ينبش الكاتب والصحفي الجزائري رفيق موهوب، في إحدى أهم الفترات التي ترتبط بتاريخ الجزائر، ألا وهي الحقبة العثمانية (1518-1830)، من خلال أول رواية له وسمها بـ "منام ميت"، صدرت حديثًا عن دار "ماستر" للنشر.
رفيق موهوب: فرنسا عملت بكل وسائلها الأكاديمية والإعلامية والسياسية على تشويه الفترة العثمانية لتبرير احتلال الجزائر
في حوار مع " الترا جزائر" يتحدث موهوب عن هذا العمل وقصة علي غسّال الموتى علي بن محمد الذي أصبح حاكمًا للجزائر في الفترة ما بين 1808 و1809،وما ارتبط بتلك الفترة من إشكالات وتحوّلات قبيل الاحتلال الفرنسي للجزائر عام 1830.
- "منام ميت" أول رواية لك، ماذا تحكي؟
رواية "منام ميت"، تبدأ فصولها بمنام مفزع لرجل من العامة يرى نفسه جالسًا في قصر الداي متربعًا على عرش مملكة، لينتهي منامه بمقتله، ويتحقق هذا الكابوس ليجد بطل القصة نفسه وبعد رحلة غريبة يعيش هذا الحلم بكل تفاصيله.
رجل نكرة من العامة يجد نفسه صدفة غسّالًا لجثث الموتى من الطبقة الحاكمةوحاشيتهم، ثم تلعب سخرية الأقدار دورها، لتقذف به فوق عرش مملكة الجزائر دايا على أقوى مملكة في جنوب البحر المتوسط، ويحكم البلاد أربعة أشهر فقط، ثم يقطع رأسه بعد انقلاب عليه.
- في أي زمن تحديدًا تدور قصة غسّال الموتى؟
كانت هذه الأحداث في نهاية العهد العثماني من نهاية سنة 1808 وبداية 1809، وهي الفترة التي عرفت تحولات إقليمية كبيرة تجلت في سطوة اليهود خاصّة الإخوة بوشناق على تجارة البلاد، وبدأت فرنسا خلالها في إرسال جواسيسها للاستطلاع، والتحضير لاحتلال الجزائر.
- ما هو دافعك الأساسي الذي جعلك تختار وتتناول موضوع تاريخي يتعلق بالحقبة العثمانية التي تزخر بأحداث كثيرة؟
الدافع الأساسي للكتابة في الحقبة العثمانية أنني خريج معهد التاريخ بجامعة الجزائر ومولع بكل ما هو تاريخي، كما أن الفترة العثمانية مظلومة في الجزائر، لا يوجد كتب أو روايات أو أفلام تناولت تلك الحقبة، مع أنها فترة طويلة من تاريخ الجزائر دامت ثلاثة قرون، رغم أن الجزائر في العهد العثماني كانت قوة بحرية كبيرة وكانت تتحكم بشكلٍ كلي في البحر الأبيض المتوسط والملاحة التجارية، فقد كانت تحصّل الضرائب على كل السفن المارة عبره،ووصل الأسطول الجزائري إلى الدانمارك، كما فرضت على الولايات المتحدة الأميركية كتابة معاهدة صلح باللغة العربية في عهد ابن الجزائر الرايس حميدو.
فصول مضيئة من تاريخ الجزائر سطرتها أيادي الجزائريين والأتراك، وقليل من يعلم أن عرش مملكة الجزائر لم يكن دومًا ملكًا للأتراك بل تقلده جزائريون أشهرهم الداي الحاج محمد أعراب.
- تقول إّن الحقبة العثمانية مهمشة ومظلومة، برأيك ما هي أسباب هذا التهميش كما تصفه، ومن هم وراءه؟
ما أتأسف له حقًا وهو أن المنظومة التربوية لا تعطي حيزًا لائقًا لتلك الفترة في مناهجها، وتمر عليها مرور الكرام مما يطرح تساؤلات كبيرة حول الغرض من تهميش ثلاثة قرون من تاريخ الجزائر وعدم ترسيخها في وعي المواطن كفترة مرّت بها الجزائر كباقي الفترات التاريخية، كما لا ننسى أن الأرشيف الخاص بتلك الفترة لا يزال لدى فرنسا بعد استيلائها عليه خلال فترة الاحتلال. وفرنسا عملت بكل وسائلها الأكاديمية والإعلامية والسياسية على تشويه تلك الفترة لتبريرها احتلال الجزائر بحجة أنها جاءت لجلب الحضارة لشعب متخلف ومضطهد، في عصر كانت القصبة الجزائرية تحوي الحمامات والعيون ومياه الشرب، وكذا شبكات صرف المياه، بينما كانت شوارع باريس رمزًا للقذارة.
