31-أغسطس-2019

تحرم المرأة القبائلية من الميراث في عدد من مناطق الوطن (رياض كرامدي/ أ.ف.ب)

تتباين الروايات حول حقّ الميراث بالنسبة للمرأة في عديد المناطق الجزائرية، غير أن الثابت أن قرار حرمانها في منطقة القبائل، أقرّته وثيقة ترجع إلى ثلاثة قرون تقريبًا، ارتبطت بواقعة تاريخية، ومنذ ذلك الوقت، نزل عقاب جماعي على نسوة القبائل، مازال متوارثًا حتى اليوم في بعض مناطق البلاد.

تعود قصّة إقصاء المرأة من الميراث إلى وثيقة تمّ توقيعها في سنة 1749

تعود قصّة إقصاء المرأة من الميراث في بعض المناطق الجزائرية، إلى وثيقة تمّ توقيعها في سنة 1749، بأعالي جبال جرجرة، إذ سميت بوثيقة كوكو، نسبة لمملكة كوكو الأمازيغية، وهي الوثيقة التي أشارت إليها بعض الدراسات التاريخية في الجزائر، إذ يُمنع بموجبها تحويل الأراضي إلى ملّاك آخرين أو أشخاص أجانب على اعتبار أن الأراضي الفلاحية هي رأس المال أهل المنطقة.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا لا ترث المرأة الأمازيغية في الجزائر؟

ذكر أستاذ التاريخ محمد أرزقي فرّاد، في إحدى دراساته "واقع حرمان المرأة الجزائرية من الميراث، أن المسألة مرتبطة بمختلف المناطق التي تكثر فيها الزوايا، وذلك بـ"حكم الأعراف والتقاليد المتوارثة أبًا عن جدّ منذ قرون متواترة"، لافتًا بأنّ عديد المناطق الجزائرية، لجأت إلى عدم تزويج بناتها رجالًا من خارج العائلة، وهو ما يسيطر عليه منطق العروش (النظام القبلي) في عدّة مناطق جزائرية، من قناعات مردّها تلك الوثيقة التي ظهرت في سنة 1749، بحسب الباحث.

فتاوى الحرمان

حرمان المرأة من الميراث، يرجع إلى حادثة أشار إليها المؤرّخ فرّاد، نتج عنها إصدار فتوى دينية استمرّ توارثها لمدّة قرون. القصّة أبطالها بحّارة من الجيش العثماني، تمّ حجزهم في الأندلس لمدّة تجاوزت عشرين سنة، فتزوجت نساؤهم الجزائريات في فترة غيابهم، وتحوّلت أملاكهم إلى رجال آخرين، وعندما تمّ فكّ أسرهم ورجعوا إلى الجزائر، وقعت حرب أهلية بسبب تلك الأملاك، فلجأ أهل المنطقة إلى تحرير هذه الفتوى، حتى لا يذهب نصيب المرأة إلى زوجها الغريب، وحفاظًا على وحدة الأسرة والأرض، وعدم انتقالها للأجانب.

حرّرت وثيقة كوكو من طرف نبلاء وأعيان قرى المنطقة، في اجتماع بقرية لجمعة نسهاريج بولاية تيزي وزو شرقي البلاد، كما ذكر الباحث في علم الاجتماع الريفي الأستاذ جمال رحمون لـ" الترا جزائر"، مردفًا أنّ الاجتماع كان يضمّ الأعيان الذين يمثلون العرف وقتها، من قرية وصيف ومرابطي (بني بترون) وأعيان قبائل بني يني، وبني سيق، وبني وبعقاش، وبني بدران، وبحضور إمام مسجد تاحمامات، حيث كان الإمام يمثّل المرجعية الدينية للمنطقة، وأسفر الاجتماع عن جملة من القرارات من بينها حرمان المرأة من الميراث، وهو ما بقي متوارثًا لدى بعض العائلات حتى اليوم.  

الأرض وليس الميراث 

يظلّ ميراث المرأة في الجزائر، مسألة حسّاسة وتتضارب الآراء حولها، هنا، يقول الباحث في التاريخ المغاربي القديم الأستاذ أكسيل لحلو، "إنّه لا يمكن حصر هذه المسألة لدى القبائل، فقط بل هو شائع لدى كل سكان شمال إفريقيا في الشرق الجزائري وغربها وجنوبها، وحتى عند التوارق، بالإضافة إلى الدول المجاورة مثل المغرب وليبيا وتونس وحتى بعد مجئ الإسلام".

