09-يناير-2019

رحل هواري منار عن عمر 35 عامًا (مواقع التواصل الاجتماعي)

كان اكتساح أغنية "الرّاي" للشّارع الجزائري مطلع ثمانينات القرن الـ20، موقفًا شبابيًّا من التكلّس والشّعاراتية الجوفاء، اللّذين وقع فيهما الفنّ والسّياسة معًا، ورغبة من ذلك الشّارع في الانفتاح على الحياة والارتباط بمفرداتها.

كان اكتساح فن الرّاي للشّارع الجزائري في ثمانينات القرن الـ20، موقفًا شبابيًّا من التكلّس والشّعاراتية الجوفاء اللذين وقع فيهما الفن والسّياسة معًا

وفي البداية رفضت المنابر الرّسمية فنّ الرّاي، جملة وتفصيلًا. فبقيت السّهرات اللّيلية في الهوامش المختلفة مجاله الحيويّ، ثمّ فرض نفسه فرضًا، فبات قسمين في نظر تلك المنابر: قسم تعتبره "راي نظيف" وتسمح لنجومه بالظّهور في المهرجانات والقنوات المختلفة، و"راي وسخ"، تمّ التّعتيم على نجومه، فهم مثل الأنهار العمياء، التّي تسري تحت الأرض بقوّة، ويتفوّق عدد محبّيهم ومتابعيهم على عدد محبّي ومتابعي ما يمكن أن نسمّيه "الرّاي الرّسمي".

اقرأ/ي أيضًا: الشاب يزيد.. ربع قرن من الغناء للمرأة في عيدها

هواري ملهى المنار

يأتي الشّاب هوّاري منار، نسبة إلى ملهى المنار الذي كان يغنّي فيه في مدينة وهران، الحضن الأوّل لانتشار أغنية الرّاي في الغرب الجزائري؛ في طليعة شباب الرّاي المغضوب عليهم، بالنّظر إلى جرأته في الكلمات والحركات، حتّى أنّه أعلن عن مثليته، وكان عشيقه هو محور أغانيه.

ورغم هذا التّوجّه المرفوض في الفضاء الجزائري، إلا أن هوّاري منار، استطاع أن يكتسح بأغانيه قطاعًا واسعًا من الشّباب، ويجعلها تدخل حتّى إلى الأعراس. فمن جهة هو مرفوض ومن جهة هو مسموع ومطلوب، في معادلة تجسّد سلطة القناع، الذي بات يتحكّم في سلوك الشّارع الجزائري.

وكانت ولادة هوّاري منار في مدينة وهران، نهاية عام 1981، متزامنة مع بداية إعلان فنّ الرّاي عن نفسه في الفضاء الجزائري، في ظلّ التحوّل السّياسي، الذي ارتبط برحيل الرّئيس هوّاري بومدين عام 1978.

ولم تمض إلا سنوات قليلة حتّى ظهر الشّاب خالد والشّاب مامي في أشهر برنامج موسيقي تلفزيوني وهو "ألحان وشباب". وإذا استطاع خالد ومامي وغيرهما كثير، أن يسيطروا على الشّاشة، فإنّ هوّاري منار مُنع منها، ولم يسجّل إلا فيديو كليب واحد هو "موجوع قلبي".

شغل الجزائريين حيًا وميتًا

فجأة رحل هوّاري المنار، أول أمس الإثنين، في مصحّة خاصّة بالجزائر العاصمة، أثناء إجراء عملية تجميلية لشفط الدّهون بسبب جرعة زائدة من المخدّر، بحسب ما تناقلته مصادر متطابقة.

تداول خبر وفاته على نطاق واسع عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، حتى كاد أن يغطي على غيره من الأخبار. شغل هواري منار الجزائريين حيًّا وميّتًا، وأعاد إلى الواجهة شغف قطاع منهم بتصنيف الموتى في الجنّة والنّار، انطلاقًا من المظاهر، فأثار ذلك حفيظة قطاع آخر معتبرين "هيمنة هذه الرّوح على الشّارع الجزائري أخطر من الإرهاب نفسه لأنها الغدّة التّي تفرزه".

يقول النّاشط ماسينيسا قبايلي لـ"ألترا صوت"، إنّ نسبة كبيرة من الجزائريين "باتت تحكم على النّاس مكان الخالق، فكأنّهم يتواصلون معه مباشرة ويحصلون منه على مصير الرّاحلين". وأضاف: "إنها التّربة الخصبة لثقافة التّكفير. وعلينا أن ننتبه إلى خطورة هذا المعطى".

وبنبرة ساخرة، لخّص الكاتب علي مغازي الوضع فيما يشبه القصّة القصيرة جدًّا، قائلًا: "بعد أن مات هواري منار رحمه الله سأل أحدهم: هل سيتم إرساله إلى النّار أم إلى الجنّة؟ أجاب الشّعب بصوت واحد: طبعًا إلى النّار. إلى النّار؟ من قال لكم؟. لدينا مصادر موثوقة!".

ونشر الكاتب والبرلماني محمّد كاديك: "تعلّمنا أنّ الميْت يستاهل الرحمة، والذين علّمونا هذه الفضيلة لم يحدّدوا للميْت أصلًا ولا عرقًا ولا لونًا ولا مهنة ولا حزبًا، وإنّما قصدوا الإنسان في وجوده المحض؛ ولهذا نعتبر أن الترحّم واحد من تجليّات الإنسانية التي تجذّرت فينا".

ويعتقد محمّد كاديك أنّ التشفّي في الآخرين "حالة مرضية نفسية، تجعل صاحبها يكره من حوله ويتمنّى لهم الدّمار"، مستطردًا: "وتصل به ـفي أثناء تعقيداتهاـ إلى كراهية نفسه، فيضيع عليه واجب عليكم أنفسكم حين يتمادى في تقييم من يرغب في تدميرهم؛ وهذه حالة ثقافية مغروسة في الملاحم العربية التي تكرّر لازمة عجّل بروحه إلى النّار، ولا علاقة لها بما يرسّخ الإيمان في القلوب".

من جهتها طالبت الإعلامية فايزة مصطفى، السّلطات بمتابعة المركز الصحّي الذي سرّب صورة هواري منار وهو في حالة احتضار. وقالت: "المركز الطبّي الذي يقوم بتصوير مريض مات بسبب خطأ طبّي ثم يقوم بنشر هذه الصّور من دون إذن من عائلة الميت، يستحق الغلق وتقديم العاملين فيه إلى القضاء لارتكابهم جريمتين". وفي السّياق نفسه طالب الإعلامي محمّد فاروق طوالبية بتشريع يجرّم مثل هذه التصرّفات.

وأبدى الرّوائي الشّاب سيف الدّين بن النّعجة، في حديث لـ"ألترا صوت" اندهاشه من "واقع يحاكم مواطنًا مات، عوض أن يحاكم مستشفى تسبّب في موته بإعطائه جرعة زائدة".

شغل هواري منار الجزائريين حيًا وميتًا، وأعاد للواجهة شغف قطاع منهم بتصنيف الموتى وإطلاق الأحكام عليهم، انطلاقًا من المظاهر

وقال: "يا له من شعب يليق به الوضع السّياسي والاقتصادي والاجتماعي، الذي بات يحكمه فيه كرسي متحرّك، ولا يتجاوز فيه الأجر القاعدي ما يكفي لسدّ الرّمق خلال أسبوع"، مختتمًا حديثه بقوله: "من أراد أن يخاف الخالق، فلا يختطف دوره في الحكم على الخلق".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

بلاوي الهوّاري.. الأغنية الوهرانية تفقد عرّابها

راقصون جزائريون.. المشي على الجمر