28-أكتوبر-2021

(صورة أرشيفية/رياض كرامدي/أ.ف.ب)

يتزايد عدد طالبي الشغل وسط الجامعيين وخريجي مراكز التكوين المهني والتمهين في الجزائر، في ظلّ إحصائيات يراها مراقبون مقلقة وتعكس التباين الموجود في سوق العمل بين الطلب والعرض، ما يستدعي إيجاد حلول وإصلاحات جدرية تربط بين المنظومة الجامعية وحاجيات السوق، وخلق ديناميكية اقتصادية قادرة على امتصاص السوق العمالة المحلية التي تتزايد سنويًا.

تشير إحصائيات الوكالة الوطنية للتشغيل إلى أن أصحاب الشهادات الجامعية يمثلون الحصّة الأكبر من نسبة البطالة في البلاد

في هذا السياق، نشرت الوكالة الوطنية للتشغيل إحصائيات الثلاثي الثالث من السنة الجارية، إذ سجلت الوكالة1161986  طلب عمل، بينما تم توفير 28 455 منصب شغل، أي ما يعادل 2.43 بالمئة، وهي معطيات توضح حجم التباعد بين العرض والطلب في عالم الشغل، وانتشار البطالة وسط حاملي الشهادات الجامعية والتكوين المهني وأصحاب الدراسات العليا.

اقرأ/ي أيضًا: "الأفامي" يتوقّع ارتفاع نسب البطالة في الجزائر سنة 2020

تؤكّد هذه الأرقام تضاعف عدد طالبي الشغل وتراجع مناصب العمل في القطاعات الحيوية والعمومية التي تمتص النسبة الأكبر في عالم الشغل، إذ تشير الإحصائيات أن القطاع الخاص المحلي تمكن من توفير19992 منصب شغل، بينما القطاع الخاص الأجنبي2917  والباقي في القطاع العمومي.

وبحسب بيانات الوكالة الوطنية للتشغيل، فإن القطاع الخدماتي يُوفر 41 بالمائة من مناصب العمل، يليه قطاع الأشغال العمومية بـ 30 بالمائة والقطاع الصناعي 27 بالمئة، بينما القطاع الفلاحي لا يزال في أدنى الترتيب إذ لم يسجل إلا 2 بالمائة، ما يؤكّد أن القطاع الفلاحي يعاني من نقص هائل في اليد العاملة المؤهلة.

مؤشرات الوكالة توضح أن الأجور، وبُعد مقر العمل والظروف الشغل وعدم التطابق بين الشهادة وطبيعة العرض من بين أهم عوامل رفض عروض العمل.

الإطارات الجامعية

تشير الإحصائيات أيضًا إلى أن 31 بالمائة من طالبي الشغل إطارات عاليًا، و25 بالمئة دون تأهيل، و29 بالمئة من حاملي الشهادات التكوينية أي مؤهلة، بينما يحتل حاملي الشهادات الجامعية النسبة الأعلى بـ 36 بالمئة.

ووفق البيانات يلاحظ أن أصحاب الشهادات الجامعية يمثلون الحصّة الأكثر من البطالة العامة في البلاد، حيث يتضاعف العدد سنويًا وهو مرشح للزيادة كل سنة، نظرًا لالتحاق مزيد من خريجي الجامعة ومراكز التكوين المهني بعالم الشغل الذي يتراوح سنويًا بين 200 ألف إلى 250 ألف طالب وطالبة.

وتوضّح الأرقام القطيعة الموجودة بين متطلبات وحاجيات السوق وعالم الجامعة ومراكز التكوين المهني، وعلى ضوء المعطيات دعا مراقبون إلى اعتمد برنامج وطني للتشغيل يربط بين القطاعات الاستراتيجية في مجال الشركات الناشئة والفلاحة والطاقات المتجددة وبين المنظومة الجامعية والتكوينية.

الأسباب والحلول

في السياق الموضوع، أوضح محمد سعودي، الخبير والمحلّل الاقتصادي في حديث لـ "التر جزائر" أن السوق العمل في الجزائر تعاني جملة من الاختلالات، مفاتيحها تكمن في وجود إرادة سياسية، وتنسيق بين كامل القطاعات الاستراتيجية.

وأضاف أن توفير فرص العمل لليد العاملة المؤهّلة لخريجي الجامعات والدراسات العليا مرتبط بالقدرة على خلق استثمارات تتوافق مع سياسة بعث قطاعات صناعية استراتيجية تمتص بشكلٍ كبير اليد العاملة المؤهلة.

وأوضح أن القطاعات الصناعية على غرار الصناعة الكيماوية وشبه الكيماوية، والصناعة الميكانيكية، والصناعات الإلكترونية، والطاقات المتجددة والصناعات الكهربائية، والصناعة الصيدلية كلها قطاعات تعاني من عجز ونقص في اليد العاملة المؤهلة.

القطاعات الصناعية التي تشكّل قاطرة النمو ومخزون اليد العاملة عروض العمل بها أكثر من الطلب، بحسب المتحدّث، وتابع أن حاملي الشهادات في مجال الحقوق والعلوم السياسية والعلوم الاجتماعية والإنسانية يشكلون النسبة الأكبر في سوق العمل بينما العرض وفرص العمل قليلة مقارنة بقطاع الصناعي والقطاع الفلاحي.

ودعا سعودي بالمناسبة، إلى إعادة النظر كليا في نمط التكوين والتوجيه الجامعي، والاختلالات الموجودة بين عالم الشغل والتكوين والتأهيل.

وأشار المحلّل الاقتصادي إلى وجود خلل مرتبط بالذهنيات يتعلق بتفضيل غالبية حاملي الشهادات الجامعية واليد العاملة المؤهّلة التوظيف في القطاعات والإدارات العمومية التي توفر استقرار مهني وأريحية في العمل، وقد يشكّل هذا ثقلًا على ميزانية الدولة.

الخلل الأكبر، بحسب سعودي، هو أن تصبح الدولة إلى أكبر خزان للسوق العمل ما يفوق احتياجاها، الأمر الذي ينعكس عنه عدم توازن بين القطاع العمومي والقطاع الخاص، خاصّة مع رفع الأجور من طرف الدولة لحساب أعوان الوظيف العمومي.

يختتم المتحدّث بدعوته إلى إعادة النظر في التوجيه والتكوين العالي، الذي لابدّ من أن ينصب إلى القطاعات الاستراتيجية التنموية وقطاع الفلاحة.

الاقتصاد المنغلق محدود وغير قادر على خلق الثروة وامتصاص البطالة وتوفير العمل

إن الاقتصاد المنغلق على نفسه، هو اقتصاد محدود غير قادر على خلق الثروة وامتصاص البطالة وتوفير العمل، واستمرار تحمّل الدولة توفير مناصب شغل في المؤسسات العمومية، يفتح المجال في غالب الحالات للمحسوبية والزبونية، إذ لابدّ من تحرير عالم الاستثمار وخلق مناخ أعمال صانع للقيمة المضافة، بدل الاعتماد على الريع في فتح مناصب جديدة للشغل في سوق العمل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"الأفامي" يتوقّع ارتفاع نسب البطالة في الجزائر سنة 2020

البطالة تدفع شباب الجزائر إلى الصحراء