08-فبراير-2020

حميد فرحي (فيسبوك/ الترا جزائر)

تمرّ سنة على رحيل المناضل السياسي والمنسّق الوطني للحركة الديمقراطية الاجتماعية، حميد فرحي، المصادفة ليوم الخامس من شهر شباط/فبراير الجاري، عن عمر ناهز 60 سنة، وكان رحيل "الرفيق فرحي" مأساةً حقيقية، وصادمة لأنصار حزبه والمتعاطفين معه، ولدى الرأي العام الجزائري، بعدما عجزت المستشفيات الجزائرية عن التكفّل به صحيًا.

تعرّض حميد فرحي إلى الاختطاف والتعذيب بعد أحداث الخامس تشرين الأوّل/أكتوبر 1988

وُلد حميد فرحي في الثالث من شهر تموز/يوليو سنة 1958، بأعالي قرية الأربعاء ناثيراثن، بولاية تيزي وزو شرقي البلاد. بدأ مساره السياسي والنضالي منذ صغره، حيث تلقى تكوينه في صفوف الكشّافة الإسلامية، وانضم خلال مشواره الجامعي، إلى الاتحاد الوطني للشبيبة الجزائرية.

اقرأ/ي أيضًا: بعد التخلّي عن فكرة المجلس التأسيسي.. هل تتوحّد أحزاب المعارضة

 ناضل في صفوف أوّل تشكيلة يسارية "حزب الطليعة الاشتراكية"، برفقة الهاشمي شريف وصادق هجرس. تعرّض إلى الاختطاف والتعذيب بعد أحداث الخامس تشرين الأوّل/أكتوبر 1988، وخلال أزمة التسعينيات، تعرّض إلى محاولة اغتيال من طرف الجماعات المسلّحة.

انضمّ إلى حركة "التحدّي" رفقة هاشمي شريف، وبعدها شارك في بعث حزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية، وفي 2013 عُين في منصب المنسّق الوطني للحزب.

اشتغل حميد فرحي أستاذًا  للغة الفرنسية، في غرب العاصمة الجزائرية، واستقال بعدها من مهنة التعليم، ليتفرّغ إلى العمل السياسي والجمعوي والنضالي. عُرف بالدفاع عن حقوق العمّال والمهمّشين. ساند كلّ الحركات الاحتجاجية العمّالية والنقابية والمطلبية، وكان يتنقّل إلى الولايات الداخلية المهمّشة، لمناصرة القضايا المحليّة.

كانت تدخّلاته الإعلامية شديدة اللهجة، تجاه السلطة السياسية والأوليغراشية المالية، وانتشار الفساد المالي والسياسي. وكان أبرز معارضي الرئيس بوتفليقة ومنظوماته السياسية.

مدرسة سياسية

يتحدّث الأمين العام للحركة الديمقراطية الاجتماعية، فاهم داحي، عن الراحل حميد فرحي فيقول: "اجتمعت في الرفيق حميد ثلاث خصال؛ الابتسامة والصبر والأمل. كانت الابتسامة لا تفارق ملامح وجه، كان صبورًا رغم المضايقات والتحرّشات الأمنية، وكان يحمل رسالة الأمل ويبعث برسائل تشي بغد أفضل".

وأضاف داحي، أن فرحي كان بمثابة مدرسة سياسية، للكثير من مناضلي الحزب، ويردف أنه تميّز بكثرة الاستماع والإنصات، ويُشعر محدّثه أنّه عنصرٌ فعّال ودوره أساسيٌّ في الحزب، على حدّ قوله.

ويذكر الأمين العام للحركة، أن التجارب النضالية، واحتكاك حميد فرحي بالصفوق الأولى والثانية للتيّار اليساري في الجزائر، شكّل خزّانًا ورصيدًا في حياته السياسية وحتى الفكرية. إذ "طالما شاركنا وتقاسم معنا، نضالات شخصيات سياسية ونقابية وإعلامية لم نحتك ّبها". يستطرد فاهم، وعلى ملامحه الكثير من الأسى: "تعرّفت عليه سنة 2013، كان مدرسة سياسية. تلقينا بفضله تكوينًا إنسانيًا أولًا وسياسيًا ثانيًا".

