03-مايو-2021

في أحد أسواق الجزائر العاصمة (تصوير: بلال بن سالم/ أ.ف.ب)

رغم عودة الشعائر الدينية كصلاة التراويح وتمديد فترات الحجر الصحّي مقارنة بالعام الماضي، اختلفت أجواء رمضان هذه السنة عن سابقتها، فحركة التجارة في الأسواق والمحالات والشوارع تشهد تراجعًا نسبيًا مقارنة بالأعوام السابقة، حيث أن تداعيات أزمة كورونا لا تزال تلقي انعكست على الوضع الاجتماعي للسنة الثانية، زيادة على الارتفاع الحاد للأسعار، وهي عوامل تسببت في  تراجع الاستهلاك العائلي.
بولنوار: الارتفاع المسجّل في سعر الخضر والفواكه والمواد الأساسية يعود إلى زيادة الطلب ونقص مساحات العرض والأسواق الجواريية
تراجع النشاط التجاري
 في سياق الموضوع يقول الحاج لخضر، تاجر جملة في سوق المواد الغدائية ببلدية جسر قسنطينة (السمار سابقًا)، إنّ حركة البيع والشراء هذه السنة تراجعت بشكل ملحوظ، موضّحًا أن مقارنة بالسنة الماضية رغم وباء كورونا إلا أن حركة التجارة لم تنعكس بشكلٍ سلبيٍّ كما هو خاصل اليوم.  
يُشير المتحدّث أنّ المواد الأساسية المرتبطة بعادات وتقاليد الجزائريين في شهر رمضان متوفّرة سواءً المحلية منها لو المستوردة، مستثنيًا مادة الزيت التي تعود إلى قرار تسقيف السعر وسوء التوزيع، بحسب أقواله، وبحكم تداول نشاط بيع المواد الأساسية، أكّد المتحدّث على تراجع معدّل استهلك العائلات الجزائرية خلال شهر هذا الشهر.
هنا، يعلّق الحاج لخضر، أن الكثير من التجار اضطر إلى كراء غرف التبريد كي يتمّ تخزين بعض المواد القابلة للتلف كمادة الزبيب والفواكه الجافة، وكشف محدثنا أن ارتفاع الأسعار قد ساهمت في تراجع استهلاك العائلي إلا أن الغلاء لا يفسر لوحده سبب تراجع النشاط التجاري. 
 ويشهد سوق الجملة للمواد الغدائية بالسمار ديناميكية خاصّة في شهر رمضان، لكن هذه السنة وقفت "التر جزائر" عن تراجع حركية الشاحنات والسيارات في واحد من أكبر أسواق الجملة في الجزائر.

 

أسعار مرتفعة 
وفي جولة قبيل أذان المغرب بالحي الشعبي باب الواد، حيث يشهد محل الحلويات التقليدية لصاحبه المعروف بـ "الحاج حميد" إقبالًا محتشمًا من طرف الزبائن، مقارنة بالأعوام السابقة خلال رمضان.
ويَعدُ محل الحاج حميد من أقدم المحلات المختصّة في صنع الحلويات التقليدية وخاصّة "قلب اللوز"، هنا، يقول الشاب دحمان، أحد قاطني الحي العتيق باب الواد أن محل "الحاج حميد" في السابق كان يشهد طوابير طويلة  وتسابقًا من أجل شراء حلويات "قلب اللوز"، مضيفًا أن الإقبال المتوسط على المحل يقع وسط أكبر الاحياء شعبية في رمضان يعود إلى سبب تداعيات فيروس كورونا والتراجع المحسوس للقدرة الشرائية. ويعتقد دحمان أن العديد من التجار، وحتى بائعي الأسواق الموازية تضرّرت بسبب انخفاض القدرة الشرائية وتقليص العائلات من المشتريات.
من جهته، كشف الطاهر بولنوار، رئيس الجمعية الوطنية للتجارة والحرفيين، أن الارتفاع المسجّل في سعر الخضر والفواكه والمواد الأساسية يعود إلى زيادة الطلب ونقص مساحات العرض والأسواق الجواريية، متوقعًا أن تشهد الأسعار انخفاضًا تدريجيًا خلال الأيّام المقبلة. 
وبخصوص الخضروات والفواكه التي شهدت ارتفاعًا جنونيًا في الأسعار قال كمال رزيق وزير التجارة، إن أسباب زيادة الاسعار تعود إلى سقوط الأمطار، مضيفًا أن الأسعار المرتفعة تنطبق على المنتجات غير الموسمية، معتبرًا ذلك أمرًا منطقيًا. أما باقي المواد فأرجع سبب ارتفاع أسعارها إلى ارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية وارتفاع تكاليف الشحن وانخفاض قيمة الدينار، على حد قوله.
الركود الاقتصادي
في المقابل يقول سليمان ناصر، الخبير الاقتصادي في تصريح لـ "التر جزائر"، إن أسباب تراجع الاستهلاك الأسري يعود بدرجة الأولى إلى الغلاء و تراجع القدرة الشرائية للمواطن، رافضًا فكرة ترشيد الاستهلاك التي دعت إليها السلطات قائلًا: إنّ "ترشيد الاستهلاك بات أمرًا مكرهًا وليس اختيارًا للمواطن"، وأوضح في السياق، أن الأسباب تعود إلى الركود الاقتصادي التي تعيشها البلاد.

يرى سليمان ناصر، أن الركود الاقتصادي جاء نتيجة تراكمات الأحداث السياسية التي عرفتها الجزائر في 2019، إضافة على مضاعفات أزمة كورنا التي شلت اقتصاديات العالم بنحو 80 في المائة، مشيرًا أنّ  الكثير من أرباب العائلات فقدا مناصب عمله، الكثير من المؤسّسات تعمل بطاقة 50 في المائة وهي أسباب عملت على تراجع الاستهلاك المحلي.

ويتوقع محدثنا أن حالة الركود وانعكاساتها السلبية لن تتعافى إلا بعد سنة أو سنتين على أقل تقدير.
سليمان ناصر: أن الركود الاقتصادي جاء نتيجة تراكمات الأحداث السياسية التي عرفتها الجزائر في 2019
ولمواجهة الارتفاع الحاد في الأسعار تسعى الحكومة إلى اتخاذ إجراءات بيروقراطية بدل الذهاب إلى حلول جذرية، تعمل على وضع تخطيط سنوي يعزز الإطار التنظيمي لأسواق ويقوي شبكات التوزيع، والمساهمة الفعالة في مكافحة الاحتكار والمضاربة في السلع والمواد الأساسية.