لم يكد الجزائريون ينسون صور الدّماء على مآزر الأطبّاء مطلع الشهر الجاري بسبب هراوات الشّرطة التي منعتهم من نقل احتجاجهم خارج أسوار المستشفيات، حتى صدمتهم صور للمعلم جدّي مقدادي في محافظة تبسّة على الحدود التّونسية الجزائرية، حيث تعرّض للضرب المبرّح على أيدي والد إحدى تلميذاته وشقيقها. والسبب، بحسب تصريحات للضحية، أنه اتهم بضرب التّلميذة.
أثار تعرض معلم للضرب المبرّح على أيدي والد إحدى تلميذاته وشقيقها، بسبب اتهامه بضرب التلميذة، جدلًا حول قيمة المعلم وتواصل انتشار العنف في الجزائر
تولّى موقع التّواصل الاجتماعي فيسبوك والقنوات الفضائية نقل استنكار الجزائريين لهذا التصرّف وتنديدهم به ودعوتهم السلطات إلى التدخل لوضع حدّ لما وصفوه بالتسيّب الذي بات يهيمن على القطاع التّربوي في البلاد.
كتب المعلم بلال لونيس على صفحته في فيسبوك: "نحن أسمى وأرقى وأنقى من كلّ هذا. لكن للأسف ظهرت فئة أو شرذمة في المجتمع - لا تمثل الشعب الجزائري على كل حال - تنسى فضل المعلمين والأساتذة عليها، وتتهجم بكل الطرق والوسائل على الأستاذ والمعلم". يضيف: "هؤلاء يشبهون الأعمى الذي كسر عصاه بعدما أصبح بصيرًا، دون أن يدري أن بصره قد يخونه يومًا آخر ويحتاج لتلك العصا".
وقال النّاشط ماسينيسا قبايلي لـ"الترا صوت" إنّ الحادثة تؤشّر على أكثر من سلوك مرفوض، "أوّلًا أن هذا الأب سمع رواية ابنته فقط ولم يسمع رواية المدرسة، وثانيًا اقتحامه للحرم المدرسي رفقة ولده مدجّجين بالسّلاح الأبيض، وثالثًا ضربهما لرجل التّربية، ورابعًا ترويع الأطفال الموجودين في المكان". ويسأل: "أيّ درس ستتلقّاه ابنته من سلوكه ما عدا العنف؟".
اقرأ/ي أيضًا: التلميذ الجزائري.. كل هذا العنف من أين؟
وقال الممثل عماد عبد السّلام إنّ الجزائريين باتوا يتفاعلون لحظيًا مع مثل هذه الحوادث المؤسفة استنكارًا واستهجانًا، ثم سرعان ما ينسونها بحادثة أخرى أو بالغرق في يومياتهم، "من غير البناء عليها لدعوة المنظومات المعنية لمباشرة حوار وطني يهدف إلى سياسة شاملة تضع حدًّا لها. وهو التّفاعل السّلبي الذي يسمح بتكرارها وتحوّلها إلى ظاهرة بعد أن بدأت فردية".
يرى بعض الجزائريين أن التفاعل مع حوادث العنف في بلدهم سلبي لأنه يقتصر على زمن الحادثة دون حرص على معالجتها بشكل معمق
يسأل محدّث "الترا صوت": "لماذا أصبح العنف متحكّمًا في سلوك الأب الجزائري مع رجل التّربية؟ لماذا لم يلجأ إلى القضاء أو إلى جمعية أولياء التّلاميذ ليكون أحدها وسيطًا؟ ما هذه المفارقة التي تقول إن الأب الجزائري الأمّي بعد الاستقلال الوطني كان يضع المعلّم فوق رأسه ويقف إلى جانبه ضدّ ولده، بينما أصبح الأب المتعلّم يضربه بمجرّد أن يشكو ولده منه؟".
من جانب آخر، يجيب النّفساني بوحجر بوتشيش على بعض هذه الأسئلة بالقول إنّ غياب مشروع مجتمع في البلاد أدّى إلى نزوح الشّارع إلى البداوة عوض المدنية والعنف عوض الحوار، "فالأب الجزائري بات يعطي انطباعًا لابنه المتمدرس أنه محمي من طرفه فيعنّف المعلّم، الذي لم يعد يعامله على أنه رجل علم وتربية، وهو السلوك الذي جعل التلميذ يتغوّل في المؤسسة التربوية، دافعًا معلمه إلى أن يحمي نفسه منه بالصّمت وغضّ الطرف، حتى لا يجد نفسه معتدًى عليه داخل وخارج المدرسة".
يضيف بوحجر بوتشيش: "كنا نقدّم للمعلم في السّابق هدايا شكرًا له على أفضاله، ونستقدمه للبيت ليتناول الطعام فيه، فبتنا نهديه ركلة وصفعة وطعنة على مسمع ومرأى أولادنا! وكنا نعتبر تعنيفه لهم نصيحة وحرصًا على مصالحهم، فبتنا نراه عنفًا في حقهم ونتصدّى للثّأر لهم بعيدًا عن الوسائط القانونية! والحديث قياس على الجيران، إذ بات الواحد من المحيط يخاف أن ينصح طفلًا يراه يقترف سلوكًا غير لائق مخافة أن يصبح ضحية لتعنيف أمه وأبيه". يختم: "متى ندرس الثمار المدمّرة لتقوقع المواطن على نفسه وأسرته الصغيرة وانسلاخه عن محيطه العام؟".
اقرأ/ي أيضًا: معلّمة تفقأ عين تلميذ في الجزائر!
من جهته، يقول المربي والنّقابي عبد المجيد لغريّب لـ"الترا صوت" إن وزارة التربية أصدرت قانونًا عام 2015 ينصّ على معاقبة المعلّم الذي يضرب تلميذه، وقد توبع العديد من المعلمين قضائيًا بسبب ذلك، "وهي مطالبة اليوم بسنّ قانون يحمي المعلم من التلاميذ وأسرهم، فقد بات يعيش على هاجس كونه مهدّدًا". يسأل: "لماذا ننسب تدنّي علامات التلميذ الجزائري إلى طبيعة المناهج الجديدة فقط، ونغفل عن معطيات اجتماعية لها دورها الفعّال في ذلك، منها تشنّج العلاقة بين المحيط الأسري والإطار المدرسي؟".
ويبدو أن الحادثة التي تحوّلت إلى قضية رأي عام في الجزائر، ستنقل النقاش التّربوي في الجزائر من أزمة المناهج والمضامين والمشاكل البيداغوجية إلى الأزمة الأخلاقية التي يعرفها الفضاء الجزائري أيضًا، " ليكون الإصلاح التّربوي أشمل ممّا ظلّ عليه على مدار ربع قرن"، بحسب المربّي حكيم شيخ.
اقرأ/ي أيضًا: