14-يوليو-2023
المحامون

(الصورة: Getty)

عادت القبضة الحديدية بين وزارة العدل ونقابة المحامين من جديد، بسبب التعديلات التي مسّت قانوني العقوبات والإجراءات الجزائية، والتي يقول أصحاب الجبة السوداء إنهم لم يستشاروا بشأنها من قبل الوصاية، وبالخصوص في بعض المواد التي يعارضون المراجعات التي قد تشملها.

رئيس اتحاد منظمات المحامين لـ"الترا جزائر": القانونان يحملان إجراءات خطيرة لا يمكن التغافل عنها

ورغم أن الخلاف بين المحامين ووزارة العدل ما يزال حتى الآن مقتصرًا على بيان أصدرته النقابة، إلّا أنه قد يتطور لاحتجاجات أخرى بحسب ما جاء في خطاب ممثل المحامين في حال ما لم تسارع الوصاية لفضّ الإشكال القائم بينهما.

استنكار..

في الفاتح تموز/جويلية الجاري، أصدر الاتحاد الوطني لمنظمات المحامين بيانًا موقعًا من طرف رئيسه إبراهيم طايري يستنكر فيه "بشدّة" عدم إشراكه في مناقشة مشاريع القوانين المتعلقة بسير قطاع العدالة  كما وعد به عديد الوزراء المتعاقبين على وزارة العدل، وآخرها مشروعي قانوني الإجراءات الجزائية والعقوبات.

وجاء في البيان أن هذا التصرّف يعكس "ما آلت إليه علاقة المحامين الممثلين بالاتحاد الوطني لمنظمات المحامين بوزارة العدل والمتمثلة أساسا في عدم إشراك الاتحاد في مشاريع القوانين المتعلقة بقانون العدالة، متناسية أن هيئة الدفاع  مؤسسة دستورية لها مكانتها طبقا لدستور 2020".

وقالت نقابة الاتحاد إن عدم إشراكها في مناقشة مشروعي قانوني العقوبات والإجراءات الجزائية "إقصاء مقصود وممنهج"، حيث "تفاجأ اتحاد المحامين  بطرح المشروعين على مستوى المجلس الشعبي الوطني والاكتفاء بدعوة مجلس الاتحاد من طرف اللجنة القانونية والإدارية في آخر لحظة".

وطالب الاتحاد في بيانه الحكومة "السحب الفوري لمشروعي قانوني الإجراءات الجزائية والعقوبات لإشراك هيئة الدفاع وتوسيع المناقشة بشأنهما على مستوى وزارة العدل".

وأعلن اتحاد منظمات المحامين "التبرؤ من هاذين القانونين على صورتيهما الحالية، والاحتجاج من الآن بكل وسيلة قانونية".

وأعلن اتحاد المحامين أن هذا الملف سيكون أحد المحاور التي ستعرض على الجمعية العامة العادية المزمع عقدها بوهران في 14 أكتوبر القادم".

ترقب

قال رئيس اتحاد منظمات المحامين إبراهيم طايري لـ"الترا جزائر" إن أصحاب الجبة السوداء يترقبون تجاوب الحكومة مع مطلبهم، وبالخصوص بعد تأجيل المصادقة  على مشروعي القانونين إلى الدورة البرلمانية المقبلة، وهو ما يمكن تصنيفه – حسبه- على أنه بادرة إيجابية من الوزارة لمراجعة سياستها وإشراك المحامين في مناقشة مشاريع القوانين.

وبيّن طايري أن تحفظات نقابة المحامين لا تتعلّق بانفراد الوزارة في سن القوانين فقط، إنما أيضا بمضمون مشروعي قانوني الإجراءات الجزائية والعقوبات.

واعتبر أن مشروع قانون الإجراءات الجزائية الذي يتضمن 854 مادة يتطلب مناقشة واسعة يشارك فيها المحامون ومختلف الحقوقيين، لأنه يتعلق بحريات المواطن المختلفة حتى السياسية منها.

ووفق رئيس اتحاد منظمات المحامين فإنّ "قانون الإجراءات الجزائية في صيغته الحالية المعروضة على البرلمان يتضمن إجراءات خطيرة لا يمكن التغافل عنها، منها إسقاط المحلفين من محكمة الجنايات، وأخرى تتعلق بالازدواجية في التعامل، حيث أن مشروع القانون الجديد يسمح لوكيل الجمهورية أن يخضع شخصين في قضية واحدة  لإجراءات مختلفة كالمثول الفوري والتلبس. وهذا غير معقول."

مضيفًا أن "هذه التحفظات تنطبق أيضًا على مشروع قانون العقوبات، الأمر الذي يتطلب إقامة ورشة نقاش لدراسة هاذين القانونين المهمين."

ليست الأولى

لا يُعدُّ الخلاف بين وزارة العدل ونقابة المحامين أمرًا جديدًا، بالنظر إلى أن كثيرًا من القضايا تكون محلّ شدّ وجذب بين الطرفين، ففي 2022 نفذ المحامون احتجاجات واسعة وصلت حتى مقاطعة جلسات المحاكم، وذلك للتعبير عن رفضهم للنظام الضريبي الذي فرض عليهم أعباء إضافية وفق ما جاء في قانون مالية 2022، وأدى هذا الخلاف إلى تأجيل المئات من القضايا بسبب غياب هيئة الدفاع، وهو الاحتجاج الذي لم يتوقف إلّا بعد الوصول إلى اتفاق مع الحكومة تضمن تلبية مطالب المحامين.

وفي أيلول/سبتمبر 2020، احتج محامون من منظمة محامي الجزائر العاصمة وولايات أخرى ببهو مجلس قضاء الجزائر رفضًا لما وصفوه وقتها بـ "الإهانة" التي قالوا إن المحامين تعرضوا لها من طرف قاضي المجلس خلال محاكمة رجل الأعمال مراد عولمي.

خلاف المحامين ووزارة العدل ليس الأوّل من نوعه بشأن قضايا تخصّ أصحاب الجبة السوداء

وفي 2011، نشط المحامون احتجاجات متواصلة رفضًا لمشروع قانون المحاماة الذي لم ترُقْ مواده لأصحاب الجبة السوداء، حيث فوجئوا وقتها بمضمونه بالنظر إلى أن وزارة العدل تجاهلت استشارتهم في الموضوع، وأخرجت وقتها القانون وفق نظرتها دون العودة لمن يمثلون هيئة الدفاع.

وإذا كان تأجيل التصويت على مشروعي قانوني الإجراءات الجزائية والعقوبات قد هدّأ حاليًا من مستوى التوتر بين المحامين ووزارة العدل، إلّا أنه يبقى الهدوء الذي يسبق العاصفة في حال ما تمسكت الوصاية بالصيغة الأولية لمشروعي القانونين، لأن التجربة أثبتت أن احتجاجات المحامين لا تكون إلا صاخبة ولا تعرف المهادنة.