17-أكتوبر-2017

فرض رشيد نكاز نفسه على الساحة السياسية الجزائرية عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)

مريض بلباس المستشفى، وقبل دقائق من إجراء عملية جراحية، داخل الرواق المؤدي لغرفة العمليات، يحمل هاتفه ويخبر متابعيه بذلك عبر بث مباشر على فيسبوك. هكذا يفعل رجل الأعمال والسياسي الجزائري رشيد نكاز، يقوم بتصوير وتسجيل كل تفاصيل يومه مشاركًا إياها مع متابعيه. يحيط كل تحركاته بهالة إعلامية، صانعًا جدلًا واسعا في كل خرجاته.

في البداية عُرف رشيد نكاز كمدافع عن حقوق المنقبات في فرنسا، قبل أن يبدأ بتسويق نفسه كمعارض جزائري عبر مواقع التواصل الاجتماعي

أمّا سبب بثه المباشر هذه المرة، فهي ضربة تلقاها في أنفه من طرف صهر الأمين العام للحزب الحاكم في الجزائري، عمار سعيداني، بعد أن وقف رشيد نكاز أمام منزل في باريس، وبدأ في تسجيل فيديو من هناك، قائلًا للجزائريين: "بأموالكم يشتري المسؤولون هنا شققًا فخمة في أعرق أحياء باريس". لقد صار معتادًا أن يقف رشيد نكاز أمام ممتلكات المسؤولين الجزائريين في بعض دول أوروبا ويفضح فسادهم، كأنه يحارب بـ"عصا سيلفي".

اقرأ/ي أيضًا: أحزاب الجزائر تبحث عن شبابها

بدايات التعارف بين رشيد نكاز والجزائريين

بداية مسلسل الجزائريين مع هذا الرجل الظاهرة، تعود لأيام رئاسيات 2014، حيث قدم رشيد نكاز نفسه مرشحًا حرًا. كان مجهولًا، ورآه دخيلًا على المشهد السياسي الجزائري، وهو الذي سبق له الترشح لمناصب سياسية في فرنسا، خاصة أنه يمتلك الجنسيتين.

كان رشيد نكاز يُلقب في فرنسا بـ"محامي المنقبات"، إذ كان يتطوع بدفع الغرامات التي كانت تفرضها فرنسا على النساء اللواتي يرتدين نقابًا، فرشيد نكاز رجل أعمال ثري كون ثروة من تجارة العقارات، وتحول بسرعة البرق إلى رجل ذي طموح ومشروع سياسي.

 وقد نجح بدرجة كبيرة في تسويق نفسه بطريقة يعتبرها الجميع ذكية، فاكتسب شهرته في فرنسا بمشروعه "احترام الضواحي" الذي كان موجهًا لأبناء المغتربين في الأحياء المهمشة، ومن هناك بدأت مسيرته السياسية، ليكون صوتًا مسموعًا للمطحونين في عاصمة الجن والملائكة، قدم ملف ترشحه للانتخابات الرئاسية في فرنسا عام 2007، لكنه فشل في جمع التوقيعات اللازمة، ليترشح بعدها للانتخابات التشريعية لكنه لم يحصد النجاح الذي كان يتوقعه أيضًا.

ترشح نكاز في رئاسيات فرنسا عام 2007 كأول مرشح عربي، لكنه لم ينجح، ثم ترشح لتشريعيات فرنسا نفس العام ولم ينجح أيضًا

أيقن ابن مدينة عين مران بمحافظة الشلف غربي الجزائر العاصمة، أن حظه سيئ في فرنسا، أو ربما هكذا تسير الأمور. فدخل للجزائر وأعلن ترشحه لرئاسيات 2014. اكتشف الجزائريون فجأة مرشحًا خارج الأسماء المعهودة؛ رجلًا وسيمًا بشعر طويل ولكنة فرنسية، يكاد ينطق بعض الكلمات باللغة العربية، وتقابلهم صور نشاطاته أينما ولوا وجوههم في الشبكة العنكبوتية، فيلتقط صورًا مع الفلاحين والخضارين والصيادين وسائقي التاكسي، ويجلس مع الشباب داخل المقاهي ويبادلهم الحديث حول انشغالاتهم.