كما لفت الباحث إلى مسألة جوهرية، تتعلّق بالميراث الذي لا ينحصر حسبه في الأرض فقط، قائلًا إن الاجتماع المنعقد في قرية لجمعة نسهاريج، والذي أسفر عن عدم دخول الأرض في الميراث، وجعله ملكًا غير محسوب من التركة، "لا يمكن بناء على هذا القرار، الجزم بأن المرأة مقصيّة من الميراث، بل حرمانها من الأرض وفقط، أما الممتلكات الأخرى لها نصيبها منه كما هو في الشريعة الإسلامية".

وفيما يخصّ منطقة القبائل، شرح الباحث أنه "تمّ الاتفاق عرفيًا فقط بين أعيان المنطقة، بأن الأرض لا تدخل في الميراث، ومزال ذلك معمولًا به إلى يومنا هذا، ولكن بدرجة أقلّ بكثير، وذلك راجع إلى فقدان الأرض لقيمتها".

في مقابل ذلك، تختلف الآراء حول فكرة ميراث المرأة القبائلية، إذ يعتبر الناشط الحقوقي بلقاسم عمران، أنّ هناك اعتقادًا سائدًا مفاده أن المرأة القبائلية لا ترث وهذا برأيه غير صحيح، موضحًا أنّ المرأة القبائلية مكرّمة في بيت زوجها الذي لا يريدها أن ترث من أبيها، تفاديًا للمشاكل العائلية، وأضاف المتحدّث أن المرأة لا ترث الأرض خصوصًا إذا تزوّجّت من أجنبي، بينما لديها الحق في أن ترث الأشياء المادية الأخرى كالمال والذهب، على حدّ قوله.

تعدّ مسألة الميراث أحد القضايا التي لا زالت تُثير الجدل إلى اليوم، غير أنها ليست محصورة في منطقة القبائل كما هو شائع، وهو ما تذهب إليه الباحثة في علم الاجتماع الريفي نورية براهيمي، مؤكّدة أن لميراث ارتبط بمجتمع تقليدي، متشبّث بثقافة ذكورية، وتشير في حديث إلى "الترا جزائر"، إلى الظاهرة انتشرت في القرى والأرياف، حيث يكون تفضيل الذكور على الإناث، ومن ذلك يتحصّل الرجل على الحصّة الأكبر من التركة، على حدّ تعبيرها.

يذكر أنه بحر العام الماضي، نظّمت كليّة العلوم الإنسانية والاجتماعية،  بجامعة مولود معمري، بولاية تيزي وزو، الملتقى الوطني الأوّل حول "حرمان المرأة القبائلية من الميراث (1749) ما بين العرف والتشريع"، وتناول هذا الملتقى عدّة محاور في هذا الموضوع، منها أسباب حرمان نساء القبائل في نهاية النصف الأول من القرن الثامن عشر، وأثر هذا القانون على نفسية المرأة القبايلية.

تراجع العرف في المجتمع

في المخيال الجمعي، تحمل الأرض بحسب الأستاذة براهيمي رمزية عائلية واجتماعية في تقسيم الميراث، لهذا لازالت بعض المناطق متشبثة ببقاء الأرض لأصحابها في العائلة الواحدة والعرش الواحد. 

كما لازالت المرأة تُحرم من الميراث بسبب الأعراف التي توارثتها في المناطق التي تتمسّك بالزراعة والحصاد، مثلما يقول أمين بن عايشة من منطقة الحامة بولاية خنشلة في حديث إلى "الترا جزائر"، موضحًا بأن المرأة إن ورثت الأرض ستؤول لزوجها وأبنائها وهو أمرٌ معقد، لا زال يسيطر على بعض الذهنيات التي لازالت ترى في توريث الأرض لغير العائلة أمر"محظور وعار"، بينما تجاوزته بعض العائلات في عدّة مناطق، على حدّ قوله.

 تعجّ المحاكم الجزائرية بعشرات القضايا المتعلقة بالميراث التي تسببت في شتات العائلات

بعيدًا عن منطق العروشية والقبلية، اللافت أن بعض العائلات لجأت إلى تقسيم الإرث بـ" التفاهم العائلي" حتى لا تظلم المرأة ولا تذهب الأرض إلى لقب عائلي آخر، مع الحفاظ على تطبيق الشريعة الإسلامية، في المقابل تعجّ المحاكم الجزائرية بعشرات القضايا التي مزّقت العائلات، وشتت أفرادها بسبب الميراث، وحرمان المرأة من حقّ كفله لها الإسلام والقوانين الجزائرية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

شعر أمازيغ الجزائر.. ذاكرة الألم

الأمازيغية في الجزائر.. من جحيم النضال إلى جنة الدستور