30-يونيو-2021

خلال لقاء جمع المنتخب الفرنسي مع نظيره السويسري (Getty)

بالإضافة إلى الشّغف بجماليات الكرة الأوروبيّة؛ فإنّ توقيت بطولة اليورو المتزامن مع العطلة الصّيفيّة، خاصّة أنّ مواعيد المقابلات مسائيّة، ساهم في رفع نسب المشاهدة في الأوساط الجزائريّة. وهذا ما يفسّر ظاهرة المشاهدة الجماعيّة في المقاهي والسّاحات العامّة من خلال الشّاشات العملاقة.

لم تخلُ معظم حسابات الفسابكة الجزائريّين من إبداء التّشفّي من فرنسا التّي غادرت بطولة أمم أوروبّا لصالح إسبانيا

وكانت المقابلة التّي جمعت الفريق الفرنسيّ بنظيره السويسري؛ الإثنين، ضمن تصفيات ثمن النّهائيّ للدّورة السّادسة عشر من بطولة أمم أوربّا، وأسفرت عن خروج فرنسا من المنافسة، أكثرَ المقابلات استقطابًا للعيون الجزائريّة.

اقرأ/ي أيضًا: رسميًا.. مباريات بطولة كرة القدم بدون جمهور بسبب كورونا

ففي السّاحة المحاذية لدار الثّقافة في مدينة برج بوعريريج، 200 كيلومتر إلى الشّرق من الجزائر العاصمة، حيث توجد شاشة عملاقة وضعت خصّصيًا لمتابعة بطولة اليورو، تزاحم المئات أطفالًا وشبابًا وكهولًا وشيوخًا لمشاهدة مقابلة الفريق السّويسري ضدّ فريق الدّيكة.

وكانت بضع دقائق، قبل أن يعلن الحكم الأرجنتيني أندريس راباليني عن انطلاق المقابلة التّي احتضنها ملعب ناشونال أرينا في بوخاريست، كافيةً لإدراك أنّ هوى الأغلبيّة يميل نحو تشجيع الفريق السويسريّ؛ ثمّ تأكّد ذلك بتسجيل الهدف السويسريّ الأوّل من طرف اللّاعب هاريس سيفيروفيتش في الدّقيقة الخامسة عشر؛ حيث تعالت الهتافات وكثر العناق وتوافدت أعداد إضافيّة من المشاهدين على السّاحة.

ولم يحظَ الفريق الفرنسيّ بشيئ من الهتاف والتّصفيق إلّا خلال الدّقيقتين 57 و59 حين سجّل كريم بن زيمة هدفين في شباك الحارس يان سومير بالنّظر إلى كونه من أصول جزائريّة. وبلغ الحماس أوجَّهُ لصالح الفريق السويسريّ الذّي لم يتجاوز الدّور ثمن النّهائيّ في بطولة أمم أوروبّا منذ عام 1954، خلال الضّربات التّرجيحيّة التّي أملاها التّعادل بعد الشّوط الإضافيّ الثّاني. ثلاثة أهداف مقابل ثلاثة.

في المرّات الخمس التّي تمكّن فيها السويسريّون من اختراق شباك الحارس الفرنسيّ هوغو لوريس، انفجر المشاهدون في ساحة دار الثّقافة التّي تحمل اسم الرّئيس محمّد بوضياف (يومًا فقط قبل ذكرى اغتياله) بالهتاف والتّصفيق، في مقابل صمت وشعور بالخيبة واضحين في المرّات الأربع التّي سجّل فيها الفرنسيّون؛ بل إنّ هناك من أطلق شتائم بذيئة على مسجّلي تلك الأهداف، في مقابل أدعية طريفة لصالح الحارس السويسري من قبيل "الله يزوجك".

سألنا الشّاب أصيل (23 عامًا) عن خلفية حماسه لصالح السويسريّين؛ رغم تواضع فريقهم تاريخيًّا أمام الفريق الفرنسيّ المتوّج بكأس العالم عام 1998، فقال إنّه لم ينتصر للفنّيات في هذه المقابلة بالذّات، "سأفعل ذلك في المقابلة التّي ستجمع السويسريّين مع الإسبان في الدّور ربع النّهائيّ، بل انتصرت للسّياسة. فرنسا أضرّت بالجزائر بالأمس وهي تضرّ بها اليوم وستفعل ذلك غدًا، ولا يمكن أن تحظى بدعمي في مبارياتها الكرويّة".

من جهته أجاب صديق له عن سؤال "لماذا تحلم بالتّمكّن من الهجرة إلى فرنسا، بينما تحقد عليها في مواعيدها الرّياضيّة"، بالقول إنّ وجود الجزائريّين في فرنسا ليس مزيّة منها؛ "معظم ما تنعم به من خيرات اليوم هو ثمرة لما نهبته منّا قبل وبعد الاستقلال. فلتعد لنا خيراتنا وسوف لن تجد جزائريًّا واحدًا فوق أراضيها".

ويقرأ الكاتب والمترجم محمّد بوطغان هذه النّزعة لدى قطاع واسع من الجزائريّين في إطار الذّاكرة المفخّخة بين الدّولتين؛ "فهي لم تُصفَّ بالشّكل الكافي والمطلوب. وما دام هذا لم يحصل؛ فإنّ الجزائريّين سوف يستمرّون في النّظر إلى فرنسا على أنّها ليست عدوّة الأمس فقط، بل هي عدوّة اليوم والغد أيضًا.

الأكثر من هذا أنّ الجزائريّين المقيمين داخل التّراب الفرنسيّ خرجوا للاحتفال بفوز فرقهم في الجزائر، مثل فريق برج منايل وفريق شبيبة القبائل. وقبلها الفريق الوطنيّ. وهو مؤشّر على عمق الانتماء إلى السّرديّة الوطنيّة الجزائريّة والولاء لها؛ بما يشكّل قنبلة داخل الحاضر والمستقبل الفرنسيّين".

وعوضًا عن نضال اليمين الفرنسيّ ضدّ التّواجد الجزائريّ في الفضاء الفرنسيّ، يقول محدّث "الترا جزائر"، عليه أن يطالب سلطات بلاده بإنصاف الذّاكرة التّاريخيّة لصالح الجزائريّين، حتّى يُنزع فتيل الحقد والبغضاء؛ إذ لا ينبغي أن ينسوا كون الجيل الجديد هو حفيد مئات الآلاف من الشّهداء الذّين قتلتهم فرنسا.

بينما ربط النّاشط محمّد بتقة انتصار الجزائريّين بمن فيهم بعض الحاملين لجنسيتها للفريق السويسري وكانوا سيفعلون ذلك مع أيّ فريق أوروبيّ آخر، بما أسماه خيبتهم في وعود عرّابي جزائر ما بعد بوتفليقة بقطع دابر فرنسا؛ "إذ أظهرت الأحداث والأحاديث أنّ المصالح الفرنسيّة لم تفقد امتيازاتها؛ فتعاملوا رمزيًًا مع الفريق السويسريّ على أنّه ناب عن مسؤوليهم الجزائريّين في قطع دابر فرنسا".

فيسبوكيًّا لم تخلُ معظم حسابات الفسابكة الجزائريّين من إبداء التّشفّي من فرنسا التّي غادرت بطولة أمم أوروبّا لصالح إسبانيا، حتّى أنّ غير المتابع للسّياق يجد نفسه يتساءل عن خلفيّة الأمر، مثلما حصل مع الإعلاميّة زهيّة منصر التّي كتبت: "نصف الشّعب الجزائريّ يتشفّى في فرنسا! ما الذّي حدث؟".

وكتب الإعلاميّ فيصل شيباني ساخرًا: "على مدار التّاريخ نحن واقفون مع سويسرا. وإذا لم تصدّقوني اسألوا صديقي فلانًا".

من جهته علّق النّاشط سمير سامي: "الذي لم يشاهد هذه المباراةة بين فرانسا وسويسرا بكلّ صراحة مكانه المطبخ. هرمون سعادة بطعم آخر". وورد في تدوينة للباحث حميد زنّاز المقيم في فرنسا أنّ النّكتة الفرنسيّة تتناول السويسريّ بصفته كائنًا غبيًّا ومضحكًا؛ بينما بدأ الفرنسيّون يرقصون قبل أن تنتهي المقابلة! حين لا تستطيع أن تحافظ على هدفين لعشر دقائق فأنت لا تُضاهى في الغباء".

هل ستستغلّ السّلطة القائمة الأمر للمضيّ في خلق مسافة حقيقيّة سياسيًّا واقتصاديًّا بينها وبين الإليزيه؟

وأمام تأكّد تشنّج الجزائريّين تجاه الفرنسيّين؛ هل ستستغلّ السّلطة القائمة الأمر للمضيّ في خلق مسافة حقيقيّة سياسيًّا واقتصاديًّا بينها وبين الإليزيه؛ أم ستستند مرّة أخرى على هذا التّشنّج الشّعبيّ للإيهام بأنّ هناك خلافًا بين البلدين، حتّى تكسب تعاطفًا من طرف الشّارع، في ظلّ المقاطعة الشّعبيّة المتتالية الصّارخة لمواعيدها الانتخابيّة؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

كورونا.. نكسة الفيروس تنتقل إلى كرة القدم وبلماضي في حرج

أنصار النوادي الجزائرية.. من الميادين إلى مواقع التواصل الاجتماعي