30-أكتوبر-2020

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

منذ الإعلان عن مرض الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ودخوله المستشفى العسكري ثم نقله إلى ألمانيا للخضوع إلى فحوصات طبيّة معمّقة، عاد القلق إلى الجزائريين من ملف صحة الرئيس، ليس فقط للدوافع الانسانية والسياسية المرتبطة باستقرار البلد؛ ولكن بسبب تجربة مريرة عاشها الجزائريون في ظلّ مرض الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة خلال السّبع سنوات الأخيرة من حكمه (1999-2019)، ولكون أن الجزائر مرّت بفترة خاصة كان فيها موضوع صحة الرئيس ملفّا طاغيًا، ولعب دورًا كبيرًا في تمدّد الفساد المالي والسياسي، باستغلال مرض الرئيس وغيابه عن المشهد وعدم قدرته عن آداء مهامه الدستورية.

كان مرض الرئيس السابق بوتفليقة أحد أبرز الأسباب التي أدت إلى ثورة الجزائريين

الملف الطبّي

 لم يكد الجزائريون يتعافون من وضع سياسي غاية في البؤس في الفترة الأخيرة من حكم بوتفليقة، ويتطلّعون إلى عهد سياسي جديد يكون فيه رئيس الجمهورية حاضرًا في المشهد الجزائري العام، حتى عاد ملف "صحّة الرئيس" ليطرح نفسه مجدّدا مع الرئيس عبد المجيد تبون، ويبدأ الجزائريون في ملاحقة متجدّدة لأخبار مرض الرئيس وصحته، وسط حالة من الشكّ والقلق، عمّقتها أزمة الثّقة في الاتصال المؤسّساتي وعدم وضوح بيانات الرئاسة بالقدر الكافي الذي يطمئن الجزائريين.

اقرأ/ي أيضًا: وسط تعتيم رسمي.. هل يرقد تبون في مستشفى ميرهايم بألمانيا؟

وفي ضوء هذه المستجدات، كان مرض الرئيس السابق بوتفليقة، وإصراره على البقاء في الحكم برغم الوعكة الصحية التي لازمته منذ 2012 إلى غاية استقالته، أحد أبرز الأسباب التي أدت إلى ثورة الجزائريين وانطلاق حراك الشعبي في شباط/فيفري 2019، انتهت بإعلان التنحّي من الحكم في نيسان/أفريل من السنة نفسها.

مباشرة بعد الانتخابات الرئاسية التي جرت في 12 كانون الأوّل/ديسمبر 2019، وبدء تحرّكات للرئيس الجديد عبد المجيد تبون، داخليًا وخارجيًا، وخطاباته التي تضمنت مشروعه للإصلاح السياسي، كانت بعض التعبيرات السياسية والشعبية تعتبر أن مجرّد وجود رئيس يتحرك ويخاطب الجزائريين، ويتحدّث باسم الجزائر في المحافل الدولية ويستقبل ضيوف الجزائر من الشخصيات والرؤساء، هو في حدّ ذاته مكسب كبير، مقارنة مع وضع مهين وشعور شعبي بالإهانة في السنوات السبع الأخيرة للرئيس السابق بوتفيلقة، والذي كان يتغيّب عن كل المحافل الدولية بسبب وعكته الصحيّة، ويستقبل عددًا قليلًا من المسؤولين في وضع لن يكن مقبولًا على كل المستويات.

وفيما يصب انشغال الجزائريين بشكلٍ خاص على مرض الرئيس، وسط تساؤلات حول طبيعة مرضه، خاصّة وأن الرئاسة التي أصدرت حتّى أربعة بيانات تخصّ وضعه الصحّي، كان آخرها بيان الخميس أكدت فيه أن حالته مستقرة وأنه بدا في تلقي العلاج، قالت في البداية إنه في "حجر طوعي" توقيًا من كورونا، بعد إصابة إطارات في الرئاسة، ثم دخوله الى المستشفى العسكري قبل أن يعلن نقله إلى ألمانيا.

اتصال مؤسساتي واحد

في البداية أعلنت الرئاسة أنّ الجهاز الطبّي الرئاسي نصح عبد المجيد تبون، بالدخول في حجر طوعي، لمدّة خمسة أيام بداية من يوم السبت 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2020، بعدما "تبين أن العديد من الإطارات السامية برئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، قد ظهرت عليهم أعراض الإصابة بفيروس كورونا"، حسب البيان الرسمي الأوّل.