اقرأ/ي أيضًا: كيف تؤثر "السوشيال ميديا" في الانتخابات الفرنسية؟ 

وفي ظرف قصير، صار رشيد نكاز مادة دسمة للجرائد وضيفًا قارًا في عديد المحطات والبرامج التلفزيونية. لقد كان رشيد نكاز بمثابة اللغز، إذ صنع ظهوره تناقضًا آنذاك في الشارع الجزائري، بين مرحب باسم جديد قد يأتي بمشروع مقنع، وآخر متوجس من رجل "غريب الأطوار"، ترشح لرئاسة فرنسا من قبل ويريد رئاسة الجزائر الآن. لقد سكب الكثير من الحبر حوله آنذاك.

ولا يمكن للجزائريين نسيان تلك الحادثة الشهيرة التي اتهم فيها رشيد نكاز النظام الجزائري بسرقة استمارات توقيعاته، التي جمعها تحسبًا لدفع ملف ترشحه للرئاسيات لدى المجلس الدستوري. كعادته بث فيديو مباشر، يتكلم فيه عن خطة دبرت ضده من أجل منعه من الترشح. 

البعض يظن أن رشيد نكاز لم يفلح في جمع التوقيعات اللازمة فجنح لاستعمال الدراما و"الأكشن"، من أجل كسب التعاطف من طرف محبيه الذين كثر عددهم، فالرجل الذي تنازل عن جنسيته الفرنسية، وبدأ في تعلم اللهجة الجزائرية، وعد الشباب بالإلغاء التام للخدمة الوطنية واستبدالها بجيش احترافي، كما وعد بإنشاء صندوق للعائلات المعوزة تستفيد منه كل عائلة من حوالي 100 دولار شهريًا. لقد كان قربه من الطبقة الشعبية طريقًا معبّدًا لكسب التأييد.

وأطلق حزبه السياسي "حركة الشباب والتغيير"، ولم يتلق اعتمادًا وترخيصًا بالنشاط من وزارة الداخلية لحد الآن. كان رد رشيد نكاز على ما حدث مميزًا أيضًا، إذ انطلق في مسيرة من ولاية خنشلة إلى الجزائر العاصمة، بمسافة 655 كيلومتر، من أجل "التغيير السلمي" في الجزائر.

نجح رشيد نكاز في فرض نفسه كظاهرة في الوسط السياسي الجزائري، كما أقحم ممارسات جديدة في القاموس السياسي الجزائري؛ ناشط سياسي ابتعد عن الطرح الكلاسيكي المتمثل في التجمعات الحزبية والحشد بلغة الخشب، وانتقل إلى ممارسة السياسة بالقرب من المواطنين والشباب، واللقاء بهم في الأحياء.

فيما يرى البعض أن نكاز نجح فيما فشل فيه سياسيون مخضرمون، يرى آخرون أنه ليس إلا شعبويًا يمارس "التهريج السياسي" 

كما كسب رشيد نكاز محبين ومتابعين عن طريق تواجده اليومي والمكثف في مواقع التواصل الاجتماعي، وهو شيء يحسده عليه بعض السياسيين المخضرمين الذين عجزوا عن كسب حب الجماهير، رغم تواجدهم من قبله في المشهد السياسي، فيما يرى البعض أن رشيد نكاز "شعبوي"، وما يمارسه لا يعدو أن يكون "تهريجًا سياسيًا" وإثارة لزوابع داخل فناجين فارغة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 نعيمة صالح.. الواجهة السياسية الصاعدة في الجزائر

أحمد أويحيى.. رجل المد والجذر و"المهمات القذرة"