24-ديسمبر-2021

كان حصاد الاقتصادي لسنة 2021 ثقيلًا على القدرة الشرائية للمواطن (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

ما تزال تداعيات الأزمة الصحية تلقي بانعكاساتها السلبية على الاقتصاد الجزائري، حيث أدى عدم استقرار أسعار النفط العالمية إلى تراجع الرصيد المالي وتدهور التوازنات المالية، مما تسبب في تآكل الاحتياط الصرفي في ظلّ استمرار انخفاض المعاملات الخارجية.

يعود العجز المسجل إلى الاعتماد على الخزينة  العمومية، في تمويل صندوق التقاعد الذي بلغ عجزًا قياسيا يقدر بـ 6 مليارات دولار

 في مقابل ذلك، ورغم المؤشرات الحمراء التي يعيشها الاقتصاد الجزائري، توقّع صندوق النقد الدولي في آخر تقرير له تعافٍ طفيف في الاقتصادي الوطني، مع تسجيل نمو ثدة ثلاثة بالمائة نهاية سنة 2021، مدعومًا بالزيادات الأخيرة في أسعار الغاز الطبيعي والمحروقات، فما هو حصاد عام 2021 الاقتصادي في الجزائر؟ وهل التطمينات الرسمية تعبّر عن فعلًا عما يحدث في الواقع وتشير له الأرقام والإحصائيات؟

اقرأ/ي أيضًا: قانون المالية التكميلي.. الحكومة في مواجهة عجز الموازنة

عجز في الموازنة لسنة 2021

عرفت الجزائر سنة 2021، عجزًا في الموازنة رغم تطمينات صندوق النقد الدولي الذي توقع تسجيل نسبة النمو بثلاثة بالمئة بعد تراجع حاد سنة 2020 المقدر بـ 4.9 بالمئة، إذ يؤكّد أحد المراقبين الاقتصاديين أن النسبة مرتبطة بارتفاع أسعار المحرقات في السوق العالمية، أما خارج نشاط المحروقات قما يزال النشاط الاقتصادي يعاني من حالة ركود.

ويعود الانكماش الاقتصادي إلى تَعطل قطاعات أساسية، أبرزها قطاعي البناء والأشغال العمومية، والمقاولاتية والقطاع السياحي والنقل، إضافة إلى عجز القطاع المصرفي والمالي في عصرنة خدماته، وفشله في أدائه أدورا تمويلية لصالح القطاعات الصناعية والخدماتية.

وفي ظل غياب أرقام رسمية ودقيقة، يٌسجل الخبراء تراجع الاستثمار الأجنبي في شتى المجالات بما فيها قطاع المحروقات، وهذا بسبب حالة الانكماش الاقتصاد العالمي وتفشي وباء كورنا، وانعدام بيئة استثمارية جذابة.

وانتقل عجز الخزينة العمومية إلى 3614.42 مليار دينار سنة 2021 مقابل 2954 مليار دينار في قانون المالية التكميلي لسنة 2020؛ ويعود العجز المسجل إلى الاعتماد على الخزينة  العمومية، في تمويل صندوق التقاعد الذي بلغ عجزًا قياسيا يقدر بستة مليارات دولار، وكذا تمويل نفقات التجهيز والتسيير والتحويلات الاجتماعية.

وأشارت تقارير إعلامية إلى تراجع العملة الصعبة واحتياط الصرف في الربع الأول من سنة 2021 إلى 42 مليار دولار، انخفاضًا من 60 مليار دولار من 2020.

في المقابل، أشارت وزارة المالية في السداسي الأول إلى تحسن في الوضعية المالية، مع تسجيل فائض في الميزان التجاري وتحسن أدائه،

وتعقيبًا على أرقام وزارة المالية، يرى مختصون في الشأن الاقتصادي بأن النتائج المُعلن عنها لا تعكس نجاعة اقتصادية أو تحسن في أداء القطاعات الاقتصادية، بل تَعود أساسا إلى تقليص في الواردات، جراء السياسة الحمائيةـ ومنع الاستيراد والضغوط الإدارية على التجارة الخارجية، وتخفيض فاتورة الاستيراد، مع تسجيل ارتفاع في أسعار الغاز الطبيعي والمحروقات التي بلغت متوسط 70 دولار، علما ان السعر المرجعي لقانون المالية 2021 كان في حدود 40 دولار.

