25-أكتوبر-2022

كان حصاد الاقتصادي لسنة 2021 ثقيلًا على القدرة الشرائية للمواطن (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

أمام ارتفاع التكلفة المعيشية وتراجع القدرة الشرائية باتت العائلات الجزائرية تتصيد فرص وعروض ترويج السلع الاستهلاكية المنخفضة الأسعار، وقد تنتقل إلى مسافات بعيدة قصد الحصول على بعض الحاجيات الغذائية أو الملابس بأسعار زهيدة.

الظروف الاجتماعية المرهقةدفعت إلى انتشار محلات العروض الترويجية للمواد الغذائية الأساسية

توجُه بعض العائلات إلى هذا النوع من التسوق لا يعني أنها في تحت خط الفقر، ولكن هناك تكيف مع الأوضاع المعيشية الصعبة والبحث عن سبل الحصول على الاحتياجات الأساسية بأفضل الأسعار.

ظاهرة "زوالي شوب"  

في السياق، دفعت الظروف الاجتماعية المرهقة للأسرة الجزائرية إلى انتشار ظاهرة محلات العروض الترويجية للمواد الغذائية الأساسية بأسعار رخيصة، على غرار محل "باب الواد برومو" "زوالي شوب" و(dépôts des promos)، وعلى عكس باقي المساحات التجارية الكبرى، لا تعرض تلك المحالات منتجات استهلاكية أوروبية أو تركية ثانوية كالحلويات أو الشوكولاتة بل منتجات ضرورية كالبقوليات والأجبان والحاجيات الغذائية .

هنا، تقول سيدة في عقد الأربعينات، تنقلت من وسط العاصمة إلى محل مسمى "زوالي شوب" الواقع في شارع طرابلس بحسين داي، منذ فترة أتابع عروض ترويجية يُنشطها باعة المحل عبر شبكة التواصل الاجتماعي، وأضافت أن التبضع من المحل يسمح لها أن تقتني بعض المواد بأسعار منخفضة، وتستفيد أيضًا من بعض العروض الترويجية كالحصول على منتوج مجانًا في حالة شراء اثنين من السلعة نفسها.

وذكرت أن في المحل هكذا، يمكن اقتناء عدد لا بائس به من أنواع منتوج الياغورت، فالوحدة تباع هنا بـ10 دج بينما في باقي المحلات سعرها بـ25 دج، مع أن تاريخ نهاية الاستهلاك ما يزال صالحًا لأسبوعين.

وأفادت محدثنا أنه أمام الوضع الذي يزداد غلاء، أصبحت الرواتب الشهرية غير كافية لتغطية النفقات العائلية، كاشفًا أنها رفقة زميلات لها في العمل لم يعدن قادرات على تحمل الأسعار المعروضة في السوبر ماركت، وأمسين ينقلن معلومات عن أهم محلات تُروج وتُعرض فيه تخفيضات لأسعار غذائية أساسية، أو صفقات جيدة، حسب تعبيرها.

التكيف مع الظروف

في السياق ذاته، قال أحد الباعة في حديث لـ “التر جزائر" إنهم يعرضون سلع ومنتجات بأسعار منخفضة، موضّحًا أن السلع المعروضة تتضمن البقوليات والأجبان والمواد الغذائية الأساسية ومواد التنظيف المنزلية.

وقال إننا نعرض السلع بأسعار زهيدة، وأقل ثمن مقارنة بمحلات سوبر ماركت، وهذا من أجل جلب مزيد من الزبائن، والاستجابة إلى طلبات شريحة واسعة من المجتمع، التي باتت تبحث عن منتجات أقل سعرًا.

يعتبر البائع، أنه أمام تزايد ارتفاع الأسعار وتراجع النشاط الاستهلاكي والتجاري نعمل على تقليص هامش الربح والبيع أحيانًا بأسعار الجملة.

وبخصوص طبيعة الزبائن التي تتوافد على المحل، أفاد المتحدث أن غالبيتهم من الطبقة المتوسطة وعائلات ذات دخل ضعيف ومتوسط وأصحاب المعاشات، وأضاف أن العنصر النسوي يشكلن أكثر زبائن المحل، لأنهن حسب اعتقاد البائع أكثر ترشيدًا لاستهلاك الأسري، ودراية بحاجيات البيت ومستلزمات العائلة.

