يبدو أن الحكومة الجزائرية ماضية هذه المرّة بجدية في إجراء تعديلات على قانون المحروقات، بهدف استقطاب استثمارات أجنبية جديدة، منعتها التشريعات الحالية من استهداف السوق الجزائرية، لكن هل ستنجح الإجراءات الجديدة في تحقيق الأهداف التي صيغ من أجلها هذا القانون، خاصّة في ظلّ التشبثّ بعدم إلغاء قاعدة 51/ 49 الاقتصادية في قطاع النفط؟
قانون المحروقات الجزائري الحالي تعرّض لانتقادات شركات بترولية عالمية
وبعد تسويفات كثيرة من قبل وزارة الطاقة في عهد نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، بتعديل قانون المحروقات الحالي لإزالة النقائص التي يتضمّنها، قرّرت الحكومة الحالية أخيرًا الإفراج عنه في لقائها الذي جرى الأربعاء قبل عرضه على مجلس الوزراء القادم.
اقرأ/ي أيضًا: تراجع احتياطي الصرف.. الجزائر على أبواب الاستدانة الخارجية؟
مبرّرات التعديل
أفاد بيان الوزارة الأولى الجزائرية أنّ اجتماع الحكومة الذي ترأّسه الوزير الأوّل نور الدين بدوي الذي يطالبه الحراك الشعبي بالاستقالة، بحث مرّة ثانية مضمون المشروع التمهيدي لقانون المحروقات.
وحسب بيان الحكومة، فإنّ مشروع القانون يأتي "استجابةً للتطوّرات الحاصلة في ميدان المحروقات سواء داخليًا أو خارجيًا، بعدما أثبت القانون الحالي الصادر سنة 2005 والمعدل سنة 2013 في بعض أحكامه لمحدوديته، وكذا لبعض الآثار السلبية على عمليات الإنتاج واستقطاب الاستثمارات الأجنبية".
وانتقدت في وقت سابق، عدّة مؤسّسات بترولية عالمية قانون المحروقات الحالي، باعتباره غير مشجّع على الاستثمار الأجنبي، وهو ما حتم على الحكومة التفكير في تعديله بالنظر إلى أن شركة سوناطراك الحكومية غير قادرة على تغطية جميع مجالات الإنتاج النفطي سواءً تقنيًا أو كميًا.
وعلّلت الحكومة أيضًا سبب تعديل هذا القانون إلى "تضاعف الاستهلاك الوطني كل خمس عشرة سنة، وهو ما سيشكّل عجزًا هيكليًا بين العرض والطلب في السوق الوطنية، خاصّة في مجال الغاز آفاق 2025-2030".
الأفضلية المحليّة
على الرغم من أن الهدف الأوّل من قانون المحروقات المنتظر؛ هو جلب الاستثمارات الأجنبية، إلا أن الحكومة تتشبث فيه بأفضلية منح الصفقات للمتعامل الجزائري.
وأوضحت الحكومة أن "مشروع القانون الجديد يهدف إلى توفير نظام قانوني ومؤسّساتي وجبائي مستقرّ ومحفز للاستثمار في ميدان المحروقات، على المدى الطويل ودونما المساس بالمصالح الوطنية، حيث تم الإبقاء على قاعدة 51/49 فيما يتعلّق بالاستثمارات الأجنبية في هذا المجال".
وتنصّ قاعدة 51/49 للاستثمار الأجنبي، على ألا تتجاوز حصّة امتلاك أي مستثمر أجنبي لأسهم في أيّ مؤسّسة ما نسبته 49 بالمائة، لتعود نسبة 51 بالمائة المتبقية لمتعامل جزائري خاص أو عمومي.
ولاقت هذه القاعدة الاستثمارية انتقادات لاذعة من طرف المؤسّسات النفطية الأجنبية، كونها قلصت من عائداتها المالية.
وقرّرت الحكومة إلغاء هذه القاعدة في مشروع قانون المالية 2020، عدا القطاعات الإستراتيجية التي لم يسمّها القانون، ولكن ظهر كما كان منتظرًا، أن الإلغاء لن يمسّ قطاع المحروقات.