الالتزام السياسي

وبخصوص الالتزام السياسي الذي عُرف عن حميد فرحي، يقول القيادي في الحركة الديمقراطية الاجتماعية، وحيد بن حالة، إنّ فكرة الالتزام السياسي عند حميد، هي معيار وقيمة النضال السياسي، وتتجسّد هذه القيمة في القدرة على الاحتكاك بالشعب، ومشاركة مشاكله واهتمامه معهم.

وكشف وحيد بن حالة، أن الالتزام السياسي عند حميد كان هو العمل الميداني، وتجسيد المبادئ والأفكار على أرض الواقع، وأن تكون بجانب مطالب العمال والفقراء المهمّشين على الميدان، على حدّ قوله.

وخلال التأبينية التي عُقدت في مقرّ الحزب، أجمع الحضور على خصال وسلوك الرجل، و تفانيه في العمل السياسي والجانب الإنساني، وإيمانه بالبعد الاجتماعي والحقوقي؛ حيث فتح أبواب الحزب على نشاطات ثقافية وفكرية وإبداعية، على غرار ندوات ملتقى الأنوار للفكر، و مبادرات جمعيات تضامنية لفائدة أشخاص بلا مأوى، وعُرف عن حميد فرحي، مناصرته للقضية الفلسطينية والدفاع عن الشعوب ضحايا الإمبريالية والرأسمالية، التي تستغل حقوق العمّال والأفراد.

مأساة الوطن

وإلى غاية وفاته، شكلّت ظروف رحيل حميد فرحي مأساة كبيرة، رافعة الستار عن الوضع الصحّي في الجزائر. أصيب الرفيق حميد فرحي بجلطة دماغية في شهر كانون الثاني/ديسمبر، أثناء تنقلاته داخل الوطن لمرافقة الناشط فتحي غراس، وواجه حميد فرحي، صعوبات كبيرة للظفر بسرير في أحد المستشفيات الجزائرية، وهو ما تسبّب في تفاقم وضعه الصحّي، هنا، يروي أحد رفقاء الفقيد تفاصيل رحلة علاجه قائلًا: "جبنا كلّ المستشفيات، وطرقنا كل الأبواب علّنا نجد سريرًا وعناية صحيّة لحميد دون جدوى".

بعد صعوبات كثيرة، يقول المتحدث، وبعد تدخّل إحدى المناضلات، "استقرّ بنا الحال في مستشفى بني مسوس، حيث جلس حميد على كرسي لمدّة 24 ساعة، ليدخل بعدها مرحلة الخطر ويغادر الحياة".

وكشف المتحّدث، أن حميد رفض إزالة صور تظهر أنه في المستشفى، انتشرت عبر منصّات التواصل الاجتماعي، حيث أراد الراحل أن تكون شهادة على وضع المستشفيات في الجزائر، ومحاكمةً للنظام السياسي، وإلى غاية آخر أيام حياته، أراد المرحوم حميد تمرير رسالة عن وضعية المواطن الضعيف والفقير في الجزائر، على حدّ تعبيره.

 كما رفض حميد فرحي، أن يُعالج بالخارج بعدما أصرّ مناضلون ومتعاطفون التكفّل به ونقله إلى أحد المستشفيات في أوروبا قائلًا: "كيف يُمكن أنا من يناضل من أجل مستشفيات أحسن وأفضل في بلدي أن أعالج في الخارج".

فقدت الساحة السياسية في الجزائر شخصيةً حزبية، ارتقت بالعمل السياسي خطابًا وممارسة إلى مستويات نضالية متميّزة

برحيل حميد فرحي، تكون الساحة السياسية فقدت شخصيةً حزبيةً، ارتقت بالعمل السياسي خطابًا وممارسة إلى مستويات نضالية متميّزة، واستطاعت أن تجعل من مطالب العدالة الاجتماعية والكرامة والحرّية، محاور أساسية في أدبيات التيّار اليساري.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ترجمة الغضب على رؤوس السياسيين.. محاكمات شعبية أم عنف يهدد سلمية الحراك؟

الرئيس تبون يزور أبرز وجوه المعارضة في بيته