شهدت الفضاء الرقمي في الجزائر خلال السنوات الأخيرة، تصاعد ظاهرة مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي، أو من يطلقون على أنفسهم "صناع المحتوى" أو"المؤثّرون"، حيث اختار كثير منهم مجال الترفيه والتجميل والموضة، وهي مجالات جعلت الكثيرين ينظرون لهذا الفضاء الافتراضي وأصحابه بعين انتقادية، تصل حتى وصف ما يقدمونه بـ "السطحي والتجاري"، بالنظر إلى أنّهم يسعون فقط إلى حصد أكبر عدد من المشاهدات، بعيدًا عما يعتبره البعض مفيدًا ونافعًا.
استطاع بعض صناع المحتوى الجزائريين أن يسلكوا طريقًا قد لا يدر أموالًا وإعلانات كباقي المجالات الأخرى
ووسط هذا الفضاء المتخم بعالم الترفيه والموضة والطبخ، استطاع بعض صناع المحتوى الجزائريين أن يسلكوا طريقًا قد لا يدر أموالًا وإعلانات كباقي المجالات الأخرى، إلا أنه بدأ في استقطاب عدد كبير من المتابعين، ويتعلّق الأمر بالجانب التعليمي والعلمي، فمن هم صانعوه؟ وما موقعهم وسط هذه السوق الافتراضية؟.
اقرأ/ي أيضًا: فرقة " براعم ثوڤز".. نوستالجيا موسيقية تسافر بجيل الثمانينات
الاقتصاد بأسلوب آخر
بطريقة جديدة وبسيطة، بدأ دكتور الاقتصاد عبد الرحيم عبد اللاوي، يأخذ حيّزًا من اهتمامات الجزائريين في مواقع التواصل الاجتماعي، رغم اختياره لقطاع لا يفهمه كثير من الجزائريين، غير أن أسلوبه المختلف الذي يقدّم به محتواه التعليمي العلمي، جعل العديد من المصطلحات والمفاهيم الاقتصادية سهلة للمتلقّي.
ورغم أن المستشار الاقتصادي عبد الرحيم، مازال في بداياته الأولى في صناعة المحتوى، إلا انه تمكن من أن يخطو خطوات لافتة، فقناته على اليوتوب اليوم لا يتعدى عدد المشتركين بها 9 آلاف، لكنه يبقى عددًا مهما بالنظر إلى أن مدّة إطلاقها التي لا تزيد عن شهرين.
وبموقع فايسبوك، يحظى عبد الرحيم بمتابعة 116 ألف شخص، وحققت بعض الفيديوهات المنشورة على صفحته مشاهدات تعدت 100 ألف مثل فيديو "أنا مقاول" و"علاش ما عندناش سياحة" الذي بُثّ على "قناة الأنيس".
ويقول عبد الرحيم في مقابلة مع "راديو جو"، إن صعوبة "المحتوى المفيد" تكمن في تكلفة البحث لتقديم محتوى يمكن أن يعيش طويلًا، ومبنيٌّ على أساس معلومات علمية موثقة.
قنوات تعليمية
من جهة أخرى، يحظى الجانب التربوي والدراسي على حصّة الأسد من المحتوى العلمي المقدم افتراضيًا، خاصة في ظل الوضع الصحّي، الذي تمرّ به البلاد، فقد استطاع عدد من الأساتذة الاستثمار في الفضاء الذي توفره لهم مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بجعلها وسيلة لتعليم التلاميذ في مختلف الأطوار التربوية، وبالخصوص تلك المتعلقة بالمواد التي تتطلب دعمًا تعليميًا إضافيًا على رأسها الرياضيات وباقي المواد العلمية واللغات الأجنبية.
وفي هذا الشأن، تبرز قناة الأستاذ نور الدين الذي يقدم دروسًا على اليوتوب في مادة الرياضيات للطور الثانوي، والتي تجاوز عدد المشتركين بها 1.31 مليون مشترك. ويتابع الأستاذ نور الدين، أكثر من 391 ألف متابع على صفحته بموقع فايسبوك التي يقدم من خلالها بثًا مباشرًا لدروس الرياضيات.