وقال الوزير الأوّل نور الدين بدوي إن "المحروقات تعدّ ملكًا للمجموعة الوطنية وفقا لأحكام الدستور، وبالتالي وجب استغلالها بصورة مثلى، تأخذ في الحسبان معطيات واقع الثروات الباطنية التي تحوزها بلادنا والتي يجب أن تكون في خدمة التنمية الوطنية المستدامة وأمننا الطاقوي والمحافظة على الطابع الاجتماعي للدولة، وهي أهداف سامية، نسعى لبلوغها من خلال هذه الإصلاحات العميقة في قطاع الطاقة، والتي تشكل الشركة الوطنية سوناطراك محركها ومنفذها والتي ستجد كل المرافقة في ذلك لاسيما تنفيذ مخطط تطويرها".
وفي 23 أيلول/سبتمبر المنصرم، درس اجتماع الحكومة مخطط تطوير شركة سوناطراك 2020-2030 عبر "تذليل الصعوبات ورفع العراقيل التي تعيق نشاط الشركة ميدانيًا وتجسيد مشاريعها، من خلال إحداث لجنة متعددة القطاعات تحت إشراف وزير الداخلية، ذات امتداد محلي، تجتمع دوريا".
ويتضمّن المخطط وضع رواق أخضر لفائدة شركة سوناطراك على مستوى مصالح إدارة الجمارك، قصد تسهيل إجراءات جمركة المعدات والتجهيزات المتعلقة بها، وضمان التسهيلات الضرورية في المجال البنكي والمالي لفائدة شركة سوناطراك، لاسيما ما تعلّق بتجسيد برنامجها الاستثماري.
ويهدف هذا المخطط؛ إلى المزاوجة بين الانفتاح على الاستثمار الأجنبي مع ضمان استئثار سوناطراك بأكبر عدد ممكن من الصفقات والعائدات المالية، خاصّة في ظلّ الوضع المالي الحالي، الذي يفرض على البلاد الظفر بكل مصدر قد يرفع من مداخيل البلاد الاقتصادية.
تحدّيات جديدة
بالنظر إلى تقلّص قدرات الجزائر النفطية المعروفة عامًا بعد عام، قرّرت الحكومة خوض الاستثمار في مواطن جديدة، لذلك تضمّن مشروع قانون المحروقات الجديد توسيع دائرة استغلال المقدرات الوطنية من المحروقات إلى أعماق الساحل والبحر.
وفي آذار/مارس الماضي، كشف مدير الموارد الجديدة بمجمع سوناطراك يوسف خنفر، أنه من المرتقب أن يشرع المجمّع في عمليات استكشاف في عرض البحر هذه السنة، على أن تكون أول عملية تنقيب خلال السداسي الثاني من 2019، في عرض الساحل الشرقي بين بجاية وسكيكدة.
وأفاد خنفر وقتها، أن عملية جمع المعطيات الجيولوجية ثنائية وثلاثية الأبعاد ستنتهي خلال السداسي الأول، وأن الحقل الأوّل يحتوي على العديد من مليارات الأمتار المكعبة من الغاز.
ولم تؤكّد سوناطراك، إن كانت قد أنهت حقًا عملية جمع المعطيات المتعلقة بعملية استكشاف النفط في عرض البحر أم لا حتى الآن.
ووقعت سوناطراك في تشرين الأول/أكتوبر 2018 على عقد استغلال في عرض البحر مع "توتال" الفرنسية و"إيني" الإيطالية.
وإن لم يُشر بيان الحكومة، إلى تضمّن مشروع قانون المحروقات الجديد بندًا يتعلّق باستغلال الغاز الصخري، إلا أن التصريحات السابقة لمسؤولين في الحكومة وفي سوناطراك حول تنويع مصادر الطاقة والاستفادة من جميع المقدرات الوطنية تصبّ في خانة الشروع رسميًا في استغلاله، عقب صدور القانون بعد أن عطلت احتجاجات 2014 و2015 بولايات الجنوب خاصّة تمنراست الدراسات المتعلّقة.
وستجد الحكومة في قيام دول مثل السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، باستغلال الغاز الصخري مبررًا إضافيًا اليوم لإقناع السكّان بعدم وجود مخاطر بيئية.
وفي تموز/يوليو 2018، أعلن المدير العام السابق لسوناطراك عبد المومن ولد قدور، أن مؤسّسته تتطلع إلى توقيع اتفاق لتطوير الغاز الصخري مع إكسون موبيل الأمريكية.
وأعلنت سوناطراك هذا الأسبوع، أنّ خبراء من إكسون موبيل، حلّوا بالجزائر يومي 25 و26 أيلول/سبتمبر الماضي، لدراسة مع مسؤولين وخبراء من الشركة النفطية الجزائرية سبل الشراكة المحتملة بين الشركتين.
وأفادت سوناطراك، أنه على إثر هذه الزيارة، عقدت مجموعة من ورشات العمل التقنية لتحديد واستكشاف فرص الشراكة المختلفة بين الطرفين، وتم الاتّفاق على مواصلة المحادثات ذات المنفعة المشتركة.
وتوصّلت دراسات تقديرية سابقة أجراها مجمع سوناطراك، بالتعاون مع شركات نفطية عالمية في خمسة أحواض بالصحراء جنوب البلاد، إلى أنّ الجزائر تحوز على احتياطيات من الغاز الصخري تقدر بحوالي 4940 ترليون قدم مكعب، من بينها 740 ترليون قدم مكعب، يُمكن استرجاعها على أساس نسبة استرجاع 15 في المائة.
وتوجد هذه الاحتياطات القابلة للاسترجاع في مناطق أحنات وتيميمون، وإليزي ومويدير وبركين جنوبي الجزائر.
وجاء في تقرير للوكالة الدولية للطاقة حول الغاز الصخري تم إصداره في 2013 أنه وبنسبة استرجاع 15 في المائة، فإنّ الجزائر تحتل المرتبة الرابعة عالميًا من حيث احتياطات الغاز الصخري التي يمكن تقنيًا استرجاعها بعد كل من الولايات المتّحدة (التي تتراوح نسبة الاسترجاع فيها بين 20 و50 في المائة حسب الحقل) والصين والأرجنتين.
الاستثمارات الخارجية
تأمل الجزائر من مشروع قانون المحروقات الجديد بعث هذا القطاع الذي أشارت أرقام الديوان الوطني للإحصاء بشأنه خلال السداسي الأوّل من العام الجاري، إلى عدم تحقيقه نموا مثلمًا كان منتظرًا.
وحسب الديوان ذاته، فقد سجل الإنتاج في فرعي تكرير النفط الخام والغاز الطبيعي انخفاضًا على التوالي بنسبة 4.9 في المائة و1.3 في المائة. كما يأتي هذا القانون في وقت تستعدّ فيه سوناطراك لتعزيز عقودها الغازية ذات المدى الطويل.
وقال الرئيس المدير العام لمجمع سوناطراك رشيد حشيشي، في حديث لمجلّة "بتروليوم ايكونوميست" منذ السنة الماضية، إن سوناطراك جدّدت عقودها الغازية مع مجمعات "ناتورجي"(إسبانيا)، و"غالب" (البرتغال)، وبوتاس (تركيا)، وإيني وإينيل (ايطاليا)، فيما سيتمّ نشر إعلانات أخرى خلال الأشهر القادمة.
قانون المحروقات الجديد يهدف إلى القضاء على الفساد والقضاء على التسيّب في المجمّع الحكومي
رغم أهميّة الإجراءات والتسهيلات التي سيتضمّنها قانون المحروقات الجديد في بعث الإنتاج الجزائري النفطي، وجذب الاستثمارات الأجنبية خاصّة للمجالات التي تفتقد سوناطراك فيها للخبرة اللازمة، يبقى القضاء على التسيّب والفساد الذي مسّ المجمع الحكومي هو الأساس في تحقيق أهداف هذا القانون والوصول إلى ما يسعى له مخطط 2030 لسوناطراك.
اقرأ/ي أيضًا:
تسريبات بنما ترعب العدالة والإعلام في الجزائر
ضربة أخرى في مرمى شباب الجزائر