لم تعد اللّغة الأمازيغيّة في الجزائر ذلك الشّبح المطارد من طرف النّظام الحاكم، حيث ظلّ أنصارها والمدافعون عنها عرضة لإكراهات وتعسّفات مختلفة، وصلت إلى السّجن وقطع الأرزاق؛ فهي اليوم تحظى بمنابر إعلاميّة حكوميّة وبالتّدريس في المنهاج التّربويّ، وباعتراف دستوريّ منذ عام 2016. وإن حدث أن مرّ التّعديل المطروح للاستفتاء الشّعبيّ يوم الفاتح نوفمبر الدّاخل، فستصبح لغة وطنيّة رسميّة إلى جانب اللّغة العربيّة.
أحمد لعلاوي: الجائزة جاءت لتثمّن عطاءات اللّغة والثّقافة الأمازيغيّتين في الحقول الأدبيّة والثقافيّة
غير أنّ الجوائز المتعلِّقة بالتّعابير الأدبيّة والثّقافيّة الخاصّة باللّغة الأمازيغيّة أو "تمازيغت" بالتّعبير الذّي استعملته مسوّدة الدّستور ظلّت نادرة، وما يوجد منها لم يرقَ إلى إحداث أثر يُذكر في خدمة هذه اللّغة وإضاءة تجارب المشتغلين عليها.
في ظلّ هذا الفراغ اقترحت "المحافظة السّامية للأمازيغيّة"، في الذّكرى الخامسة والعشرين لتأسيسها من طرف رئاسة الجمهوريّة، على الرّئيس عبد المجيد تبّون رعاية جائزة ذات بعد وطنيّ في اللّغة والأدب الأمازيغيّين؛ فوافق على ذلك في شهر أيّار/ماي الماضي، وصدر المرسوم الرّئاسيّ المقرّ لها والمحدّد لشروط تنظيمها في شهر آب/أوت الماضي.
ونجد من بين أهداف هذه الجائزة تشجيع البحث والإبداع باللّغة الأمازيغيّة، وتثمين الإنجازات المعرفيّة والأدبيّة بكلّ تنوّعاتها في الجزائر، وحماية الملكيّة الفكريّة وتحفيز التّنافس في هذا المجال، ضمن منظومة مقنّنة، "لإبراز ميزة اللّغة الأمازيغيّة النّابعة من المجتمع الجزائريّ والحاملة لقيم فنّيّة عالية ومتجذّرة".
تنقسم الجائزة بحسب المرسوم الرّئاسيّ وقانونها الدّاخليّ إلى عدّة محاور منها البحث اللّسانيّ والأدب المعبَّر عنه باللّغة الأمازيغيّة والمترجم إليها، والبحث في التّراث اللّامادي، والبحث العلميّ والتّكنلولوجيّ المرقمن؛ ليحصل أصحاب المراتب الثّلاث الأولى في كلّ محور على مبالغ ماليّة قدرها على التّوالي مليون دينار جزائريّ ونصف مليون دينار وربع مليون دينار.
يقول الصّحفي أحمد لعلاوي المكلّف بالإعلام على مستوى المحافظة السّاميّة للأمازيغيّة، إنّ الجائزة جاءت لتثمّن عطاءات اللّغة والثّقافة الأمازيغيّتين في الحقول الأدبيّة والثقافيّة والعلميّة المختلفة؛ "لتمكينها من البرهنة على أنّ حياتها مرتبطة بمدى مساهمتها في إثراء هذه الحقول، بعد عقود من الاكتفاء بالنّضال السّياسيّ". يشرح فكرته بالقول: "بعد كلّ المكاسب السياسيّة والتّربويّة والإعلاميّة والدّستوريّة التي أحرزتها الثّقافة الأمازيغيّة في الجزائر، علينا أن ننتقل بها إلى مرحلة التّعاطي الثّقافيّ والفنّي والأدبيّ، وإلا عُدَّ الأمر متاجرةً سياسيّة لم يعد لها أيّ مبرّر في الواقع".
وعمّا أثاره إطلاق الجائزة من تحفّظات لدى بعض الأطراف السّياسيّة والثّقافيّة، يقول محدّث "الترا جزائر" إنّ الجائزة مشروع ثقافيّ وحضاريّ، وما ظهر من تحفّظات نابع من مشروع أيديولوجيّ لم يوسّع أفقه ليتفهّم ضرورة رعاية جميع الأبعاد المشكّلة للهوّيّة الوطنيّة. بالتّالي هي مشكلته وليست مشكلة الجهة المنظّمة.
يشار إلى أنّ المشاركة تكون حصريًّا عبر الموقع الإلكترونيّ للمحافظة السّامية للأمازيغيّة، من خلال ملئ طلب المشاركة، مرفقًا باستمارة معلومات، مع ملء خانة تتمّ فيها كتابة ملخّص عن العمل المقدّم للجائزة التّي سيتمّ الإعلان عن النّخبة الفائزة بطبعتها الأولى يوم 12 كانون الثاني/يناير المشكّل لرأس السّنة الأمازيغيّة.
اقرأ/ي أيضًا:
الجزائر تقر رأس السنة الأمازيغية عيدًا وطنيًا.. نهاية الجدل؟
الأمازيغية في الجزائر.. من السجن إلى الدستور