أما الأستاذ زكريا الذي تحوز قناته بموقع يوتيوب على أكثر من 395 ألف مشترك، فيقدم دروسًا في الرياضيات في الطورين المتوسط والثانوي، إضافة إلى حلول ونصائح في تعلم أم العلوم، وتحسين المستوى التعليمي والانتقال إلى السنوات العليا من التعليم.
ولمن يريدون تعلم الإنجليزية افتراضيًا على الطريقة الجزائرية، فمن بين الحلول المتاحة قناة "ميستر أمين"، التي تحوز على 270 ألف مشترك، وتقدم دروسًا وفق وضعيات حياتية مستوحاة من الواقع الجزائري، مثل ما هي الكلمات التي يستعملها الجزائر خلال حالة استيائه من الازدحام الكبير الذي يعيشه يوميًا بالجزائر العاصمة.
محاضرات علمية
رغم الانتقادات التي توجه للجامعة الجزائرية وبعدها عن الواقع المعاش وعدم اهتمامها بقضايا المجتمع، إلا أن مجموعة من الأساتذة في الداخل والخارج باشروا منذ أشهر سلسلة من الدروس والمحاضرات التي تعني بمختلف القضايا العلمية، إضافة إلى إقامة ندوات افتراضية يشارك فيها جزائريون حققوا تفوقًا علميًا في تخصصاتهم، وصاروا قدوة للنجاح الجزائري في العالم رغم انطلاق أغلبهم من المدرسة الجزائرية.
و في هذا الإطار تبرز منصة "مباشر سيليكون فالي"، التي يشرف عليها الدكتور مراد بوعاش المختص في مجال الإعلام العالي والحوسبة ويعمل بشركة "yahoo"، حيث تحوز قناة "مباشر سيليكون فالي" على أكثر من 48800 مشترك في اليوتوب، وهو رقم مقبول بالنسبة لمنصة تقدم محتوى علميًا من الطراز العالي، إذ أنها تستهدف بالدرجة الأولى الطلبة والأساتذة الجامعيين ولا تستهدف الجمهور العام الذي قد يصعب على بعضه فهم المحاضرات والدروس المقدّمة، كونها تحتاج أحيانًا لأصحاب الاختصاص.
ويحرص خريج جامعة بومرداس شرق العاصمة، على تقديم لقاءات مباشرة كل يوم ثلاثاء على يوتيوب وفايسبوك، مع إرشادات تحفيزية على تحقيق الحلم ومشاركة النجاح مع الآخرين.
وتتعاون "مباشر سيليكون فالي" مع "ليميتلاس ليرنينغ"، وهي الأخرى منصة تهتم بقضايا التعليم والتربية والمستقبل في الجزائر، وتقوم بدورات تكوينية افتراضية يشارك فيها خيرة الأدمغة الجزائرية في الوطن وفي المهجر.
تمثل هذه النماذج جانبًا صغيرًا من المجهود الذي يبذله جزائريون في صناعة المحتوى العلمي والتعليمي
تمثل هذه النماذج التي ذكرناها سالفًا جانبًا صغيرًا من المجهود الذي يبذله جزائريون في صناعة المحتوى العلمي والتعليمي، والذي يمكنه أن يمحو الصورة النمطية التي تكون قد علقت في مخيلة البعض تحت عنوان صناعة المحتوى في الجزائر، مرادفة للرداءة والسطحية والشعبوية، غير أن استمرار هذا المجهود المفيد الذي يُقدّم مجانًا يحتاج إلى مزيد من الدعم من الجمهور بالمشاركة والمتابعة، وكذا بتمويل المؤسسات الاقتصادية له عبر الإشهار في هذه المنصات.
اقرأ/ي أيضًا:
مهرجان الشريط المرسوم.. جزائريون ينتقدون "جيل المانغا والكوميكس"
"سولكينغ" يعود إلى الجزائر نجمًا.. موسيقى على إيقاع الثورة؟