يشهد السباق الانتخابي في الجزائر حضور المرشّح عبد القادر بن قرينة رئيس حركة البناء الوطني المحسوب على التيّار الإسلامي، إذ يُعتبر أحد القيادات السابقة لحركة مجتمع السلم، قبل أن تُصبح تحت مسمّى "حركة مجتمع السلم" المعروفة اختصارًا بـ "حمس"، بعد إقرار دستور 1996. كان عضوًا في المجلس الوطني الانتقالي الذي تأسّس كبرلمان مؤقّت عام 1994، فضلًا عن تقلّده منصب وزير السياحة بين سنتي 1997 و1999.
انشق عبد القادر بن قرينة عن حركة مجتمع السلم "حمس" وأسّس مع مجموعة من القيادات جبهة التغيير
في العام 2008، انشق بن قرينة عن حركة مجتمع السلم "حمس"، وأسّس مع مجموعة من القيادات جبهة التغيير، ثم انشق مجدّدًا ليؤسس حركة البناء الوطني عام 2013، وقاد تجربة وحدة سياسية لم تنجح مع حركة النهضة وجبهة العدالة والتنمية.
اقرأ/ي أيضًا: أحزاب الجزائر تبحث عن شبابها
ترشّح بن قرينة للانتخابات الرئاسية في مناسبتين (18 نسيان/أفريل و4 تموز/جويلية) قبل إلغائهما، ليكون المحسوب الوحيد على الإسلاميين للمرّة الثالثة في الاستحقاقات الرئاسية؛ لكن اللافت أنه رغم ذلك، لا يحظى بإجماع التيّارات الإسلامية في البلاد.
هنا، يعتبر عمار بن يوب، الباحث في العلوم السياسية والمهتم بشأن التيارات الإسلامية، أن بن قرينة لا يلقى الإجماع داخل العائلة التي ترعرع فيها؛ بسبب خلافاته السياسية مع باقي القوى الإسلامية بما فيها الحزبين اللذين يرتبط معهما بمشروع وحدة واندماج سياسي، موضحًا أن المرشّح للرئاسة "شكّل مع حركة النهضة وجبهة العدالة والتنمية كتلة نيابية، غير أنهما لم يدعماه في هذه الانتخابات".
الحياد أو المساندة
بعيدًا عن مرشّح الإسلاميين في الجزائر، توزّعت القوى الإسلامية بين دعمها لمرشّحين آخرين أو التزام الحياد في الاستحقاق الرئاسي المقبل، إذ قرّرت حركة النهضة التي يقودها يزيد بن عائشة، عدم مساندة أيّ مرشّح للرئاسيات بعد أن كانت قريبة من دعم رئيس الحكومة السابق علي بن فليس، حيث حضر بن عائشة، حفل إطلاق بن فليس لبرنامجه الانتخابي، بينما اختارت جبهة الجزائر الجديدة، التي يقودها جمال بن عبد السلام، دعم رئيس الحكومة السابق للرئاسيات.
ويفسّر الباحث بن يوب، حصول مرشّح الرئاسيات علي بن فليس على دعم الحزب الإسلامي جبهة الجزائر الجديدة، بأنّه إشارة واضحة لـ" ديمقراطية هذه الأحزاب في اختيار مرشّحيها لمنصب رئيس الجمهورية"، لافتًا إلى أن "حزب بن قرينة فقد الكثير من داعميه من عائلته السياسية بسبب اتساع الهوّة فيما بينهم، إذ بقيت العلاقات مبنية على مواقف سياسية فرّقت العائلة وشتّت قوّتها في الساحة السياسية الجزائرية"، وهذه المواقف بحسب المتحدّث من شأنها أن "تعطي صورة حقيقية عن ضعف التيّار في لم شمله حول مرشّح واحد، وعدم قُدرته على تقديم مرشّح يستطيع أن يفوز بوعاء انتخابي كبير"، على حدّ قوله.