وأردف الرئيس تبون تغريدة على حسبه في موقع التواصل الاجتماعي تويتر، جاء فيها: "أطمئنكم أنني بخير وعافية وأواصل عملي عن بعد إلى نهاية الحجر"، قبل أن تُعلن الرئاسة الجزائرية دخول الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون المستشفى العسكري بعين النعجة بالعاصمة، لكن "حالته الصحيّة مستقرّة، ولا تستدعي أي قلق"، بل إن "رئيس الجمهورية يواصل نشاطاته اليومية من مقرّ علاجه" بدون توضيح متى ولماذا دخل المستشفى.

يأتي البيان الثالث، أكثر وقعًا على مسامع الجزائريين، إذ تضمّن فحواه أن الرئيس نُقل إلى ألمانيا لإجراء فحوصات طبيّة معمّقة، لتتوالى التعليقات والإشاعات التي لم يكسرها بيان رابع تؤكّد فيه الرئاسة أن "الرئيس بخير وصحّته مستقرّة".

طَرح هذا المستجدّ الطّارئ عدّة تساؤلات في الأوساط الشعبية، وأدخل الجزائريين في حرب مع "الإشاعة" كما قالت أستاذة الاتصال السياسي نور الهدى مريمش لـ "الترا جزائر"، لافتة إلى أن حالة "ّالذهول والمفاجأة صحابتها مسألة البيان كما جاء في وكالة الأنباء الجزائرية من الوزارة الأولى ثم سحبه وتعديل المصدر".

وأكدت الأستاذة مريمش، أن هناك عاملان أساسيان في أهمية قراءة البيان من حيث الخطاب السياسي الموجه لعامة الشعب، أولها أن "حجم المعلومة تعتبر مفصلية في أي خبر له علاقة برئاسة الجمهورية كمؤسّسة عليا ودستورية وبشخص الرئيس"، أما العامل الثاني كما أوضحت فهو يتلخص في أن "الوضع الصحي للقاضي الأول في البلاد يعتبر ذو أهميّة قصوى للجزائريين بعدما أصابتهم "تخمة الإشاعات فترة حكم الرئيس بوتفليقة، وبقي مرض الأخير محلّ استفهامات وتعتيم رغم مشاهد وضعه الصعب في أيامه الأخيرة من الحكم".

عشية استفتاء الدستور

مصدر قلق الجزائريين على صحّة الرئيس تبون، تتأتى أيضًا من كون نقله إلى ألمانيا للعلاج جاء عشية استحقاق انتخابي هام، وهو الاستفتاء الشعبي على مشروع تعديل الدستور، وقد خطف الوضع الصحّي للرئيس الاهتمام بشكل لافت مقارنة مع الاستفتاء، وفيما تسعى السلطات إلى استكمال الاستفتاء وتوفير كافة عوامل نجاحه، بمعزل عن الظروف الطارئة، وبعدما انتهت الحملة الانتخابية قبل يومين وبدأ تصويت الناخبين من البدو الرحل في ثلاث ولايات هي إليزي وتندوف وتمنراست، ثم أدرار وورقلة.

ويطالب المتابعون للشأن السياسي أن تتعامل السلطات الجزائرية مع وضعية الرئيس الصحيّة كمؤسّسة دستورية، محلّ بيانات شفافة، وبصدقية خاصّة في زمن السماء التكنولوجية المفتوحة، كما قال المختص في الإعلام عبد الكريم فرحات لـ "الترا جزائر" مشيرًا إلى أن "الأخبار الكاذبة والتأويلات الحالية تخلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار النفسي للجزائريين حيال وضعية رئيسهم".

وفي ظلّ هذه المستجدات، يبقى ملف الصحّة الخاصّة برئيس الجمهورية عاملًا مهمّا في السياسة الداخلية والخارجية للجزائر منذ الاستقلال، حيث يوثّق الكثيرون لحالة مرض الرئيس هواري بومدين والرئيس بوتفليقة باعتبارهما أكثر الرؤساء إثارة للجدل من خلال وعكتهما الصحية، التي تسببت في وفاة الأول وأخرجت الثاني من الباب الضيق بعدما استخدمت كورقة لاستمرار الحكم لمجموعات سياسية ومالية خلال عشر سنوات الأخيرة.

يُلقي مرض الرئيس بظلاله على مناخ الجوّ العام عشية الاستفتاء

وقبل ساعات من توجه الجزائريين لمراكز الاقتراع، يُلقي مرض الرئيس بظلاله على مناخ الجوّ العام عشية الاستفتاء، الذي يجري في ظرف خاصّ بسبب انقسام سياسي حيال مشروع الدستور، وهو ما دفع السلطات إلى محاولة طمأنة الرأي العام عن صحة الرئيس.

 

اقرأ/ي أيضًا:

رئيس الجمهورية يُنقل إلى ألمانيا لإجراء فحوصات طبية معمقة

تبون يطمئن الجزائريين: أنا بخير وأزاول عملي عن بُعد