  استمرار تراجع قيمة الدينار

وشهدت سنة 2021 تراجع العملة الجزائرية المحلية الدينار إلى مستويات غير مسبوقة، وقد توقع قانون المالية لسنة 2021 متوسط سعر الصرف بـ 142 دينارًا مقابل واحد دولار، وسجل سعر اليورو لدى البنك المركزي نحو 157.12 دينارًا للشراء و157.15 دينارًا للبيع، إذ يشار هنا إلى أن سعر الصرف وفق قانون المالية 2019-2020 حٌدد بـ 118 و123 دولار.

سبب انهيار الدينار

وحسب مختصين في الشأن الاقتصادي فإن استمرار انهيار الدينار مقابل العملات الأجنبيةـ سببه تراجع المداخيل بالعملة الصعبة الذي أثر في قيمة العملة المحلية، زيادة على هشاشة السوق النفطية والاعتماد على مداخيل المحروقات بأكثر من 93 بالمئة. ونتيجة تراجع قيمة الدينار، شَهدت أسعار المواد الغدائية والأكثر استهلاكًا ارتفاعًا فاحشًا، على غرار العدس والفاصوليا والحمص، واللحوم البيضاء والحمراء، كما ارتفعت أسعار الخضروات والزيوت المائدة ومختلف العجائن والاجبان ومشتقاتها.

وأرجعت الحكومة ارتفاع الأسعار والندرة في بعض المواد الاساسية إلى وجود مضاربة واحتكار من طرف  من وصفتهم باالعصابات، حيث قالت دوائر حكومية إن لها أهداف سياسية، وفي هذا الشأن، عمدت الحكومة إلى اصدار ترسانة تشريعية وقانونية لمحاربة المضاربة تصل أقصى عقوبة إلى 30 سنة سجنًا.

قانون المالية 2022 يثير ضجة

كما شهدت سنة 2021 مصادقة مجلس النواب على قانون المالية لسنة 2022 ،والذي فتح الباب أمام رفع الدعم عن المواد الاستهلاكية وتقليص التحويلات الاجتماعية، وتبلغ النفقات الاجتماعية حوالي 17 مليار دولار، وتحاول الحكومة إعادة النظر في الدعم الشامل واستهداف الفئات الفقيرة والهشة عبر استحداث جهاز الدعم الاجتماعي، إذ فتحت المادة 187 الباب أمام رفع الدعم على المواد الاستهلاكية مثل الزيت والسكر والحليب والخبز.

من جهته داعا مختصون إلى وضع رزنامة تدريجية يتم من خلالها ترشيد النفقات الاجتماعية، ووضع سياسية عقلانية في التحويلات الاجتماعية، إذ يشمل الدعم الاجتماعي الوقود، الكهرباء، الغاز، الماء، والسكن والصحة والتعليم بكل أطواره مجاني، لكن وزير الحكومة وزير المالية أيمن بن عبد الرحمان أكد أمام مجلس النواب، أنه لا تنازل أمام الطابع الاجتماعي للدولة، مشددًا على ضرورة أن يوجه الدعم إلى الفئات المحرومة والفقيرة.

تراجع القدرة الشرائية

وكان حصاد الاقتصادي لسنة 2021 ثقيلًا على القدرة الشرائية للمواطن، وسط تراجع قيمة الدينار وارتفاع نسبة التضخم التي وصلت إلى 3.9 بالمئة، وانعكاساتها السلبية على القدرة الشرائية أمام ارتفاع المواد الأساسية والغدائية، ورغم بعض الحلول كإعفاء على الضريبة على الدخل الاجمالي على فئات الدخل أقل من 30000 دج واقتراح منحة البطالة ضمن قانون المالية لسنة 2022، غير أن المواطن لا يزال يعاني أمام ارتفاع تكاليف المنتجات واسعة الاستهلاك.

وشهد السوق العمل تراجعًا بسبب جائحة كورونا وتعطل مشاريع استثمارية، ووسط الركود الاقتصادي ارتفعت نسبة البطالة أمام خريجي الطلبة الجامعيين ومعاهد التكوين وأصحاب الخبرات.

