24-يناير-2022

جانب من نشاطات حزب العمال الاشتراكي (الصورة: فيسبوك)

بدأت السّلطات الجزائرية في حملة "تطهير" للسّاحة السياسية من الأحزاب التي اعتُمدت منذ سنوات لتطهير الفضاء السياسي وليس لها نشاطات حزبية إلا في الاستحقاقات السياسية، ويطرح هذا الواقع سؤالًا مؤدّاه، هل حلّ الأحزاب هو تطهير الساحة السياسية الجزائرية من أحزاب يُطلق عليها متابعون للشأن السياسي في الجزائر بـ "أحزاب الختم"؟ أي أن هناك أحزابًا تمتلك فقط الختم لتوثيق الوثائق ولا تمتلك رؤية وبرنامج ومخطط واستراتيجية ولا قاعدة شعبية، إذ ليس لها أي نشاط ولم تتكيّف مع القانون.

عبد الله عبّاد: بعض الأحزاب أصبحت عبارة عن ّ ديكور يستعمل في المواعيد السياسية وهذا مؤشّر شاهدناه كثيرًا في الاستحقاقات الأخيرة التي شهدتها الجزائر

وجاءت هذه الخطوة منذ أيام عندما أصدر القضاء الجزائري قرارًا بتوقيف نشاط "الحزب الاشتراكي للعمال"، وذلك بقرار من الغرفة الاستعجالية لمجلس الدولة، عطفًا عن دعوى رفعتها وزارة الداخلية، إذ ينبع هذا القرار من وراء حجج رسمية أهمّها: "مخالفة الحزب لتشريعات التنظيمية للأحزاب، وعدم عقده لمؤتمره العام في الوقت المحدد قانونًا لتجديد قيادته".

اقرأ/ي أيضًا: مجلس الدولة يقرر وقف نشاط حزب العمال الاشتراكي وغلق مقراته

هذه الإفادات أو الأسباب الرسمية المقدّمة من القضاء الجزائري لم تمنع مسؤول الحزب من رفضه للقرار جملة وتفصيلًا، إذ اعتبر بيان الحزب بأنّ هذه الخطوة "سابقة خطيرة واعتداء على التعدّدية الحزبية والحرّيات الديمقراطية إذ هو قرار سياسي وقمع للممارسة السياسية: حسب المصدر.

وشدّد البيان نفسه، على أن "الحزب بكل مناضليه سيواصلون الكفاح في صفوف العمال وفي الأوساط الشعبية سيتواصل من أجل الحرّيات والعدالة الاجتماعية، وسنواصل كذلك كفاحنا العالمي والمعادي للرأسمالية ومن أجل الاشتراكية".

حلّ هذا الحزب ليس جديدًا في الجزائر، إذ وقبل أشهر فقط، تعرّض كلّ من حزب "الاتحاد من أجل الديمقراطية والحرّيات"، الذي ولد رسميًا في بدايات التعددية السياسية في الجزائر أي في العام 1989، وكذلك 1989، وحزب "جبهة الجزائريين الديمقراطيين" للحلّ، كما أقدمت وزارة الداخلية على حلّ جمعية تجمّع عمل شبيبة "راج" التي تأسّست عقب أحداث تشرين الثاني/أكتوبر، وهي الجمعية التي تشكّلت من مناضلين متشبّعين من توجهات جبهة القوى الاشتراكية، وتساند بالحرّيات، إذ كانت من الداعمين في الميدان لمختلف مسيرات الحراك الشعبي.

واللاّفت أنّ هناك سوابق تاريخية وفي سياقات أخرى، ونذكر بذلك حلّ حزب "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" لدواعي أمنية، عقب الأزمة السياسية والأمنية التي عرفتها الجزائر بسبب ما عرف في نهاية التسعينيات بـ "العشرية السوداء".

وبذلك فإنّ قرارات الوزارة الظاهر، يأتي لمنع أي نشاط للمناضلين في الأحزاب المعنية بالإغلاق، في أطر غير رسمية، بسبب عدم انسجامهما مع القانون المسير للأحزاب في الجزائر.

وفي هذا الإطار، يأتي قرار تعليق الحزب الاشتراكي للعمال عقب الحكم على رئيس الحركة الديمقراطية والاجتماعية فتحي غراس بالسجن بسنتين حبسًا نافذًا، اتصلت بتصريحاته السياسية عقب أحداث مسيرة الأمازيغ في حزيران/جوان 2001.

ونددّت الحركة بتعليق نشاطات حزب الاشتراكي للعمال معتبرة القرار وسيلة لـ "كسر الأحزاب السياسية وعمل المناضلين"، كما تجدر الإشارة إلى أن قرار توقيف نشاط الحزب يأتي أيضًا في سياق وضع رئيس "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" محسن بلعباس تحت الرقابة القضائية.

نشاط سياسي

ولعلّ من المناسب هنا العودة إلى التّضييق السياسي على بعض التّشكيلات السياسية في الجزائر، والعودة إلى فترة الضّباب السياسي في الميدان، كما يصفها الباحث في العلوم السياسية عبد الله عباد أن مثل هذه القرارات تدفع إلى تمييع النّشاط السياسي، وإبعاده عن الأطر الرّسمية والنّشاط في الظلّ أو في الظّلام على حدّ تعبيره.

