تطوّرت الأحداث في الأيّام الماضية، منذ ظهور فيروس كورونا في مدينة ووهان الصينية، حيث سقط الآلاف من الضحايا، وعلّقت الرحلات الجوّية بين الدول، وحظرت أماكن التجمعات العامّة، وتحوّل كورونا إلى أخطر الفيروسات التاجية، التي شكلت مصدرهلع ورعب كبيرين في كل أنحاء العالم، ومع أن فيروس كورونا كوفيد-19، لم يصل بعد إلى نسبة ولو قليلة من الوفيات التي سبّبتها بعض الأوبئة عبر التاريخ، كالطاعون الأسود ،الذي اجتاح أوروبا بين 1347و 1352، و الإنفلونزا الإسبانية، إلا أنه أصبح الفزاعة المرعبة التي يلوّح بها الجميع وفي كل دول العالم، في حين انتشرت نوبات من الهوس بالفايروس مع تهويل غير مسبوق.
يُجمع مختصّون، أن هناك العديد من الأنواع المختلفة من فيروس كورونا وهي شائعة جدًا
بين التهاون واستعراض العضلات
عمدت مختلف الدول في العالم، إلى استعراض مدى قدراتها على مواجهة هذا الفيروس، الذي لم يتم بعد إيجاد لقاح ناجع يوقف انتشاره، فتباينت الاحترازات بين الجدّية والتهاون، والكذب والتضخيم تارة، وإنكار وجود الحالات المصابة تارة أخرى.
اقرأ/ي أيضًا: القبض على الهارب من "كورونا" بمستغانم و20 حالة مؤكدة
عملت الدول التي تتوفّر على إمكانيات الوقاية، على اتخاذ كل الإجراءات الاحترازية لمنع انتشار الفيروس، عبر تعطيل المدارس ومناسك العمرة، والسفر عمومًا، والصلاة في المساجد كما حصل في إيران، إضافة إلى تعقيم الأماكن العمومية ومنع التجمعات، عبر تأجيل العروض الثقافية ومباريات كرة القدم أيضًا، إضافة إلى حملات التوعية المنتشرة عبر وسائل الإعلام والوزارات الوصية.
في حين ما تزال دول أخرى تقبع في بؤر الشكّ والريبة والإنكار، وراحت أخرى تتخذ إجراءات عقيمة تارة ومتباطئة تارة أخرى، لمواجهة هذا الفيروس، ومع أن النتائج تقضي بأن نحو 80% من المصابين بالفيروس قد يتعافون دون الحاجة إلى علاج خاصّ، إلا أن الحالات التي تتفاوت أعدادها عبر العالم، تستحقّ العناية والتركيز والعمل على الحدّ من تفشيها. فأين تتموقع الجزائر من كل هذا؟
المستشفيات غير جاهزة
بين الإشاعة والحقيقة، يتأرجح شبح كورونا في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر، ويتداول روّاد فيسبوك وتويتر أخبار انتشاره ومخاطره كلٌّ حسب هواه، ومع تزايد الإشاعات والأخبار المتضاربة حول الحالات وانتشار الفيروس، وصلت نسبة الإصابات المؤكدة المعلن عنها رسميًا إلى حد الآن، إلى 27 إصابة أغلبها في ولاية البليدة، حيث سجلت 17 حالة من عائلة واحدة.
في السياق ذاته، اعترف وزير الصحّة والسكان وإصلاح المستشفيات عبد الرحمن بن بوزيد، في تصريح للإذاعة الجزائرية، أن "مستشفى بوفاريك الذي استقبل عددًا من المصابين بفيروس كورونا مؤخرًا قديم، وأن القسم المخصّص للحجر الصحّي لم يكن جاهزًا، في إشارة منه، إلى عدم جاهزية المستشفيات الجزائرية للتعامل مع هذا النوع من الفيروسات، وأكّد الوزير أنه قد تم تجهيز جناحين لاستقبال المصابين بالمستشفى، كما أعطى تعليمات لكل المستشفيات عبر الوطن لتوفير أجنحة مجهّزة لاستقبال المصابين.
وجوب تحديد الحالات
من جهته، أكد المدير العام للوقاية في وزارة الصحة، جمال فورار، خلال ندوة صحافية حول تطوّر وجود الفيروس في الجزائر، أنه من المهم جدًا تحديد طبيعة الحالات، إذا ما كان الأمر يتعلّق بالإنفلونزا الموسمية أو بفيروس كورونا، حيث أن أعراض هذين المرضين متشابهة كثيرًا.
أشار جمال فورار أيضًا، إلى ضرورة حرص المواطنين على "إجراءات النظافة"، كما شدّد على "المتابعة المنتظمة" للمسافرين القادمين من الخارج، على مستوى مراكز المراقبة الحدودية، سواءً كانت برّية أو جوية أو بحرية.
وأضاف فورار، أنّ "اليقظة ضرورية على جميع المستويات"، موصيًا باستعمال اللقاحات المضادّة للزكام والتي تبقى "مجانية" حسبه.
طبيعة الفيروس
يُجمع مختصّون، أن هناك العديد من الأنواع المختلفة من فيروس كورونا وهي شائعة جدًا، ولكن هذا النوع تحديدًا من الفيروس التاجي، الذي انتشر مؤخرًا يعدّ متحورًا، أيّ أنه يتغير خلال حياته رغم أنه لا ينقل هذا التغير إلى غيره من الفيروسات.
ويقول باحثون، أن الخيط المشترك مع أنواع مختلفة من فيروس كورونا، هو تركيزها على مهاجمة الرئتين، ومن الضروري معرفة أن هذا الفيروس لا يكون بالضرورة كائنا حيًا، إلا أنه يعيش عبر الاستحواذ على خلايا حيّة، كونه طفيلي يسطو على سلسلة DNA من الخلايا، ومن ثمَّ يعمل على استنساخ نفسه بسرعة فائقة، وهو يستولي على كل شيء مفيد في الجسم، ولا يمنحه مقابلًا عكس ما تفعله البكتيريا.
وحسب الخبراء، فإن عدوى فيروس الإنفلونزا، تعتمد بشكل كبير على الجلوكوز الخلوي (السكر في الخلية)، حيث أظهرت الأبحاث أن زيادة معدل الإصابة بالإنفلونزا، يرتبط وثيقًا بزيادة نسبة الغلوكوز في الجسم، وهو ما يشكّك فيه العلماء، الذين يرجّحون ارتباط ارتفاع الإصابة بفيروس كورونا عند الأشخاص المصابين بمرض السكري.
في السياق ذاته، يرجّح الأطباء والباحثون، ارتباط عددٍ هائل من الفيروسات بالبيئة المفعمة بالجلوكوز، بما فيها فيروس كورونا، لهذا فإن ما يسمّى بالكيتونات قد تكون مفيدة جدًا لدعم الجهاز المناعي، وإذا جمعنا بين "نظام الكيتو" والصيام المتقطّع، فإن ذلك قد يساعد الجسم على انتهاج الالتهام الذاتي الذي يساعده على التخلّص من شتى الميكروبات والبكتيريا والفيروسات والطفيليات، إضافة إلى العمل على زيادة الخلايا الجذعية، التي تساهم في تطوير نظام المناعة وتقويته.
كيف ينتقل كورونا؟
في حديث إلى "الترا جزائر"، قال الطبيب شوقي بولدروع، إن فيروس كورونا ينتقل غالبًا عبر الهواء مثله مثل أي فيروس مسبب للزكام، ويزيد خطر الإصابة به، عبر الإفرازات التي يسببها السعال والعطس في الأماكن المغلقة وعلى الأسطح، وهذا ما يوجب حسبه ارتداء القناع الواقي للوقاية من التقاطه والإصابة به، إضافة إلى غسل اليدين وتعقيمهما بالمطهّر الكحولي.
ويمكن حسب المتحدّث، أن يبقى هذا الفيروس لمدةّ 14 يومًا دون التسبب بأية أعراض على الشخص المصاب به، وقد يستغرق أيضًا مدّة أطول دون أن يشعر حامله بأي تعب أو مرض.
وأضاف الدكتور بولدروع، أن أعراض الإصابة بفيروس كورونا تتراوح بين الآلام المبرحة في الرأس والسعال القويّ، وفي الحالات المتقدّمة، قد يصل المصاب إلى ضيق في التنفس.
أما عن الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بهذا الفيروس، فيقول المتحدث إنهم غالبًا يكونون من أصحاب الأمراض المزمنة، السنون، مرضى السكري خصوصًا، والنساء الحوامل.. إلخ.
إجراءات الوقاية
تجدر الإشارة، إلى أن النقابة الجزائرية للصيادلة الخواص، أطلقت حملة تحسيسية بالتعاون مع الاتحاد الوطني للمتعاملين في الصيدلة، للتوعية بمخاطر فيروس كورونا وكيفية الوقاية منه، عبر توزيع مناشير وقائية ومطويات في مختلف الصيدليات عبر التراب الوطني.
في هذا الصدد، ينصح الأطباء والمختصّون للوقاية من الإصابة بفيروس كورونا، بالعمل على المحافظة على نظام المناعة في أجسامنا، وتقويته من خلال طريق تناول فيتامين (د) والزنك، والتعرّض لأشعة الشمس، وينصح هؤلاء الأشخاص المتواجدين في المناطق المعروضة للفيروس، بارتداء الأقنعة الواقعية وغسل اليدين بالماء والصابون جيّدًا وبصفة منتظمة، والتطهير بالمطهرات الفعالة خاصّة الكحولية منها، كما يعد اتباع نظام غدائي صحّي كنظام الكيتو، إضافة إلى اتباع طريقة الصيام العكسي أو المتقطع، وسيلة ناجعة أيضًا للوقاية من الفيروس، لأن ذلك يساعدنا على تقوية مناعة الجسم.
بين الحجر والعزل
يخلط الكثير من الناس بين عمليات الحجر والعزل، إذ يطبق الحجر الصحّي، على جميع الأشخاص الذين تعرّضوا لمسببات الأمراض المعدية، لتتأكد إصابتهم من عدمها، وللحرص على عدم احتكاكهم بالآخرين، حيث يلازمون منازلهم أو المستشفى، في حين أن العزل يكون أكثر حرصًا ومتابعة، حيث يخص فقط المصابين بالفيروس، إذ يُعزل المصاب في غرفة خاصّة، في منشآت خاصة بالعزل الصحّي، ويتم التعامل معه بكلّ إجراءات الوقاية، من كمامات وبدلات واقية.
الإشاعة الأخطر من الفيروس
يبدو أن الإشاعة والأخبار المغلوطة، هي سيدة الموقف منذ عدّة أيام، وهذا ما زاد من حجم الخوف والهلع بين الناس، من المؤكد أن فيروس كورونا من أخطر أنواع الفيروسات التاجية التي قد تواجهنا، لكنه لا يعد أيضًا بمثابة ذلك المرض الفتاك بالبشر.
وبما أن المؤسّسات والمنظمات المعنية بالحديث عن انتشار الفيروس والوقاية منه، تعمل على مدار الساعة، على نشر كل المستجدات والنصائح والتعليمات للوقاية والعلاج، لا يجب بتاتًا الانسياق خلف كل ما تنشره المواقع غير موثوقة المصادر، إذ أن هذا يزيد من نسبة الذعر والتوتّر والمرض أيضًا، فحسب مقال منشور في موقع ساينس دايركت في شبّاط/فيفري الماضي، قالت دراسة أجرتها المؤسسة الوطنية البريطانية للصحّة، إن الأخبار المغلوطة والشائعات، التي تنتشر بالتوقيت مع حالات الطوارئ التي تحدثها الأوبئة، تساهم بشكلٍ كبير في زيادة نسب انتشارها.
ويُرجّح السبب حسب الدراسة، إلى انعدام ثقة المواطنين في حكوماتهم ورعاة الصحّة في بلدانهم، بسبب الانتشار المجهول لتلك المغالطات المعلوماتية.
يجب الابتعاد عن الضغوط النفسية التي تحدثها قنوات ومواقع الأخبار، التي تحاول تضخيم مثل هذه الأوبئة
لهذا، من الضروري جدًا على الفرد، أن يتبع بذكاءٍ مصادره، وأن يلتزم بقواعد النظافة والوقاية المتعارف عليها، وعدم الانسياق خلف تلك الحملات الإعلامية المسعورة، التي تُحاول صنع أكبر عدد من المشاهدات، على حساب أعصاب الناس وصحّتهم، وبالنهاية يجب أيضًا الابتعاد عن الضغوط النفسية التي تحدثها قنوات ومواقع الأخبار، التي تحاول تضخيم مثل هذه الأوبئة، لأنّ الضغط النفسي يقلّل المناعة أيضًا ويزيد نسبة التوتر، وقد يصيبنا بأمراض لا تقلّ خطرًا عن كورونا.
اقرأ/ي أيضًا:
طوارئ.. هروب حالتين حاملين لفيروس كورونا من مستشفى بوفاريك
الجزائر تكتشف دواء كورونا.. بوناطيرو في مخبر الانتقادات مجدّدًا