتخابات على الدستور الجديد لم تكن حسب انتظارات السلطة السياسية، ورغم كل ذلك فالدستور الحالي يتماشى مع تعديلات بالإمكان تنفيذها والاحتكام إليها في كسب القليل من التغيير.

من جهتها، قالت أستاذة العلوم السياسية نورة حلايسية من جامعة قسنطينة، إن التغيير في الجزائر لا يمكن أن يحدث في اتجاه واحد، بمعنى أن التغيير في الأطر السياسية الحاكمة بداية من دستور جديد ومؤسسات منتخبة ليس بمفردها القادرة على إحداث الوثبة التغييرية المرجوة وينتظرها الشّارع أو تنتظرها مختلف فئات المجتمع، على حد قولها.

وتساءلت الأستاذة حلايسية في حديث إلى "الترا جزائر" في هذا السياق: "هل استطاعت الحركة السياسية في الجزائر تجهيز قاعدة صلبة مبنية على أسس ديمقراطية؟ في إشارة منها للأحزاب السياسية الناشطة في البلاد، موضّحة أن الحراك الشعبي أفرز العديد من التوجهات في الشارع، والعديد من الحساسيات، أو ما يطلق عليها بالمكونات السياسية".

ودعت المتحدّثة إلى التغيير المتعدد النظرة والرؤى حسب تعبيرها، إذ تغيير المؤسّسات وحده لا يكفل الديمقراطية الحقيقية وممارسة الحرية يحتاج إلى "عقلية وذهنية تفكر في فسح المجال للرأي والرأي الآخر، ونقاش كلّ القضايا المطروحة في الساحة، دون رقابة قبلية أو بعدية".

من أفرز من؟

وفي هذا الإطار نطرح تساؤلًا جوهريًا بعد ثلاث سنوات من الحراك الشعبي، هل يمكنه وصفه بثورة أفرزت مؤسسات جديدة؟ أو بالأحرى تغييرات سياسية في مؤسسات مهمة في دواليب الدولة أفرزتها لحظة غضب الشّارع أو لحظة النَّفس الثّوري؟   

وبذلك فإن إرادة التغيير تكون نابعة من الشّعب الذي ينتظر تحسن أوضاعه الاجتماعية، فلا يمكن للتغيير السياسي أن يكفل استقرار البلاد دون تغيير على مستوى الوضع الاقتصادي والتكفل بمشاكل وانتظارات مختلف الشرائح الاجتماعية.

وتتوجّه الأنظار دائمًا إلى أي حراك في الشارع، فهو باروميتر اختبار لمدى قدرة الشّعب على رفض الأوضاع ومطالبة بتغيير يشمل عدة قضايا، وهو ما شهدته الجزائر على مرّ العقود الأخيرة، من احتجاجات سياسية واجتماعية لكن التغيير الجذري لم يحصل.

في هذا المضمار، يعتقد متابعون للساحة السياسية في البلاد إلى أن التغيير الجذري لن يحصل حاليًا، بل سيكون تدريجيًا، فثمار التغيير يحدُث أن تُقطف عند حراك شامل في البنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية ومناهج التسيير.

 تراجع القدرة الشرائية وارتفاع أسعار المواد الغذائية وتقارير حقوق الإنسان عن معتقلي الرأي تشير إلى تدهور الوضع عمّا كان عليه قبل الحراك

لا يمكن الجزم تمامًا أن التغييرات السياسية في الجزائر قد نجحت في طيّ أزمات الفترة التي سبقت الحراك الشعبي في البلاد، وإن كانت السلطة تقدّم أرقامًا عن تحسن الإقتصاد وتقليص فاتورة الاستيراد وظهور المؤسسات الاقتصادية وخلق الثروة، فإن تراجع القدرة الشرائية وارتفاع أسعار المواد الغذائية وتقارير حقوق الإنسان عن معتقلي الرأي وسجن الصحافيين وغلق المؤسسات الإعلامية تشير إلى تدهور الوضع عمّا كان عليه قبل مسيرات الحراك الشعبي في الجزائر.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مسيرات شعبية في عدّة ولايات.. هل هي عودة الحراك الشعبي؟

مسيرة شعبيّة في خرّاطة.. عودة الحراك؟