27-نوفمبر-2019

عبد العزيز بلعيد، علي بن فليس، عبد المجيد تبون، عبد القادر بن قرينة، عز الدين ميهوبي (أ.ف.ب)

قد تختلف مضامين البرامج الانتخابية التي يُحاول مرشّحو الرئاسيات إقناع الجزائريين بها، وقد تختلف الآليات والإستراتيجيات أيضًا، لكن قد نجد لهم نقطة وحيدة مشتركة وكأنّه قد تم المصادقة عليها بالإجماع، وهي أن الحديث عن العلاقات الفرنسية الجزائرية، يكاد يكون الموضوع الوحيد الذي تطّرق له المترشّحون في كلامهم عن السياسة الخارجية التي ستنتهجها الجزائر في حال وصولهم لكرسي الحكم. إنّها أيضًا أحد المواضيع التي تتكرّر في كل مرةّ، لدرجة أنّها باتت برنامجًا انتخابيًا قائمًا في حدّ ذاته، وجَب على المرشّحين أن يحسنوا استخدامه لاستمالة المنتخبين. إنها العلاقة مع المستعمر القديم، والدولة الأوروبية المترامية المصالح في الجزائر والقارّة الأفريقية.

مرشّح الرئاسيات عبد المجيد تبون نصح فرنسا بحلّ مشاكل السترات الصفراء أوّلًا

تبّون يقرع الطبول

قد يكون عبد المجيد تبّون، الوزير الأوّل الأسبق أوّل من تطرّق إلى نقطة التعامل مع الدولة الفرنسية في حال انتخابه رئيسًا، وهو الذي تمّت تنحيته بعد لقائه مع الوزير الأوّل الفرنسي، لكن الظاهر أنّ وزير السكن الأسبق وقع في تناقضات جمّة في خضمّ حديثه عن ذلك، أو ربّما اختلطت عليه الأمور ولم يحسن إيصال رسالته حين قال إن "وزير الخارجية الفرنسي يُحاول الزجّ بنفسه في الشأن الجزائري، لكنّني لا أتّهم فرنسا الرسمية بذلك"، ونصح تبّون الدولة الفرنسية بحلّ مشاكل السترات الصفراء أوّلًا في حديث للإذاعة الوطنية.

اقرأ/ي أيضًا: رسميًا.. مناظرات تلفزيونية لمرشّحي الرئاسة يوم 7 ديسمبر المقبل

تبّون عرّج أيضًا على العداء التاريخي بين البلدين حين قال أنّ بين الجزائر وفرنسا أزيد من خمسة ملايين و630 ألف شهيد، كما أنّه وصف ما تقوم به فرنسا من أجل الحفاظ على مصالحها ونفوذها في الجزائر بـ"التخلاط" وهي كلمة مرادفة للمؤامرة وافتعال الأزمات والمناورة، مؤكدًا أنّ إجراءات اقتصادية ستمنع الشركات الفرنسية من الحصول على مزايا غير مستحقة مستقبلًا، مصرّحًا أنّه لن يترك شركة "توتال" الفرنسية تتنعّم بربع النفط الجزائري، تصريحات غير مسبوقة من مرشّح للرئاسة قد تكون استدراكًا للظهور الإعلامي الأوّل لتبّون، حين أظهر ودًا لفرنسا بوصفها قوة عظمى، ودولة ضرورية جدًا للجزائر، تناقضات كانت محلّ تساؤلات كثيرة، خاصّة أنّه في ذلك الحين كان مدير حملته دبلوماسيًا مرموقًا ملمّا بأعراف التعامل مع الدول.

دفاتر التاريخ 

من جهته، يؤكد وزير الثقافة السابق والمرشّح للرئاسيات عزالدين ميهوبي ، أنّ الجزائر بلد سيّد وفرنسا كذلك، وسيتمّ التعامل معها وفق هذا المنظور وبما تقتضيه الأعراف المتعامل بها عالميًا، لكن ذلك لا يعني أبدًا بحسبه نسيان الماضي الأليم للشعب الجزائري الذي انتصر على فرنسا، ملمّحا أنّ المنتصر لا ينتظر أيّ اعتراف من المنهزم، معتقدًا أنّ كتابات الجنرالات الفرنسية عن ثورة التحرير تعتبر اعترافًا كافيًا بما اقترفته فرنسا في حقّ الجزائريين، متسائلًا" ماذا سيتغير إن اعترفت فرنسا بجرائمها في حقّ الشعب الجزائري؟ التاريخ لن يمحى بممحاة"، كمّا صرّح ميهوبي في عدّة تجمّعات أنّه سيسعى لاسترجاع جزءٍ كبير من أرشيف الثورة، وكذا جماجم الشهداء المعروضة بشكلٍ مذلّ في المتاحف الفرنسية.

من جهته تناول علي بن فليس طبيعة العلاقة التي ستكون مع فرنسا في حال وصوله إلى قصر المرادية، وهو ابن الشهيد الذي حرمته فرنسا من والده إبان ثورة التحرير، مركّزًا على الجانب التاريخي في الموضوع، فخلال تجمّع شعبي في ولاية سوق أهراس خلال اليوم الثاني للحملة، قال بن فليس إنه "لا يمكن نسيان التاريخ الأسود لفرنسا ولا يُمكن محوه أبدًا من الأذهان"، مذكّرا أنّه سبق أن نشر كتابًا عن والده وأخيه الشهيدين، مع أفراد آخرين من عائلته.

وشدّد بن فليس على ضرورة تقديم فرنسا لاعتذار رسمي عن جرائمها في الجزائر، متعهدًا أنّه سيعيد العلاقات الجزائرية الفرنسية إلى مستواها، علاقات ستكون مبنية على المصلحة المشتركة، موضّحًا أنّه ليس من العيب أن تدافع فرنسا على مصالحها في الجزائر قائلًا "الذنب ليس ذنبها، الذنب من أراد أن يجعل منا تابعين لها" محمّلا المسؤولية للسلطة التي كانت تقود البلاد في المرحلة السابقة.

ندّية وعلاقة مصالح

أمّا رئيس جبهة المستقبل عبد العزيز بلعيد، فيعتقد أنّه يملك تصورًا مغايرًا لعلاقة الجزائر مع فرنسا. تصوّرٌ مبني على أسس واضحة، هي التعامل بالمثل، المصلحة المشتركة وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية، فالمترشّح الذي يُعتبر من مواليد الاستقلال كما يصف نفسه، يرى أنّ بين الجزائر علاقات تاريخية وثقافية كبيرة لا يمكن نكرانها، كما أنّ فرنسا تعتبر وطنًا لإقامة لملايين الجزائريين، فانطلاقًا من ذلك حسب رأيه، كانت لفرنسا مكانة مميّزة في السياسة الخارجية للجزائر، ولكن ذلك لا يطمس حقيقة أنّ الجزائر دفعت ضريبة باهضة كي تصبح دولة مستقلة، وفرنسا لن تتعامل مع الجزائر وكأنها كورسيكا أو جزر ما وراء البحار التابعة لها.

من جهته، خاض المترشّح عبد القادر بن قرينة في مسألة التعامل مع فرنسا، وردّد في خطاباته ما يشبه التصريحات الرسمية، بقوله "إن جزائر ما بعد الحراك لا تقبل إلا بالمعاملة بالمثل والنديّة"، فمرشّح الرئاسيات، يرى أنّ فرنسا دولة محورية في أوروبا والجزائر دولة محورية في شمال إفريقيا والمتوسّط والعلاقة ستكون حسب هذه المعطيات، بيما كان أكثر جرأة في حديث له أثناء تجمّع شعبي في ولاية بومرداس حين قال "فرنسا لها شعب واحد ولغة واحدة، ولها أيضًا سلطة ومعارضة خطة سياسية وأمنية، ويريدون في الجزائر خلق دولتين"، داعيًا في الوقت نفسه إلى طيّ الملفات العالقة كي تعود العلاقات عادية مثلها مثل العلاقة مع دول أخرى.

الخطاب الشعبوي

يصف زين العابدين غبّولي، وهو باحث جزائري بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، أنّ خطاب المرشّحين للرئاسيات ومحاولة إظهارهم لعداء واضح مع فرنسا وتوجّههم لتقويض مصالحها  بالشعبوي والمضرّ بالمصالح الجزائرية على المستوى الدولي، يخلق عداوات مع أطراف حيوية للجزائر، مشيرًا إلى أن "الخطاب الحالي لا يقدّم تصوّرًا واضحًا للسياسة الخارجية الجزائرية ولا بالنسبة لتحالفاتنا الحالية ولا حتى بالنسبة لمنطقة وعالم تغيّرا بصفة كبيرة. إضافة أنّه لا توجد نظرة استشرافية لموقع الجزائر وأهميّتها والدور الذي يفترض بها أن تلعبه في المنطقة، فخطاب المترشّحين عاطفي ويفتقد للبراغماتية والميكانيزمات الواضحة".

ويجزم غبّولي أن العلاقة مع فرنسا ورقة أجمعت عليها القيادة الحالية للبلد والنظام منذ الاستقلال، وما استعمالها اليوم من طرف المرشّحين إلا مواصلة في نهج قديم للسلطة الجزائرية لخلق عدّوٍ خارجي للجزائريين ومنعهم من التفكير في الذين تسبّبوا حقيقة في المشاكل التي تعيشها الجزائر، على حدّ تعبيره.

زين العابدين غبولي: هناك مبالغة في استعمال فرنساللتغطية على نقاط ضعف المرشّحين

يختم المتحدّث " بطبيعة الحال، يدرك المرشحّون أن بين الجزائر وفرنسا تاريخًا مثقلًا بأحداث لا يمكن تجاوزها بسهولة إلا أن هناك مبالغة، عن قصد، في استعمال فرنسا كمصطبة للخطاب الشعبوي وذلك للتغطية على نقاط ضعف المرشّحين".

 

اقرأ/ي أيضًا:

الانتخابات الجزائرية.. تغذّية الانتماءات القبلية والخضوع لسطوتها!

سؤال الإعلام في الانتخابات التشريعية في الجزائر