وقال الأستاذ عباد في تصريح لـ "الترا جزائر" إن الأحزاب السياسية في الجزائر باتت تعيش ظرفًا صعبًا بسبب ما شهدته الجزائر خلال السنوات الأخيرة، خاصة مع الحراك الشعبي الذي قسّم التيارات الحزبية إلى مساندة ومعارضة للمسيرات الشعبية والحراك الاجتماعي، وهو ما ينفي عن الفِعل السياسي النشاط بين المواطنين واستقطاب المناضلين وتعزيز التواجد في مختلف الفعاليات والنشاطات والمواعيد السياسية.

ولفت الباحث إلى أن بعض الأحزاب أصبحت عبارة عن ّ ديكور يستعمل في المواعيد السياسية، وهذا مؤشّر شاهدناه كثيرًا في خضم الاستحقاقات الأخيرة التي شهدتها الجزائر، مشيرًا إلى أنها ظاهرة غير صحية للفعل الديمقراطيّ".

بين المؤسّسات والميدان

لا يمكن أن نعيب الوضع السياسي في البلاد إن سلّمنا بوجود ثلاث مستويات من الأحزاب السياسية، الأحزاب التي لديها مؤسّسات وفاعلة في الساحة وتنشط باستمرار، وأحزاب سواء أنشأت حديثا أو متواجدة منذ سنوات لديها إنجازات سياسية وتحاول إثبات حضورها، وهناك أحزاب توصف بـ"النائمة" لديها اعتماد كمؤسسة حزبية شكلا فقط، لكنها لا تنشط في الساحة ولا تشكل حضورا في المواعيد الكبرى.

بين الترف السياسي والأرقام، تعدّ وزارة الداخلية لجزائرية وجود 74 حزبًا سياسيًا معترفًا به، وهو ما يعتبره الأستاذ في العلم السياسية نور الدين بولحبال من جامعة الشلف غرب العاصمة الجزائرية عبارة عن كمّ هائل من الكيانات السياسية التي تشكلت بفعل التعديل الدستوري التي شهدته الجزائر عقب   ثورة الخامس أكتوبر/تشرين الثاني 1988، وانجر عنه فتح المجال السياسي للتعددية السياسية بقوانين دستورية أقرها دستور 1989.

ولفت الأستاذ بولحيال أن الحزب السياسي في الجزائر، بات اليوم يؤدّي أدوارًا محدودة، منها ما نشاهده في الانتخابات كموعد سياسي يجذب إليه الواجهات السياسية الناشطة والفاعلة في الساحة بكل كوادرها ومناضليها، ويجذب أيضًا الأحزاب التي تنعت بـ "الصغيرة" لتشارك في الانتخابات ولو في مستوى أقلّ نوعًا وكمًا.

وتفسير الأستاذ لـ "الترا جزائر" يفيد بأن عدد المنتمين للأحزاب السياسية انحصر مقارنة مع بدايات التعددية، في موازاة مع ضعف العمل الحزبي، وتموجاته بين الارتفاع والانخفاض حسب المنظومة السياسية المديرة للسّلطة.

وفي هذا الإطار، تتّجه الجزائر نحو تقويض الأحزاب ودورها في السّاحة خصوصًا تلك التي أطلت برأيها خلال الحراك الشعبي وانحازت لخيار التغيير، وأبدت موقفها المساند للمسيرات الشعبية، إذ نلمح ذلك بمجرد انتهاء فترة المواعيد السياسية الكبرى كالانتخابات التي عرفتها الجزائر منذ الانتخابات، وهو برأي متابعين مؤشّر سيء للممارسة الحزبية والديمقراطية في آن واحد.

ويرى الناشط السياسي عن حزب جبهة التحرير الوطني، سيد أحمد بورنان، أن وجود الأحزاب في الجزائر أدى إلى خلق المنافسة في المواعيد السياسية، بينما الأحزاب التي لا مكان لها فعليًا في الساحة فهي قضت على كينونتها.

وأضاف بورنان في تصريح لــ" الترا جزائر" أن حلّ الأحزاب نابع من قرارات سياسية ترى أن مشكلاتها قانونية بحتة ولا علاقة له بتكميم الأفواه وحرية الممارسة السياسية وحرية التعبير عن الرأي، حسب تعبيره.

 الجزائر دخلت مرحلة الجفاف الحزبي رغم الكم اللافت من حيث عدد الأحزاب الناشطة في الساحة

ركود سياسي

إن كانت من وظائف الأحزاب السياسية الممارسة الفعلية في الميدانية وكواجهة من واجهات الديمقراطية في البلاد، وتأطير المشاركة السياسية في مختلف المواعيد وتوجيه وانتقاد السياسات العامة، والردّ على القضايا الخلافية والمبادرة المجتمعية، فإن الجزائر دخلت مرحلة الجفاف الحزبي رغم الكم اللافت من حيث عدد الأحزاب الناشطة في الساحة، بسبب تخندق أغلب الأحزاب وراء الانتخابات والمشاركة من أجل إيجاد مكان لها في الوظائف الإدارية سواء على مستوى البرلمان أو المجالس المحلية ( البلدية والولائية)، بينما القليل من الأحزاب ظلت فاعلة في الساحة وبمؤسّسات ومناضلين وتقدم مواقف على حسب موقعها القاعدي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أحزاب تتضامن مع حزب العمال الاشتراكي بعد قرار الداخلية

منظمات حقوقية وشخصيات تشكو تزايد تدهور حالة الحريات في بداية 2022