في مقابل ذلك، اختارت حركة الإصلاح الوطني التي كانت تدعم الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة إلى غاية الساعات الأخيرة من حكمه، أن تدعم المرشح الرئاسي ورئيس الحكومة السابق عبد المجيد تبون، إذ التقى رئيس حركة الإصلاح فيلالي غويني بالمرشّح تبون، ليقدّم له قرار الحزب بدعمه في انتخابات كانون الأوّل/ديسمبر المقبل، وهو ما يفسّر مرة أخرى، أن الإسلاميين باتوا منقسمين على عدّة طروحات وخيارات سياسية متباينة.
موقف منحاز
على خلاف الموقفين السابقين، اختارت حركة مجتمع السلم "حمس"، أقوى جناح في التيار الإسلامي النأي بنفسها عن السباق الانتخابي برمّته، ورفضت دعم المرشّح الأقرب لتوجّهاتها عبد القادر بن قرينة، رغم أن الأخير كان أحد قياداتها السّابقة.
هنا، يرى الناشط السياسي مصطفى دحو، أن الخلافات السياسية بين الجانبين أعمق من الواجهة السياسية التي تسوّقها الحركتان، موضّحًا لـ "الترا جزائر" أن الانتخابات الرئاسية هي من سيضع كلّ هذه الأحزاب التي وُلدت من رحم التيّار الإسلامي أمام في واجهة الأحداث مجدّدًا، حيث لم تقدم "حمس" الدعم لبن قرينة بناءً على آخر قرار لمجلس شورى الحركة القاضي "بعدم الدفع بمنافس في الاستحقاقات وعدم مقاطعة الانتخابات كعملية سياسية حاسمة لإخراج البلاد نحو تركيز مؤسّسة شرعية هي رئاسة الجمهورية"، مردفًا بالقول من الضروري إجراء الانتخابات، والحركة معنية بسيرورة هذه العملية، على حدّ قوله.
في هذا السياق، لم يحظ المرشح الإسلامي بن قرينة بدعم جبهة العدالة والتنمية التي يقودها عبد الله جاب الله، والتي أعلنت عن موقف رافض للانتخابات في الظروف والترتيبات الحالية دون وجود توافقات وطنية، على الرغم من أن حركة البناء التي يقودها بن قرينة، ترتبط بميثاق وحدة اندماجية مع جبهة العدالة وتشكّل معها كتلة نيابية مشتركة منذ تموز/جويلية 2017.
المصلحة العليا للوطن؟
الكتلة الرابعة من الإسلاميين، تمثلها الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة، والتي لم تعلن عن موقفها من دعم أي مرشّح، وانقسمت قياداتها بين رافضين لخيار الانتخابات جملة وتفصيلًا مثل القيادي أحمد الزاوي الذي اعتبرها "مسرحية سياسية"، وبين من يدعم خيار إجراء الانتخابات الرئاسية باعتبارها أقل كُلفة بالنسبة للبلد، وفق ما يعتقده الشيخ علي جدي القيادي السابق لحزب "الفيس" المُحل، والمنضوي اليوم في إطار ما يسمى سياسي "تكتل أنصار المشروع الوطني" ، إذ يعتبر جدي، أنّ إجراء الانتخابات في موعدها المحدّد "هو ما تقتضيه المصلحة الوطنية العليا للبلاد".
يبدو أن خيارات الإسلاميين تشتّتت أمام هذه الأحداث والظروف السياسية الراهنة وتواصل مسيرات الحراك
يبدو أن خيارات الإسلاميين تشتّتت أمام هذه الأحداث والظروف السياسية الراهنة، مع استمرار مسيرات الحراك الشعبي يومي الجمعة والثلاثاء، جعلت هذا الطيف السياسي أمام خيارات ضئيلة من حيث المنفعة السياسية، إذ لا تُنكر قيادات من مختلف الأحزاب ذات الخلفية الإسلامية أن "مغامرة" الالتفاف حول مرشّح واحد غير محسوبة العواقب، بينما يتعفّف البعض الآخر عن لعب دور "لجنة مساندة"، بعيدًا عن برنامج ومخطط تسيير البلاد لمرحلة ما بعد الرئاسيات القادمة.
اقرأ/ي أيضًا: