تحصي الجامعة الجزائرية، اليوم، أكثر من مليون وثلاثمائة ألف طالب، في جميع المستويات والاختصاصات، وهم يتوزعون تقريبًا على كامل التراب الوطني، إذ لا تكاد تخلو محافظة من جامعة أو مركز جامعي. وانتشرت في الجامعات الجزائرية، منذ سنوات، تنظيمات طلابية مختلفة بهدف تأطير الطلبة وتسيير شؤونهم.
ويتساءل الكثيرون عن طبيعة نشاط هذه التنظيمات وعلاقتها بالأحزاب السياسية، والعلاقة بين الجامعة والأحزاب أو الطلبة والسياسة وعدة أسئلة جوهرية أخرى على علاقة بطبيعة الممارسة السياسية للطالب الجزائري، والمدى الذي يمكن أن يقطعه في عملية المشاركة السياسية؟ وهل المطلوب من الجامعة عمومًا أن تنتج طلبة مشبعين بالثقافة السياسية وخلفياتها وأبعادها؟
لقد عرفت الجامعة الجزائرية منذ إقرار التعددية الحزبية، بعد دستور 23 شباط/فبراير 1989، ظهور ثمانية تنظيمات طلابية وهي تمتلك الاعتماد حتى الآن، إضافة إلى ظهور نقابات وتنسيقيات مستقلة أخرى في السنوات الأخيرة. وتتوزع هذه التنظيمات في ولاءاتها على كبرى الأحزاب المشكلة للساحة الوطنية، وذلك رغم أن قانون الجمعيات في الجزائر يمنع المنظمات الطلابية وسائر الجمعيات الأخرى غير السياسية من ممارسة العمل السياسي المباشر، إلا أن نشاطها في الواقع يكاد يقتصر على السياسة.
تتوزع التنظيمات الطلابية في ولاءاتها على كبرى الأحزاب الجزائرية
في الأثناء، يشتكي الطلبة من غياب أصوات نقابية حقيقية تدافع عن حقوقهم الاجتماعية والبيداغوجية. ويعتبر معظمهم أن المنظمات الطلابية التي نشطت وتنشط داخل الحرم الجامعي هي قبل كل شيء واجهات لأحزاب ومنظمات سياسية، تحاول من خلال النشاط داخل الجامعة استقطاب أكبر عدد ممكن من الطلبة لفائدة توجهها ومشروعها السياسي.
اقرأ/ي أيضًا: الجامعة التونسية..تاريخ من النضال والصراع
يقول هيشر توفيق، خريج كلية الحقوق والعضو السابق في المكتب الوطني للاتحاد العام الطلابي الحر، لـ"ألترا صوت": إن "الممارسة النقابية في الجامعات تعد رافدًا سياسيًا ومكونًا للنواة النضالية الداعمة لشتى الأحزاب في الوطن، وتلعب النقابات الطلابية كلها دون استثناء دور المكون الحقيقي للإطارات الحزبية الناشئة".
والمُلاحظ، أن هناك شبه استقالة جماعية للطلبة والشباب من التأثير في العملية السياسية في الجزائر الآن، إضافة إلى فقدان الثقة في الطبقة السياسية وهشاشتها من جهة والتخوف من العمل السياسي في ظل منظومة استبدادية من جهة ثانية. كما "يشكي عديد الشباب من الطلبة المنتمين لأحزاب الموالاة والتي تلعب دورًا في تمييع الساحة الجامعية من النضال الحر والشريف"، حسب هيشر.
وفي السياق ذاته، يرى محمد رضا، طالب ماجستير بجامعة فرحات عباس بسطيف، أن "النشاط النقابي داخل الجامعات قد شهد تراجعًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، فلم يعد الطالب الجامعي مهتمًا بالنضال السياسي أو النقابي، عكس ما كانت عليه الأوضاع في السابق حين كانت قاعات الجامعات منطلقًا للكثير من الأفكار والمشاريع".
يرى الكثير من الشباب الجزائري أن بفضل نضال نخبة من الطلبة الجامعيين، انطلقت شرارة أحداث 5 تشرين الأول/أكتوبر 1988، أو ما يسمى بالربيع الديمقراطي في الجزائر، مما جعل الحكومة آنذاك ترضخ لجملة من المطالب، وتقرر فتح المجال السياسي. ويرون بالتالي في تراجع نشاط المنظمات الطلابية شرًا لابد من تجاوزه وتجديد الفعل النقابي بالجامعات، التي يرون أنها قد تكون جزءًا من الحل للأزمة التي تمر بها الجامعة والبلاد عمومًا.
شهد النشاط النقابي داخل الجامعات الجزائرية تراجعًا كبيرًا في السنوات الأخيرة
في الحقيقة، يتردد الشباب بوجه عام والطلبة بوجه خاص قبل الانخراط والمشاركة في العمل السياسي. وصار تأثير التنظيمات الطلابية بسيطًا على الطلبة، وذلك لاعتبارات عديدة من بينها أن معظم الطلبة المنخرطين في هذه التنظيمات ليسوا مهيكلين حزبيًا بشكل جيد وغير مقتنعين أحيانًا بالعمل السياسي. وشكلت ظاهرة "العزوف السياسي" لدى شريحة الشباب الجامعيين، منذ سنوات، محور جدل كبير لدى المتابعين للشأن السياسي والطلابي. هذه التسمية التي أطلقها رجال الإعلام على امتناع الشاب الجزائري ولامبالاته بالعملية السياسية بل وتهكمه على الفعل السياسي ورجل السياسة عمومًا، أضحت ظاهرة تستحق الدراسة والبحث والتّمحيص من أجل الوقوف على أسبابها ومآلاتها.
يرى البعض أن النظام يتحمل جزءًا من المسؤولية، فقد ساهم في إفراغ الساحة الجامعية من كل النقاشات السياسية الجادة ويشتكي جزء من الطلبة المنتمين إلى قطب المعارضة من تعرضهم إلى تهديدات وحتى اعتداءات بسبب مواقفهم، أو بسبب نشاطهم السياسي وانتمائهم الواضح داخل الجامعة.
بينما يرى آخرون أن الأحزاب المعارضة تتحمل بدورها المسؤولية، إذ لم تسع إلى ربط جسور متينة بينها وبين الجامعة، رغم توفر الكثير من الأحزاب، خاصة ذات الشعبية الكبيرة، على فروع لها داخل الجامعات، لكنها تشبه الخلايا النائمة التي لا تستيقظ إلا مناسباتيًا، في المواعيد الانتخابية، فتصبح بذلك آداة لتعبئة انتخابية لا أكثر، خاصة وأن الطلبة الجامعيين يمثلون 11 من المئة من الهيئة الناخبة في الجزائر، رغم أن مهمتها في الأصل أسمى من ذلك، وهي المساهمة في إنتاج حراك سياسي هادف، يساهم في تطور الجامعة.
ساهم النظام الجزائري في إفراغ الساحة الجامعية من كل النقاشات السياسية الجادة
ويلقي البعض الآخر باللوم على الطالب. وفي هذا الإطار، يقول علاء الدين، طالب بمعهد العلوم السياسية بجامعة الجزائر، لـ"ألترا صوت": "رغم أن ما تعلمناه في الجامعة يختلف نوعًا ما عن العمل السياسي الميداني، إلا أنني استطعت المساهمة في حملة انتخابية ناجحة للحزب الذي أنتمي إليه على مستوى العاصمة، ولاحظت عزوف الكثير من الشباب وخاصة الطلبة عن الممارسة السياسية، ومنهم حتى من يرفض رفضًا قاطعًا الاندماج في منظمة أو حزب، لأسباب كثيرة، ترجع بالأساس إلى تراكمات خلفتها ممارسات سابقة، أفقدتهم الثقة في الأحزاب والتنظيمات الطلابية، وجعلتهم يعتقدون أن الوضع الحالي غير مشجع لولوج العمل السياسي".
من جهتها تؤكد السلطة في الجزائر أن تسييس عمل التنظيمات الطلابية يمثل خطرًا على الجامعة، و يقوم عمداء الجامعات في بعض الأحيان برفض ترخيص إقامة محاضرات لوجوه سياسية معروفة داخل الجامعات، كما يحاولون دائمًا توجيه عمل هذه التنظيمات واستقطابها لصالحهم. لكن ورغم كل المعوقات، يتواصل النشاط النقابي داخل الجامعة الجزائرية ولو بشكل محدود وجزئي.
اقرأ/ي أيضًا: لا جامعات خاصة في الجزائر!