07-نوفمبر-2019

جاك سيمون (فيسبوك/ الترا جزائر)

لم تستقطب ثورة التّحرير الجزائريّة، بعد انطلاقها في الفاتح من نوفمبر عام 1954 النّخب الجزائريّة التّي انصهرت في "جبهة التّحرير الوطنيّ" فقط، بل استقطبت أيضًا نخبًا عربيّة وغربيّة من تيّارات فكرية مختلفة، حيث تبنّت خطاب الاستقلال، وناهضت خطاب الاحتلال.

تجاوزت مؤلّفات جاك سيمون عن الثّورة والثوّار العشرين كتابًا، نشر كثيرًا منها على حسابه الخاص

بعض هذه النّخب العربيّة والغربيّة سخّر قلمه للكتابة عن الثّورة الجزائريّة، والبعض سخّر المنابر الإعلاميّة والسّياسيّة التّي، كان ينتمي إليها للدّفاع عنها، وشرح أهدافها للرّأي العامّ الدّوليّ، فيما تجاوز البعض مقام المساندة المعنويّة للثورة التّي، قدّمت مئات الآلاف من الشّهداء، وصُنِّفت على أنّها أكبر ثورة تحرير في القرن العشرين، إلى مقام الانخراط الميدانيّ بحمل السّلاح.

اقرأ/ي أيضًا: إعادة الاعتبار إلى شاعر الثورة الجزائرية

وجدت وجوه من هذه النّخب التّي، اعتنقت أهداف وخطاب الثّورة الجزائريّة، ومنها وجوه من فرنسا نفسها، شيئًا من الاعتراف والاحتفاء، من طرف المؤسّسات الرّسميّة الجزائريّة، ذلك أنّ حكومات الاستقلال لم تخلُ من وزارة للمجاهدين، تعنى بذاكرة الثورة والتكفّل بالجوانب الاجتماعيّة بمن بقي حيًّا من الثّوّار، فيما تمّ إهمال البعض والتّنكّر لهم.

يعيد المربّي والنّاشط عمر بركاني لـ"الترا جزائر" هذا التنكّر إلى الخلفيّة الأيديولوجيّة، "حيث خالف الانتماء الفكريّ لبعض مساندي الثّورة من الغربيّين للمقولات الفكريّة التّي، تبنّتها حكومة الاستقلال الوطنيّ. "وهذا التنكّر مسّ حتّى ثوّارًا جزائريّين حملوا أفكارًا مختلفة، بعضهم كان ضمن النّواة الأولى لتفجير ثورة التّحرير، فقد عاش حسين آيت أحمد ومحمّد بوضياف مثلًا منفيين".

يعدّ المؤرّخ والنّقابي الفرنسيّ جاك سيمون، الذّي ولد في مدينة تيارت، 600 إلى الجنوب من الجزائر العاصمة عام 1933، وتوفّي في مدينة أنتوني الفرنسيّة، الأربعاء الماضي، ضمن النّخبة الفرنسيّة التّي أعلنت مبكّرًا مساندتها للثّورة الجزائريّة. وقد دفعته ميولاته اليساريّة إلى المشاركة في تأسيس "اتّحاد العمّال الجزائريّين" الذّي أعطى تأسيسه يوم 24 شبّاط/ فبراير عام 1956 دفعًا قويًّا لمعسكر الثّورة.

انبرى جاك سيمون للكتابة عن الثّورة والثوّار، حتّى تجاوزت كتبه العشرين كتابًا، نشر كثيرًا منها على حسابه الخاصّ. وكانت دار النّشر "لارماتون" أكثر دور النّشر الفرنسيّة تبنّيًا لكتبه التّي، ذهب معظمها إلى تناول سيرة ومواقف مصالي الحاج الذّي، يُعرف بأبي الحركة الوطنيّة الجزائريّة، قبل أن تتمّ شيطنته من طرف "المركزيّين" اللّذين أشرفوا على تفجير الثّورة، بسبب ميله إلى الاكتفاء بالنّضال السّلميّ، ولم يُعد له الاعتبار إلّا في عهد الرّئيس عبد العزيز بوتفليقة، حيث تمّ إطلاق اسمه على عدّة مؤسّسات وهياكل وهيئات.

لم يكن اهتمام جاك سيمون بالرّجل المغضوب عليه السّبب الوحيد في إهمال مشاركته في ثورة التّحرير، من طرف الرّسميّين الجزائريّين، بل شكّل دورُه أيضًا في مساندة المناضلين الأمازيغ لأجل الاعتراف بالثّقافة الأمازيغيّة، ضمن مكوّنات الهوّية الوطنيّة، إذ كان عضوًا في "الكونغرس الأمازيغي العالمي" الذّي تأسّس عام 1995، سببًا إضافيًّا لهذا الإهمال.

أسّس جاك سيمون "مركز الأبحاث والدّراسات حول الجزائر المعاصرة" في باريس. وقد أثار كتابه "مصطفى بن بولعيد محرّك الثّورة الجزائريّة" جدلًا في الدّاخل الجزائريّ، حيث قال إنّ بن بولعيد (1917 ـ 1956) كان العرّاب الفعليّ لتفجير ثورة التّحرير. وما تركيز الرّواية الرّسميّة على ألّا زعيم للثّورة غير الشّعب إلّا تعسّف في حقّه.     

جاك سيمون: بن بولعيد هو من مهّد لإطلاق أوّل رصاصة في ثورة التحرير بمنطقة الأوراس التّي ينحدر منها

فبن بولعيد، يقول جاك سيمون، هو من مهّد لإطلاق أوّل رصاصة في منطقة الأوراس التّي ينحدر منها، حيث صالح بين قبائلها واستقطب نخبة من قدماء المحاربين في الجيش الفرنسيّ من الجزائريّين، ورهن كلّ أملاكه لتمويل العمليّة، بعد أن فرغت خزينة حزب الشّعب.

 

اقرأ/ي أيضًا:

استعادة رفات ثوار الجزائر.. التأجيل مستمر!

ذاكرة الجزائر الجمعية.. "الحركي" بعيد عن الغفران