ارتفاع طفيف في التجارة الخارجية

ووفقًا لبيانات وزارة التجارة، فقد ارتفعت الصادرات خارج المحروقات خلال الثمانية الأشهر الأولى من سنة 2021 إلى ما يقارب ثلاثة مليارات دولار في مقابل 1.34 مليار دولار في نفس الفترة من السنة الماضية، وتعتبر الحكومة أن هذه الحصيلة إيجابية تمثل سياسة تنويع الاقتصاد الوطني والتحرر من التبعية للمحروقات، حيث تعمل على إعادة فتح وترقية المعابر الحدودية الجنوبية قصد تنشيط التجارة الخارجية نحو العمق الافريقي، وتهدف الحكومة إلى بلوغ 5 مليار دولار نهاية السنة.

في هذا السياق، توقعت شركة سوناطراك ارتفاع في العائدات التي ستبلغ نهاية سنة 2021 حوالي 30 إلى 33 مليار دولار، وبلغت إيرادات شركة سوناطراك 20 مليار دولار خلال سنة 2020.

واستطاعت الشركة النفطية الجزائرية من توقيع اتفاقيات جديدة لتصدير الغاز الجزائري إلى كل من إسبانيا وإيطاليا وارتفاع وارداتها إلى السوق الأوروبية بفعل ارتفاع الطالب العالمي.

كما أعلن مجمع سوناطراك البترولي، عن توقيعه ثلاثة عقود متعلقة بتطوير المشروع البتروكيمياوي لإنتاج البوليبروبيلان بمدينة جيهان التركية، وسط حضور لافت للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وشارك الرئيس المدير العام لمجمع سوناطراك، توفيق حكار، وفق بيان الشركة في مراسم التوقيع على العقد الأول المتعلق بإنجاز المشروع بكل مراحله من الدراسات الهندسية المفصلة، المشتريات، الانجاز وبدأ التشغيل، والعقد الثاني يرتبط بأشغال الصيانة الدورية للأجهزة و المعدات، أما العقد الثالث فهو لخدمات بيع و تسويق الإنتاج.

الرهان على الاحتياطات طاقوية

باشرت الحكومة خلال سنة 2021 إلى إعداد بطاقية خاصة تحدد الموارد الطاقوية والمعدنية غير التقليدية قصد الاستغلال والاستثمار، من بينها الذهب والفوسفات والنحاس والحديد، وتقرر فتح المجال أمام الاستثمار واستغلال منجم الحديد بمنطقة "غار جيبلات" بولاية تندوف، وكذا منجم "واد أميزور" بمنطقة بجاية، ومشروع الفوسفات بولاية تبسة.

في هذا السياق، أعدّت حكومة أيمن عبد الرحمان خلال سنة 2021 خطة لاستقطاب الأموال السوق الموازية وجذب الكتلة النقدية المودعة خارج البنوك، وقد سطرت في هذا الإطار الصيرفة الإسلامية بعد طرح تسعة منتجات مالية توافق النصوص الشريعة الإسلامية.

وتهدف الحكومة إلى استقطاب تحويلات الجالية الجزائرية بالخارج التي بلغت 1.7 مليار دولار سنويًا، وتَعدُ الحكومة خطة لإصلاح النظام المالي والمصرفي وتنشيط السوق المالية عبر تعزيز دور البورصة.  

ندوات وملتقيات اقتصادية

وعلى مدار سنة 2021 عقدت الحكومة عدّة اجتماعات وملتقيات لدراسة وبحث سبل النجاعة الاقتصادية، كالندوة الوطنية حول مخطط الإنعاش الاقتصادي، ولقاءات الوزارية المركزية مع الجماعات المحلية، وأخيرا ندوة الانعاش الصناعي، التي وجه فيها الرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون انتقادات إلى الجهاز الإداري البيروقراطي.

 فرضت جائحة كورونا وأثارها السلبية على الاقتصاد الجزائري، وانعكاساتها الاجتماعية الكارثية، خسائر كبيرة مست قطاعات صناعية وخدماتية كثيرة

وعلى العموم فرضت جائحة كورونا وأثارها السلبية على الاقتصاد الجزائري، وانعكاساتها الاجتماعية الكارثية، خسائر كبيرة مست قطاعات صناعية وخدماتية كثيرة، أفرزت حلولًا ظرفية وإقرار موازنات أكثر تقشفًا، رغم الإقرار أن سنة 2022 ستكون سنة اقتصادية محضة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ركود وتجميد لمشاريع قطاع الاتصالات.. الجيل الخامس في المزاد!

إلغاء قاعدة (49-51).. انفتاح اقتصادي أم مقايضة سياسية؟