ولكن كل هذا لا يجب أن يعمينا عن الحقيقة الكاملة ويمنعنا عن تأدية الأمانة التاريخية التي تقتضي أن نعترف أيضا بأنها لم تكن كلها حقبة جميلة مليئة بالشرف والرخاء والحرية والعدالة، بل كانت الفترة كغيرها من الفترات تتخللها نقاط مظلمة وأخرى مضيئة.
- كيف قدمت شخصية علي الغسّال في الرواية، باعتبار أنّ مصادر تاريخية تتحدث أنّ فترة حكم علي الغسّال اتسمت بالفوضى واللاعدالة؟
شخصية علي الغسال شخصية مثيرة للجدل، والمصادر التاريخية لم تتناولها بكثير من التفصيل، ربما لاعتبارات سياسية وشح المصادر، وذلك بفعل جدلية التأريخ والذاكرة، التي تجعل المجتمع يتناسى بعض الفصول التاريخية المخزية والتي يعمل السياسيون على طمسها في الذاكرة المجتمعية، إما عبر الدعاية المضادة أو الإكراه، علي الغسال فصل من تلك الفصول في تاريخ الجزائر العثماني، حاولت طرحها للقارئ دون كثير من التشويه التاريخي أو التزويق الفني والبقاء حياديًا أثناء طرح الحدث التاريخي، حتى لا اتهم بمحاكمة فترة من الفترات عبر روايتي وأترك للقارئ الحكم واتخاذ الموقف الذي يراه صائبًا.
- بعد صدور الرواية، كيف كانت ردود الفعل حولها في الوسطين الإعلامي والثقافي؟
تناولت العديد من الجرائد والمواقع الإلكترونية في الجزائر، عرض "منام ميت"، واعتبرت الرواية إضافة في المشهد الأدبي الجزائري وضوء مسلط على العهد العثماني بالجزائر، الذي لا يزال يثير كثيرًا من الأسئلة ويحوز اهتمامًا متزايدًا من طرف قراء التاريخ والمنشغلين به، كما تم تم الحديث عنها في الصحافة الخليجية، وحتى في الصين، أذكر على سبيل المثال لا الحصر موقع "المشهد الصيني".
- هل أردت من خلال "منام ميت" التأريخ لحقبة مهمّة من تاريخ الجزائر وهي العهد العثماني أم أن الرواية تحمل رسائل أخرى؟
لا يمكن للرواية أن تؤرّخ ولكنها تعرض تاريخًا في شكل جمالي يساعد على ترسيخ بعض عناصر الموروث في القارئ، ويساهم في تكوين هوية ثقافية معينة، تناولت في الرواية الأجواء الاحتفالية وبعض الجوانب المهرجانية التي كانت تقام في القصبة الجزائرية وخاصة في المواسم الدينية وذكرت بعضا من الصور الاجتماعية اليومية والمعتقدات المختلطة بجوانب فلكلورية ككرامات الأولياء والخرافات، حاولت إعطاء صورة للإنسان في تلك الحقبة، علاوة على تسليط الضوء على بعض التفاصيل من تلك المرحلة، مثل كيفية بروز جزائري كقائد للبحر وهو الرايس حميدو ابن القصبة الذي فرض على أميركا كتابة معاهدة الصلح باللغة العربية.
رفيق موهوب: الأرشيف الخاص بالفترة العثمانية لا يزال لدى فرنسا بعد استيلائها عليه خلال فترة الاحتلال
كما تناولت الرواية استقلالية قرار الدولة الجزائرية، وعلاقاتها الرمزية بالباب العالي، وكيف كانت الجزائر بقوتها البحرية سند مهم للدولة العثمانية، وحاولت كذلك إبراز مساهمة اليهود (يهود الجزائر) في احتلال الجزائر من خلال مساعدتهم لفرنسا في رسم خريطة كاملة عن البلد وتسهيل احتلالها.