الفقر النسبي  

في السياق ذاته، يروج الخطاب الرسمي جملة عدم وجود حالات يموت فيها الناس فيها جوعًا، هذا يقود خبراء إلى الحديث عن انتشار الفقر النسبي وليس المعمم، وتفاوت متساويات العيش والفجوة المتواجدة بين المجتمع الواحد، فالجزائر تصنف من بين الدول ذات الدخل الفردي المنخفض والمقدر بـ4255 دولار سنويًا أي في حدود 250-350 دولار شهريًا، فالأستاذ المتقاعد في الطور الابتدائي يتقاضى راتبا شهريًا في حدود 31 ألف دينار، أما أستاذ بالطور المتوسط يتقاضى أجرًا شهريًا في حدود 33 ألف دينار، ويحصل أستاذ بالطور الثانوي ما يقارب 36 ألف دينار.

أما الرواتب في القطاع الصحي فإن راتب ممرض ممتاز للصحة العمومية في حدود 43 ألف دينار، وراتب طبيب عام ابتداء من 45 ألف دينار، وراتب بيولوجية للصحة العمومية 36 ألف دينار، أما راتب عون رعاية الأطفال للصحة العمومية 30 ألف دينار، وراتب ممرض عام ابتداءً من 32 ألف دج.

يُشار أن القطاع التربوي والصحي من بين أهم القطاعات التي تشكل مخزونا هائلا من السوق العمل، ويُوظف القطاعان عددًا هامًا من خريجي المعاهد والجامعات من مختلف التخصصات سنويًا.

الضمان الاجتماعي

وتعتبر الجزائر دولة رعاية اجتماعية ينص عليها دستوريًا، إذ تم إقرار مؤخرًا منحة البطالة، وتوفير السكن الاجتماعي، وأي شخص ليس لديه دخل يتلقى بطاقة الشفاء ضمن العمل التضامني تتكفل به البلديات، وهناك دعم للمختلف المواد الغذائية الواسعة الاستهلاك كالحليب والسكر والسميد ومادة الزيت المائدة، وتدفع الحكومة على عاتقها تكاليف الدعم للكهرباء والماء والبنزين، ويقدر الدعم الاجتماعي في حدود 15-17 مليار دولار سنويًا.

وما يزال المجتمع الجزائري يعيش بشكل عائلي وجماعي، خصوصًا في المدن الداخلية، أين الروابط الأسرية ما تزال محافظة وقوية، فهذا النمط اقتصاديًا قد يعتبر شراكة اجتماعية تتضامن فيها الأفراد وتتشارك أعباء الحياة وتتقاسم نفقات المعيشة.

أما العائلة الصغيرة المكونة من شخصين لديهما طفلان صغيران فإن الراتب الشهري لا يغطي تكاليف المعيشة، التي تتطلب المواد الغذائية والملابس والأغراض المنزلية ووسائل العناية الجسدية وتكاليف الهاتف والإنترنت والإيجار وغيرها، وبالتالي قد يستغنون عن حاجيات أساسية كثيرة، ويتكيفوا وفق مداخيلهم ورواتبهم الشهرية، الأمر الذي يصنفهم في خانة الفقر النسبي، وبالتالي إذ اتفقنا على هذه المعايير فإن غالبية الجزائريين يعانون من الفقر النسبي.

ارتفاع معدلات التضخم تسببت في تآكل كل الزيادات التي أقرتها الحكومة مؤخرًا

وعلى العموم، فإن ارتفاع معدلات التضخم تسببت في تآكل كل الزيادات التي أقرتها الحكومة مؤخرًا، ومن المتوقع أن يظل التضخم مرتفعًا نتيجة التغيرات المناخية والحروب والتوترات العالمية، الأمر الذي يقتضي التخطيط للحد من تبعات الازمة الاقتصادية العالمية والركود العالمي، والعمل على توفير مستوى من العيش الكريم.