21-فبراير-2022

(تصوير: فاروق باتيش/ الأناضول)

تحيي الجزائر في يوم الـ 22 من شهر شبّاط/فيفري الجاري الذكرة الثالثة للحراك الشعبي، كإحدى المحطات المفصلية في تاريخ الجزائر السياسي منذ التعددية الحزبية في البلاد.

تُثار أسئلة كثيرة كلّما عاد الحديث عن الحراك الشعبي في الجزائر إلى الواجهة، أهمّها هل حقّق الحراك الجزائري كل أهدافه؟ 

في ذلك اليوم، خرج الآلاف في ذلك اليوم في مظاهرات ومسيرات عبر مختلف ولايات الوطن، مطالبين بعدم ترشح الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة بعد عقدين من الحكم، وهو ما أدى إلى استقالته في النهاية ومحاكمة كثير من وزراء حكومته ورجال الأعمال المحيط به.

اقرأ/ي أيضًا: الذكرى الثانية للحراك الشعبي .. معركة الحريات مستمرّة

تُثار أسئلة كثيرة كلّما عاد الحديث عن الحراك الشعبي في الجزائر إلى الواجهة، أهمّها هل حقّق الحراك الجزائري كل أهدافه؟ وهل سيعود الحراك الذي رفع شعارات في أولى أيامه للمطالبة برحيل الرئيس السابق؟ من استفاد من الحراك الشعبي السلطة أم الشعب؟ خاصة وأنّه أصبح يحظى باحتفاء رسميٍ وشعبيٍ معًا، فمن جهة تتبنى السلطة هذا الحراك في الخطابات الرسمية وتؤكّد تحقيقه لجميع أهدافه وخصّصت له يومًا وطنيًا، ومن جهة أخرى تتمسك فئات شعبية واسعة بضرورة استمراره لتحقيق الأهداف التي خرج من أجلها وعلى رأسها تغيير النظام.

تأريخًا لتلك اللحظة، أدت الاحتجاجات خلال الأسابيع الأولى إلى تأجيل موعد الانتخابات الرئاسية التي كانت مقرّرة في الرابع نيسان/أفريل 2019، ثمّ إعلان استقالة الرئيس  قبل انتهاء عهدته الرئاسية الرابعة بأقل من أسبوعين، استجابة لدعوات جماهيرية رفضت بقاءه في الحكم.

محطات ومسار طويل

استمرّ الحراك الشعبي لأكثر من سنة كاملة تخللته انتخابات الرئاسة في الـ 12 من شهر كانون الأول/ديسمبر 2019، واستمر كلّ يومي جمعة وثلاثاء بشعارات تطالب بالتغيير والمزيد من الحريات وإطلاق سراح الناشطين السياسيين، في المقابل اعترف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بالحراك بإقرار هذا التاريخ يومًا وطنيًا تحييه الجزائر وتقام فيه الاحتفالات عبر كامل تراب الجمهورية.

سياسيًا، قطع الحراك الشعبي، عهد الانفراد بالحكم من طرف الرئيس الراحل الذي تربع على عرش الرئاسة لفترة عقدين، أساسها تقويض قواعد اللعبة السياسية التي كرست الحكم الفردي، رغم واجهة التعددية الحزبية والتعددية البرلمانية والتعددية في المجالس المحلية، غير أن المجال لم يكن يسمح ببروز فاعلين سياسيين جدد.

عقب انتخابات الرئاسة طرح الرئيس تبون، ثم إطلاق مشاورات تعديل الدستور، وبعدها الاستفتاء الشعبي على الوثيقة الرسمية له في حزيران/جوان 2020، إذ يعدّ الدستور الجديد الضامن "للتعددية الحزبية والتداول على السلطة وإرساء سلطة نابعة عن انتخابات حرّة ومباشرة ونزيهة وعادلة".

وإضافة إلى ذلك، فتح الرئيس منذ توليه العهدة الرئاسية الأولى المجال الجمعوي للشباب وفرض تشبيب القوائم الانتخابية في الانتخابات التشريعية ثم المحلية تباعًا في العام 2021. 

البناء يحتاج الوقت

رغم الانتقادات التي طفت إلى السطح، بعد ثلاث سنوات من الحراك الشعبي، يقرّ متابعون للشأن السياسي أن الجزائر قطعت شوطًا مخالفًا لما كان عليه قبل الحراك، إذ حرر الشعب في الشارع من جهة، وممارسة تجربة سياسية جديدة من جهة أخرى، ولكن الملفِتذ للانتباه أن هذه المحطات السياسية كتجربة أعقبت رفض العهدة الخامسة وفرض خيارات الشارع، تأتي في إطار تحرير الفعل السياسي والاجتماعي ومحاولة الإبقاء على استقرار البلاد.

هنا، ترى الأستاذة سمية بن حمودة من كلية الحقوق بجامعة قسنطينة شرق الجزائر، أن الحراك الشعبي بكلّ توجهاته وفئاته هو "ثمرة الظّلم واللاعدالة" التي عاشها الجزائريون خلال عقدين من التسلّط، والولاءات في فترة حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة".

ولفتت الأستاذة في تصريح لـ "الترا جزائر" أن خروج الجزائريين للشارع كان أساسه فرض شعار "لا لعهدة رئاسية خامسة" مطالبة برحيل الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، غير أن الحراك والمظاهرات عرفت الكثير من الأفكار السياسية والاجتماعية، وصدحت الحناجر كلّ بمطالبه".

وفي تصوّرها بعد مضي ثلاثة أعوام حول الذكرى قالت المتحدّثة إن الفكرة ليست فيمن خرج؟ ومن هم؟ وماهي الفئات التي خرجت للشارع؟ وأنت مع من وضد من؟، الفكرة هي التغيير، هي أنّ استفاقة الشعب ليست فجأة أو فجائية بل هي استفاقة نحو التحولات والتغيير المنشود الذي برأيها "لا يمكن أن يحدث في فترة أشهر أو سنوات قليلة بل هو مبدأ وخطة طريق تسعى لوضع مسارات ومؤسسات البناء الديمقراطي وضمان استقرار البلاد وأمنها وتحريك عجلة الاقتصاد والاستثمار".

رغبة التّغيير العميقة

وعلى خلاف ما سبق، يعتقد البعض أن فكرة الحراك مازالت قائمة ولم تنته بعد، إذ فرضت الأزمة الصحية توقيف المسيرات اضطراريًا لكن مطالب الحراكيين مازالت لم تتحقق بعد، وإمكانية عودة الحراك الشارع مازالت قائمة إلى اليوم.

في هذا المنحى، اعتبر الإعلامي مروان الوناس، أن الحراك كما يصفه الكثيرون "فكرة والفكرة لا تموت"، مستطردًا في حديث إلى "الترا جزائر"، أن التوقف الاضطراري للتظاهرات والمسيرات والاحتجاجات إنما فرضته أولا حملة القمع الواسعة ضد كل النّشطاء والمعارضين التي تنتهجها السلطات منذ أكثر من سنتين وبتصعيد مضطرد، وليس بسبب يقين الشارع أن مطالب الحراك قد تم تلبيتها".

وأضاف في هذا الصدد أن "ما تبقّى من الحراك هي الفكرة والرغبة في التغيير الحقيقي والجذري للأوضاع وليس مجرّد خطابات ووعود تتكرّر منذ ستين عامًا"، كما شدّد على أن الحراك مسار طويل أنه أقلّ من ثورة وأكبر من حركة احتجاجية، مشيرًا إلى أن أسباب الشرخ بين المنظومة السابقة مازالت قائمة، خصوصا مع تقويض مجال الحريات.

ومن فوائد المسيرات، قال الوناس، حالة الوعي العميقة التي كشف عنها الحراك بين أفراد الشعب وحجم تشبثهم بالحرية والديمقراطية والعدالة أولًا، وكل القيم ومبادئ دولة الحق والقانون والمؤسسات التي من أجلها استمر الحراك في الخروج إلى الشارع رغم انتخاب رئيس للجمهورية والاستفتاء على تعديلات دستورية ثالثًا.

وفي سياق آخر، يرى المتحدث أن "مشكله الجزائريين ليست مع الأشخاص أو مع الانتخابات كآلية للتعبير؛ وإنما المشكلة مع منظومة الحكم التي أثبتت السنوات الثلاث الأخيرة أنها لم تغيّر من سلوكاتها السياسية".

وفي رده على سؤال حول ماذا بعد هذه الفورة التي شهدها الشارع، قال الوناس أنه وجب الاعتراف بأن هناك "حالة إحباط طبيعية تمرّ بها كل الشّعوب التي عاشت لحظات انتشاء وتطلّع كبير لتنفيذ مطالب التغيير الحقيقي والمتدرج".

ومن زاوية أخرى، اعترف بأن هناك خيبة أمل لأن "السلطة السياسية نفّذت أجندتها ورؤيتها من طرف واحد دون إشراك للشعب ولممثليه والاكتفاء بإجراء استحقاقات وصفها بأنها "عمليات تجميلية لواقع بشع"، حدّ تعبيره.

تظلّ فكرة التغيير قائمة في الشارع الجزائري، خصوصًا في ظلّ الأزمة الاقتصادية التي ألقت بظلالها على المستوى الاجتماعي

تظلّ فكرة التغيير قائمة في الشارع الجزائري، خصوصًا في ظلّ الأزمة الاقتصادية التي ألقت بظلالها على المستوى الاجتماعي، وتسببها في تراجع القدرة الشرائية والتضخم، وكلّ هذا من شأنه أن يأخذ مسار ات احتجاجية لفئات كثيرة في المجتمع، رغم الحلول الاستباقية التي انتهجتها السّلطة، على رأسها تجميد الضرائب على بعض المواد الاستهلاكية وفرض منحة البطالة، في مقابل أن الذكرى لن تكون احتفالًا بمنجز ما، ولكن للتذكير بأن المسار يستمرّ نحو غلق ملفات الفساد التي لازالت في أروقة المحاكم والدفع نحو تحقيق العدالة والعيش الكريم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مسيرات شعبية في عدّة ولايات.. هل هي عودة الحراك الشعبي؟

مسيرة شعبيّة في خرّاطة.. عودة الحراك؟