شرخ كبير بين نواب البرلمان الجزائري والمواطن الذي انتخبهم ليمثلوه في الجهاز التشريعي، هذا هو الحال في الجزائر. الهوة توسعت بين الطرفين مع مرور السنوات الخمس وزادت اتساعًا أمام إهمال ممثلي الشعب لكبرى القضايا التي تخص الشارع الجزائري، ليسبح النواب في واد والمواطن في واد آخر.
شرخ كبير بين نواب البرلمان الجزائري والمواطن الذي انتخبهم ليمثلوه في الجهاز نظرًا لإهمالهم لكبرى القضايا التي تخص الشارع الجزائري
طرح المتتبعون للشأن السياسي في الجزائر مؤخرًا قضية قنوات التواصل والاتصال بين النواب المنتخبين والمواطن وخصوصًا في المحافظات، وتساءلوا حول كيفية تفعيل هذا الاتصال. يذكر أن الأمم المتحدة مولت مشروعًا لـ"دعم الديمقراطية التشاركية في الجزائر من خلال تشجيع النواب وتمويل فتحهم للمداومات النيابية في محافظاتهم"، وكان هدف المشروع تسهيل تواصلهم مع المواطنين والتقرب منهم وسماع انشغالاتهم والبحث عن حلول لمشاكلهم وتحقيق تطلعاتهم.
اقرأ/ي أيضًا: الجزائر.. تعديلات وزارية ضد تيار المعارضة
لكن على أرض الواقع، قليلون هم النواب الذين نفذوا المشروع، وأقبلوا على فتح "مداومات" لاستقبال المواطنين وتلقي شكاواهم، ليشهد المشروع في نظر الكثيرين "إخفاقًا كبيرًا"، يعكس حالة القطيعة بين الأحزاب السياسية في الجزائر والمواطن، وتتجلى هذه القطيعة واضحة في نسب المقاطعة الكبيرة في الانتخابات التشريعية في 2012 والتي بلغت حدود الـ 53 %.
مصطلح "المداومة" يعني أن يلتزم النائب في البرلمان الجزائري بتوفير مكتب يستقبل فيه المواطنين لسماع مشاغلهم، ويكون المكتب خارج المجلس وعادة في المنطقة التي انتخبه سكانها، ويلتزم النائب بتحديد مواعيد محددة للقاء المواطنين. و"المداومة، منبر مفتوح ومكان يلتقي فيه النائب بالشعب خصوصًا في المدن الداخلية البعيدة عن العاصمة". كما أنها تسهل التواصل بين الجانبين وتخفف عن المواطن عناء البحث عن من يسمع شكاواه، وهي من أبواب العمل النيابي، فلا يمكن لأعضاء البرلمان أن يطرحوا أي قضية تهم الشارع الجزائري دون الاحتكاك بمنتخبيهم وسماع آرائهم ونقل انشغالاتهم للبرلمان الذي من حقه مساءلة أعضاء الحكومة.
كما أن 7% فقط من نواب البرلمان يمتثلون إلى العمل النيابي السلس والمفتوح على منبر الشعب، وأغلب النواب يسمعون مشاكل منتخبيهم من خلال ما تنشره وسائل الإعلام أو عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي وهذه الأخيرة غير متاحة لعامة الناس. وفي هذا السياق، يقول يوسف خبابة، النائب عن حركة النهضة الجزائرية، لـ"الترا صوت" إن "النائب يجد صعوبة في التوفر لمتابعة الاحتياجات الكثيرة للمواطنين".
كما تأسف خبابة من ما اعتبره "فشل الإدارة الجزائرية في التعامل مع مشاغل المواطنين والذي انجر عنه عديد المشاكل، وهو ما يتحمله النائب المنتخب كممثل للشعب"، مضيفًا أن "البيئة القانونية والمتعلقة بالصلاحيات المحدودة للبرلمان وللنواب في مقابل تغول الجهاز التنفيذي لا تسمح بصناعة قصص النجاح البرلمانية". وعن فعالية "المداومة" في ربط النواب بالمنتخبين، يقول المتحدث إنها "ليست وسيلة فعالة وناجحة للتواصل الحقيقي مع الشعب لارتباطها أكبر بالقضايا الفردية وليست العامة".
يرى البعض أن "المداومة" ليست وسيلة فعالة وناجحة للتواصل الحقيقي مع الشعب لارتباطها أكبر بالقضايا الفردية وليست العامة
اقرأ/ي أيضًا: إلغاء التقاعد المبكر يقلق عمال الجزائر
في المقابل، ذهب النائب عن حركة مجتمع السلم ناصر حمدادوش إلى اعتبار المداومة "بدعة سياسية"، مضيفًا أنه "من المفترض أن يوفر البرلمان كل الوسائل التي تساعد النواب على أداء مهامهم، لكن ما نقوم به من فتح المداومات فلا يوجد سند قانوني له، ولا مساعدة في استئجار المقرات ولا في توظيف مساعدين".
ويرى نواب آخرون أن "مهمة النواب الأساسية رقابية وتشريعية"، وأن البعض يخطئ في تحديد مهام النواب ويظن أنهم في مناصب تنفيذية ويؤكدون أن أغلب مطالب المواطنين التي تصلهم شخصية كطلب سكن، توظيف، مال، أو تدخل في قضايا معينة، ولا تدخل في صلب إمكاناتهم وصلاحياتهم.
البعض الآخر يزيح الغطاء عن علاقة متشنجة بين النواب والشعب بل هي أشبه بـ"قطيعة" بين الطرفين. عن ذلك، يتحدث الإعلامي سمير ملزي لـ"الترا صوت": "اللافت، في الجزائر، أن المواطن لا يثق في نواب الشعب، بل يصفونهم بعدة أوصاف سيئة ومن بينها عبدة الكرسي ومجلس رافعي الأيادي، كوصف لحال أعضاء البرلمان نظرًا لقبولهم للقوانين دون عناء والاكتفاء برفع اليد فقط، فيما يتهم الكثيرون النواب بأنهم أصحاب "الشكارة"، أي أصحاب المال والأعمال، وغيرها من الأوصاف التي تبين الثغرة بين النواب والشعب ومدى عمقها".
يضيف الإعلامي ملزي: "النظرة اللصيقة في أذهان الجزائريين هي أن أغلب الأحزاب تهتم بشؤون المواطن فقط خلال فترة الحملات الانتخابية وتقدم له الوعود بحل مشاكله اليومية من أجل استقطاب الأصوات وتنتهي صلاحية المواطن عند إعلان الفوز ودخول مقر البرلمان".
اقرأ/ي أيضًا: