05-نوفمبر-2019

الكاتب محمد ساري (فيسبوك/الترا جزائر)

يحضر الكاتب محمد ساري، في معرض الجزائر الدولي للكتاب هذه السنة، في عملٍ مشتركٍ صادرٍ عن دار الشهاب، أسهم فيه بقصّة قصيرة باللغة الفرنسية بعنوان "إيمدغاسن وقصص سريّة"، تتناول مسار أحد مؤسّسي القبائل الأمازيغية في الجزائر.

محمد ساري: "الشباب اليوم يطمح إلى النجومية، والارتقاء الثقافي، وحضور التظاهرات"

يتحدّث ساري في حوار جمعه مع "الترا جزائر"، عن التعدّد اللغوي للإصدارات الجزائرية، وانفتاح الجيل الجديد من الكتاب على كتابة الرواية، والسياسة الثقافية والحركة النقدية في الجزائر.

اقرأ/ي أيضًا: حوار | مسعودة لعريط: خروج المرأة إلى الشارع عزّز دلالات الحِراك 

يعتقد الكاتب أن اللغة الفرنسية واقعٌ لا بدّ منه، نظرًا لاعتبارات تاريخية وبيداغوجية. يتأسّف من تباطؤ الحركة النقدية في مواكبة جديد الكتّاب، وتخندق الأكاديميين في الجامعة، ويعتبر أن اهتمام الجيل الجديد بالرواية ظاهرة صحيّة.

  • ما جديد محمد ساري في هذا السنة الأدبية؟

كتبت قصّة قصيرة باللغة الفرنسية ضمن كتاب مشترك، جمع بعض الكتاب والمؤلّفين بعنوان "إيمدغاسن وقصص سرّية"، وهي مبادرة من دار الشهاب. الكتاب يفتح صفحات عن أحد أعلام الأمازيغ، يسمى إمدغاسن، حيث يعتبره ابن خلدون مؤسّس القبائل الأمازيغية، ككتامة، وصنهاجة، وزناتة.

 استلهمت القصّة من ضريح كليوباترا سيليني، وهي قصّة حبّ جمعت بين يوبا الثاني و كليوباترا، كان هذا مدخلًا إلى قصّة أخرى، لفتاة عاشت طوال حياتها بجانب الضريح، لتهتمّ بأبعاد هذا المعلم التاريخي، فصوله، وحكايته وأسراره، ونبضات الدولة القيصرية التي انطلقت منه.

إضافة إلى هذا، أعدت نشر رواية "الغيث"، التي صدرت في نسختها باللغة العربية في 2007، وتُرجمت إلى اللغة الفرنسية فيما بعد. هذه السنة عُدت إلى النسخة العربية، وأدخلت عليها تعديلات، وأضفت لها سبعة فصول، وهي الطبعة المنقّحة والنهائية المكتملة.

  • محمد ساري من بين الكتاب الذي يكتبون باللغة العربية واللغة الفرنسية، ما هي جغرافية المقروئية في الجزائر، أو ما هي التوجّهات اللغوية الأكثر حضورًا في المشهد الثقافي؟

مؤخّرًا قدّمت محاضرة بعنوان "التعدّد اللغوي في الإبداع والمجتمع"، أوضحت خلال الندوة، العناصر الإيجابية في التعددية اللغوية. لا بدّ من الإقرار أنّ التعدّد اللغوي في الجزائر قائم لا مفرّ منه، فما بين المرحلة الاستعمارية ومطلع الاستقلال، كان هناك كتّاب جزائريون ينشرون أعمالهم باللغة الفرنسية، أمثال كاتب ياسين، محمد ديب، آسيا جبار، مالك حدد وغيرهم، كما كان هناك كتّاب باللغة العربية، من أمثال الطاهر وطار، عبد الحميد بن هدوقة، جيلالي خلاص، مفدي زكريا وآخرون.

 فكلّما كان عندنا إبداع وإنتاج أدبي، كان هناك جمهور أكبر وأسع، وهي إضافة نوعية وكمية للمشهد الأدبي. وبعيدًا عن الاعتبارات التاريخية المرتبطة بالاستعمار، فاللغة الفرنسية واقعٌ لا مفرّ منه، شخصيًا التحقت بالمدرسة الجزائرية بعد الاستقلال، ودرست، وتعلمت باللغة الفرنسية، وفي بداية السبعينات مع حملة التعريب، بدأ اهتمامنا بالأدب العربي، وساهمنا بالكتابة باللغة العربية، وأنا أتأرجح في كتاباتي بين اللغة العربية أحيانًا، واللغة الفرنسية.

  • يختار الجيل الجديد اليوم التوجّه إلى كتابة الرواية مقارنة بإصدارات الشعر والمسرح والقصّة القصيرة، أولًا هل هي ظاهرة صحيّة، ثانيًا ما هي دوافع التعلق بهذا الصنف الأدبي؟

 أولًا الكتابة هي دائمًا ظاهرة صحيّة، ولا يُمكن أن تكون الكتابة ظاهرة سلبية، فالناس يكتبون ويبدعون، ويضع هذا الإبداع لمسة على صالون الكتاب، فالكاتب مسرورٌ بإبداعه، والقارئ سعيد باقتناء المؤلّفات ولقائه مع كاتبه، فكلّ كتابة هي لحظة إبداعية جملية، علينا تشجيعها وتثمينها، وهي إضافة إلى الأدب والثقافة، وبوسع الكتابة الشبابية اليوم، توسيع المقروئية خارج الحقل الأكاديمي والجامعي.

أمّا عن حضور الرواية بقوّة، وجب الإشارة إلى أنّه فترة السبعينات، انتشرت كتابة القصّة القصيرة بقوة، نتيجة وجود ملاحق أدبية في الصحف الوطنية، كجريدة النصر والشعب، ومجالات أدبية متخصّصة مثل مجلّة "آمال"، بينما كانت كتابة الرواية شبه منعدمة؛ فأوّل رواية باللغة العربية،"رياح الجنوب" لبن هدوقة صدرت في سنة 1971، إلى جانب بعض أعمال الروائي طاهر وطار، وبحكم انتشار التعليم، وتطوّر وسائل النشر الحديثة والعصرية، انتشرت كتابة الرواية، فالكتاب الآن صار يُصنع في ساعتين بكميّة مقبولة، بينما كان يتطلّب في السابق سنة أو سنتين لصدوره.

 زيادة على ما قلته، الشباب اليوم يطمح إلى النجومية، والارتقاء الثقافي، وحضور التظاهرات، ساعد على هذا، حضوره في مواقع التواصل الاجتماعي، وفي الأخير ورغم تحفظات البعض، فكلّ إبداع وكتابة مرحّب بها ولا بدّ من تشجيعها.

  • يشتكي بعض الكتّاب من القطيعة بين النقد الأدبي والإنتاج الروائي، ما رأيك؟

صحيح هي ظاهرة موجودة للأسف، هناك ضعفٌ كبير في مواكبة النقد للإبداع، مقارنة بالحجم الهائل من الإصدارات في الشعر والرواية، لا توجد حركية نقدية تواكب النشاط الإبداعي. أعتقد أن الأساتذة الجامعيون تخندقوا في الجامعة. هناك اهتمام بالرسائل الجامعية والبحوث المتخصّصة، أو الدراسات النخبوية، لهذا من الصعب أن تعرف ما هو الجيّد من الأعمال، وما هو دون المتوسّط والضعيف، لكن هذا أيضًا يعود إلى غياب الملاحق الثقافية المتخصّصة في الصحافة الوطنية، وهو دور الإعلام الثقافي في تقييم الأعمال، ومتابعتها تقديمًا ونقدًا، فهناك كمٌ هائل من الإصدارات، لا يُمكن للأستاذ الجامعي لوحده تناولها.

  • لا يوجد في الجزائر احتفاء بالدخول الأدبية، على غرار ما هو معمول به في دول العالم، في رأيكم لماذا يغيب عنّا هذا التقليد العالمي؟

من الصعب الإجابة على هذا السؤال، هناك تداخلٌ بين كثير من الأسباب، فالدولة الجزائرية منذ الاستقلال، انشغلت بتوفير الصحّة، والسكن، والتعليم. المجتمع تطور، اليوم هو بحاجة إلى احتياجات ثقافية وفنيّة، هناك غياب لسياسة ثقافية، تواكب هذا التطوّر المجتمعي، وتستجيب لحاجياته.

كما أنّ المسؤولية الثقافية، لا تقع على عاتق الدولة فقط، فالمؤسّسات الخاصّة، ورجال الأعمال، عليهم المساهمة في تأسيس آليات دفع الفعل الثقافي، عبر إصدار لجوائز أدبية مشجّعة، كما هو معمول في دول العالم، فجائزة نوبل أو كونكورد، تابعة لمؤسّسات خاصّة. لكننا نحتاج إلى بيئة متكاملة، تتداخل فيها قطاعات متعدّدة تهتم بالإبداع والمبدعين.

  • ما هو واقع المقروئية اليوم في الجزائر ومستقبله؟

إذا اعتمدنا على الجمهور الذي يزور معرض الكتاب في كلّ سنة، نستطيع القول إنّه معيارٌ نحتكم إليه لمعرفة الاهتمام بالكتاب، ومؤشرٌ يعطي تصورًا حقيقيًا عن حجم المقروئية المتزايد في الجزائر، زيادة على ذلك، هناك نسبة تمدرس عالية، تصل اليوم إلى 99 في المائة، أغلبهم يمرّ إلى الطور النهائي، وكلّ هذا يرشّح تعميم فعل القراءة، ضف على ذلك، الرقمنة والعصرنة، التي تشجّع وتسهّل على القراءة.

محمد ساري: "هناك ضعفٌ كبير في مواكبة النقد للإبداع، مقارنة بالحجم الهائل من الإصدارات في الدواوين الشعر والرواية"

  • في الأخير ما هي مشاريع محمد ساري؟

أنا أشتغل على رواية جديدة، ستكون حاضرة خلال معرض الكتاب القادم بحول الله .

 

اقرأ/ي أيضًا:

حوار | الهادي بوذيب: العقل الجزائري تشكّل في سياق المقاومة ورفض الإذلال

حوار| سمير بلكفيف: الحراك الجزائري خلق فرصة لاستعمال العقل السياسي بشجاعة