27-أغسطس-2021

(تصوير: رياض كرامدي/أ.ف.ب)

تبدي السّلطات الجزائرية في الفترة الأخيرة تشددًا لافتًا إزاء القنوات التلفزيونية المحلية، إذ أغلقت في غضون أسبوع ثلاث قنوات، بين تعليق جزئي وبين غلق نهائي، وتتوجّه لمزيد من القرارات مستقبلًا، رغم توصية وجهها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الأحد الماضي للحكومة، بضرورة الإسراع في استكمال الإطار القانوني لقطاع السمعي البصري في الجزائر، المعلّق منذ عام 2014.

 يعتقد مهنيون في المجال الإعلامي أن هذه القنوات ضحية فوضى إنشاء قنوات دون تأطير إجرائي وخطوط ناظمة لممارستها

قرارات متواصلة، أقدمت وزارة الاتصال بقرار توقيف بثّ قناة "الجزائرية وان" نهائيًا، وقبلها بأيام توقيف قناة "لينا" أيضًا، فضلًا عن توقيف وسحب الاعتماد من قناة "البلاد" لمدة أسبوع. قرارات لم تكن سوى القشة التي ستقصم المهنيين في القطاع، وتدخلتهم دوّامة الشكّ والخوف من البطالة بين عشية وضحاها كما وصفها البعض "العمل اليوم والبطالة غدًا".

اقرأ/ي أيضًا: حرّية الصحافة.. الرئيس تبون يفشل في أول امتحان

هذا الوضع ليس بالجديد في قطاع الإعلام في الجزائر خلال السنوات الأخيرة، غير أنه تميز بالضبابية تارة بسبب تعليق القوانين وتسيير قطاع ثقيل دون دفاتر شروط، وبالاندفاع تارة أخرى في العديد من المحطات السياسية والاجتماعية التي شهدتها الجزائر، خاصّة فترة الغليان الشعبي ومسيرات الحراك الشعبي.

تِسع سنوات من فتح قطاع السمعي البصري على القطاع الخاص، ظلّ المعيار الغالب في قطاع الإعلام في الجزائر هو مزيد من االنكسات الإعلامية، وقنوات خاصّة وصل تعدادها إلى 54 قناة وعشرات المواقع الإلكترونية، في المقابل لمس مهنيو القطاع فجوة كبيرة من تراجع الحرّيات وتقهقر التعبير الحرّ والتضييق على المنابر الإعلامية.

تأتي قرارات وزارة الاتصال، عقب أوامر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال اجتماع مجلس الوزراء بـ "ضرورة الإسراع في الوضع القانوني للقطاع السمعي البصري في الجزائر، وتسوية الوضعية المريبة للقنوات التلفزيونية العاملة في الجزائر".

وأكد بيان مجلس الوزراء على أن الرئيس تبون أسدى ملاحظات لوزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة بضرورة الإسراع في إصلاح الإطار التشريعي الخاص بالسمعي البصري، منها ما هو متعلّق بدفتر الشروط الذي ينظم اشتغال هذه القنوات، و"يؤطّر الالتزامات العامّة في مجال احترام الحريات الأساسية ومتطلّبات التّسيير الديمقراطي للمجتمع، والضّرورات التي تفرض المحافظة على الأمن العام، مع تنظيم استغلال خدمات البث الإذاعي والتلفزيوني".

الغلق أسهل من التأسيس

اللاّفت للانتباه، أن القنوات السمعية البصرية في الجزائر التابعة للقطاع الخاص، تعمل تحت ظلّ القانون الأجنبي، ويعزو ذلك إلى كونها قنوات أجنبية تنتظر استكمال إجراءات قانون الإعلام الخاص بالسمعي البصري الصادر في نيسان/أفريل 2014، إذ لم يتم البتّ في دفتر شروط طرق الحصول على التراخيص والاعتمادات لهذه القنوات.

مهنيًا، توقّع البروفيسور أحمد بن دريس أستاذ الإعلام والاتصال بجامعة وهران غرب الجزائر، غلق قنوات أخرى في الجزائر، إذ لفت إلى أنه سيتكرر معها سيناريو الصحافة الخاصة المكتوبة الخاصة في سنة 1999، إذ أرجع ذلك إلى "غياب ثقافة المؤسسة الإعلامية، وعدم الاعتماد على الكفاءات العلمية والإعلامية وأصحاب الخبرة في عملية تأسيس هذه القنوات، في محاولة الهروب إلى الأمام من خلال عدم تطبيق دفتر الشروط، وبالتالي عدم الامتثال للقانون والوثوق في الظروف السياسية (الاعتماد على أشخاص ذوي نفوذ)، وهذا في حد ذاته تجاوز غير محسوب العواقب.

وشرح الأستاذ بن دريس ذلك بالقول: "إن بعض القنوات لا تمتثِل لدفتر الشّروط وهي تبثّ من خارج الوطن وتتوجّه لجمهور جزائري، بل وتنتج برامجها من استوديوهات على التراب الجزائري، ولم تسع لتسوية وضعيتها القانونية والمالية رغم بعض التحذيرات التي تصدرها سلطة ضبط السمعي البصري من حين لآخر".

وفي ظل عدم امتثال أغلب القنوات إلى دفتر الشروط، حسب تصريح الأستاذ بن دريس، تساءل المتحدث قائلًا إن "المشكلة المطروحة الآن تتمثل فيمن يحمي حقوق المعلنين وحقوق العاملين بهذه القنوات؟".

كما يُحمِّل البعض، الإعلام الممارس في الجزائر أسباب "خرابه"، بعدما حاد عن وظائفه العضوية والجوهرية كحقّ إعلام الجمهور والتنمية والتوعية والمسؤولية الاجتماعية، وحرية الرأي، وغيرها من الوظائف الاجتماعية التي وجدت مع الإعلام، كما حادت بعض القنوات عن الالتزام بأخلاقيات المهنة، وهي انتقادات موجهة للقنوات الخاصة في الجزائر منذ ظهورها عقب ثورات الربيع العربي.

وفي هذا المضمار، وجهت أستاذة الاعلام والاتصال بجامعة قسنطينة ليلى بوفناية، انتقادات للممارسة الصحفية، قائلة إن بعض القنوات الخاصة لعبت دور الدعاية وليس الإعلام الحرّ وتقديم الخدمة العمومية في شقها الاجتماعي، وهو الموقف الذي تراه دور غالبًا ما يعاب على القنوات الخاصة في معظمها، إذ شكلت قنوات تعيد خطاب السلطة أحيانا أو ترويج للرواية الرسمية بعيدة عن الواقع، وهو ما جعلها حسب رأيها وسائل في يدها تفتحها متى تشاء وتغلقها متى تشاء، في ظلّ فوضى التأسيس والتسيير والمهنية الغائبة بسبب ضعف التكوين الميداني للصحفيين .

من جهتهم، يعتقد مهنيون في المجال الإعلامي، أن هذه القنوات ضحية فوضى إنشاء قنوات دون تأطير إجرائي وخطوط ناظمة لممارستها، إذ طالب الصحفي الهادي بن حملة بضرورة إعادة إنشاء "مجلس أعلى لمهنة الصحافة"، وتحديد قوانين تؤطّر المهنة وترسُم لها حدودها الأخلاقية، كما شدّد في إفادة له عقب قرارات الغلق والتعليق الذي طال عدد من القنوات الخاصة على أنه " يحلم بتطبيق أخلاقيات المهنة مثلما تعلّمها في التكوين الجامعي"، على حدّ تعبيره.

بعد الفوضى ..التضييق

سياسيًا، وجه البعض المسؤولية للسلطة في الجزائر عن الوضع الذي انتهت اليه القنوات الجزائرية، بغضّ النّظر عن المضامين والمعالجات الخاطئة أو المتسرّعة، إذ لفت الباحث في تخصص وسائل الاعلام والمجتمع، وليد منصاري، من جامعة باتنة شرق الجزائر، إلى أن "السلطة المسيرة لهذا القطاع، أبقت القنوات على هذا النحو من الفوضى الإدارية والوضعية القانونية".

وأفاد منصاري في حديث لـ "الترا جزائر" أن "هذا الخيار سلطوي متعمد وسياق مجحف كان يهدف الى إبقاء القنوات تحت رحمة السلطة ومنعها من أي خروج عن الخط العام وتوظيفها بالطريقة التي تخدم السلطة".

من جهتها، أكدت الصحافية نبيلة بن عامر، أن النصوص التشريعية المنقوصة هي من أكبر التحديات التي يواجهها الإعلام الجزائري، مشددة في حديث لـ" الترا جزائر" أن تقنين السمعي البصري، من شأنه أن يفسح الفضاء العام على حرية التعبير الذي لازال في محطة المدّ والجزر باعتبار هذه القنوات مكاتب اجنبية تمارس المهنة داخل الجزائر.

إغلاق قناة من وجهة نظر الإعلامية حسينة بن الشيخ هو "إضرار بحرية الإعلام التي يكفلها الدستور والقانون"، فرغم الانتقادات للمضامين التي تبثها هذه القنوات إلا أن "الغلق هو إضرار بعدد كبير من المهنيين من الصحفيين والتقيين والعاملين في هذه القنوات الخاصة".

الصحافة الخاصة 

في إطلالة للوراء، وبالضبط لعام 2001، وفي فورة وصول الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة للحكم، تم توقيف 21 صحيفة عن الصدور، فضلًا عن ملاحقة عشرات الصحافيين، فهل نحن نشهد نفس المشهد مع تغيّر الظّروف والمحامل بين صحافة مكتوبة وإعلام سمعي بصري؟

 الإعلام الجزائري تشكّل عبر مخاض عسير في بداية تسعينيات القرن الماضي

الثّابت أن الإعلام الجزائري تشكّل عبر مخاض عسير في بداية تسعينيات القرن الماضي، إذ لم تسمح له الظروف في تكوين أطواره بسبب الأوضاع السياسية التي عاشتها البلاد آنذاك، في بيئة لم توفّر أسس الممارسة المهنية الواضحة المعالم، رغم ترسانة القوانين التي أفرزتها قوانين الإعلام، ليبقى يشتغل في غموض مهني وضبابية المخرجات الإعلامية إلى حين.