25-يوليو-2020

شرف بلقاسم (فيسبوك/الترا جزائر)

مهما كنت قويّ الشّخصيّة، فإنّك ستجد نفسك مرتبكًا في الحديث مع قارئ الأفكار والمشاعر شرف بلقاسم المعروف بـ "سيلفر". ذلك أنّه يستطيع أن يُخبرك بما يجول في خاطرك. إلى درجة أنّه يطلب منك أن تُبيّت كلمة أو فكرة في نفسك؛ فتجده قد كتبها لك في ورقة.

وجد "سيلفر" في المسرح منفذًا للتّطهّر من رواسب الخوف والانكفاء على النّفس

ولد "سيلفر" في مدينة معسكر؛ 400 كيلومتر إلى الغرب من الجزائر العاصمة؛ في السّنة التّي انطلق فيها العنف والإرهاب في الجزائر، "فكنت مثل جيل كامل فتح عينيه، ليس على حكايات الغول المتخيَّل؛ بل على أخبار الغول الحقيقيّ أي الإرهابيّ الذّي لا يفرّق بين طفلٍ وشيخٍ وامرأة وكهل، حتى أنّه يستطيع أن يبقر بطن المرأة الحامل ويذبح جنينها".

اقرأ/ي أيضًا: مخرجان جزائريان يلتحقان بأكاديمية الأوسكار

"هذا الخوف المتولّد عن سماع أخبار الدم، مرفوقًا بتحذيرات الأهل من الخروج والابتعاد عن البيت، خلق في داخلي حالة من الحديث مع النفس والعودة بعوالمي الخارجيّة إلى الدّاخل".

وجد "سيلفر" في المسرح منفذًا للتّطهّر من رواسب الخوف والانكفاء على النّفس، فراح يمارسه تمثيلًا وتعبيرًا جسديًّا، من خلال الفضاءات التّي وفّرها مسرح صغير ومستقلّ يسمّى "مسرح القوس" في مدينة معسكر، ثمّ وفّرها له المسرح الجامعيّ، فالمعهد العالي لفنون العرض ومهن السّمعيّ البصريّ في الجزائر العاصمة، حيث كان الأوّل في دفعته، بما أهّله لأن يمثّل الجزائر في مهرجان أوائل المسرح العربي عام 2019.

 يقول: "كان عليّ أن أتجاوز الحديث مع النّفس إلى الحديث مع النّاس. وأن أطلق العنان لجسدي عوضًا عن حجبه. وأن أمارس أفعال الكلام والهمس والصّراخ والغناء، عوضًا عن الصّمت. وهذا كلّه لا يوفّره إلّا فنّ المسرح".

على غرار جيل ما بعد الإرهاب الذي ورث صدماتٍ وعقدًا نفسيّة، من غير أن يجد من يمنحه يده ليساعده على النّهوض أو أذنه ليسمعه؛ فقد تمّ سماع الجاني بالموازاة مع غفلة واضحة عن سماع الضّحيّة، وجد سيلفر نفسه مطالبًا بأن يبني ذاته بذاته، فاتّجه إلى التّنمية الذّاتيّة من جهة، وإلى دراسة الهندسة المدنيّة في الجامعة من جهة ثانية؛ "صحيح أنّ الهندسة برمجتني على فعل البناء والتّرميم، بكلّ ما يترتّب عن ذلك من إسقاطات على بناء وترميم الذّات، لكنّني اكتشفت أنّني أصلح للتّعامل مع الإنسان لا للتّعامل مع الجدران، فاخترت أن أكون (mentalist)".

يختصر "سيلفر" تعريفه لهذا الفنّ، بالقول إنّه شراكة روحيّة وذهنية بينه وبين محاوره أو جليسه، كأن يخبره بالفكرة التّي تشغل باله في تلك اللّحظة أو بكلمة أو رقم أو أمنية؛ "وهو بهذا فنّ يتجاوز الفنون الأخرى من زاوية كونه يلتقط فكرة الملتقّي لا أن يمنحه فكرةً جاهزة، بما يخلق فيه حالة من الانبهار والفضول والاستعداد لتلقّي النّصيحة، والتّوجيه ولفت الانتباه إلى الطّاقات الرّوحية والذهنية والفكرية الدّاخليّة التّي يقوم النّجاح على الاستثمار فيها".

وينفي محدّث "الترا جزائر"، أن يكون هذا التّخصّص على صلة بالسّحر والشّعوذة أو بفنون الخفّة؛ بل هو فنّ مستقلّ بذاته ويعتمد على التّخاطر بين ذاتين وعلى التّماهي والانسجام التّام بينهما، وقدرة الذّات القارئة على التقاط الإشارات النفسيّة والجسدية المختلفة. وكلّها معطيات علميّة".

يشرح فكرته أكثر بالقول، إنّ هذا الفنّ يقوم على أسس علميّة وسيكولوجيّة ومهارات فنيّة، كالتّنويم الإيحائيّ والتأثير في اللّاوعي والبرمجة اللّغوية العصبيّة وعلوم الطّاقة. وكلّها تخصّصات تدرّس في الجامعات.

رغم ذلك، يعترف "سيلفر" الذّي بات يظهر مؤخّرًا على أكثر من قناة جزائريّة، بأنّ أكثر ما يواجهه في خرجاته وعروضه هو اتهام النّاس له بالشّعوذة؛ "وهذا طبيعيّ لكونهم غير مدركين لماهية العلم الذّي يقوم عليه هذا الفنّ. فمن لا يعرف أمرًا يخافه؛ لذلك فإنّ جمهوري من الطبقة المثقفة والجامعيّة والكهول الذّين يشاهدون في القنوات الفضائيّة الغربيّة عروضًا كالتّي أقوم بها".

يُبدي شرف بلقاسم، حماسه في العمل على جعل قراءة الأفكار  فنًّا مكرّسًا في المشهد الجزائريّ

ويُبدي شرف بلقاسم، حماسه في العمل على جعل قراءة الأفكار والعواطف فنًّا مكرّسًا في المشهد الجزائريّ، فيتمّ تجاوز مرحلة عدم الاعتراف به؛ "لقد أودعت ملفّي في الدّيوان الوطنيّ لحقوق المؤلّف والحقوق المجلورة، فتمّ رفضه بحجّة أنه فنًّ غير مدرج في قائمة الفنون الشّبيهة المعترف بها، مثل التّمثيل وألعاب الخفّة".

 

اقرأ/ي أيضًا:

فيلم "البئر".. هل يمنح الجزائريين أوسكار؟

فيلم "بابيشة" يحصد جائزتين في مسابقة "سيزار" للفيلم السينمائي بباريس