08-أكتوبر-2021

حرب الجزائر 1956 (تصوير: إلستيان بيلد/Getty)

 

كشفت كتلة حركة مجتمع السلم، أنها باشرت اتصالات مع رؤساء خمس كتل نيابية أخرى، وهي جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، وجبهة المستقبل وحركة البناء الوطني وصوت الشعب، بشأن بدء ترتيبات لتمرير قانون تجريم الاستعمار في البرلمان الجزائري، وذلك يأتي كردّ سياسيٍّ وإجرائي على التصريحات الأخيرة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون واستجابة لتطلعات الجزائريين.

نائب سابق: القانون اقترح 15 مادة تطالب بتعويض الجزائريين ومحاكمة مجرمي الحرب وتعويض ضحايا التجارب النووية في الصحراء الجزائرية

وقال رئيس كتلة "حمس" في البرلمان الجزائري أحمد صادوق في تصريحات لـ"الترا جزائر"، إن الحركة كلّفت النائب يوسف عجيسة للقيام بالتنسيق بين الكتل البرلمانية ومتابعة هذا الملف، والإسراع في اتخاذ مواقف حيال ذلك، خصوصًا وأن القانون يحتاج إلى قرارات سياسية والتفاف من مختلف القوى في البرلمان. 

اقرأ/ي أيضًا: مغالطات تاريخية.. سقطات ماكرون في الكليشهيات الاستعمارية

وتتسق هذه الخطوة، مع مختلف التصريحات السياسية في الجزائر، كردود فعلٍ على تصريحات استفزازية للرئيس الفرنسي، غير أنها تعيد النّقاش في الجزائر إلى مسألة " قانون تجريم الاستعمار"، كملف حارق في مسار العلاقات بين الجزائر وفرنسا، خاصة أنه يتجدّد طرحه من قِبل الفعاليات السياسية في البلاد كلما تجدّدت أزمة سياسية بين البلدين.

ملف مفتوح 

وعبّرت الأحزاب السياسية في الجزائر، على ضرورة فتح النقاش مجدّدًا حول مشروع قانون تجريم الاستعمار في البرلمان الجزائري، كردّ على قانون تمجيد الاستعمار الصادر في فرنسا في العام 2005، تم إحياءه مع التصريحات الأخيرة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

في هذا المضمار، دعت حركة البناء الوطني إلى إطلاق مبادرة من أجل "مناقشة وإقرار قانون تجريم الاستعمار وما يتبعه من إجراءات المتابعة القانونية في الجرائم الاستعمارية كجرائم ضدّ الإنسانية والاعتذار والتعويض."

من جهتها، أفادت حركة مجتمع السلم في بيان لها، أن التصريحات الأخيرة لماكرون تستدعي إلى مراجعة الدروس المتعلقة بضرورة " القطع مع العهد الكولونيالي"، داعيةً إلى السماح بإصدار قانون تجريم الاستعمار متزامنًا، كما ذكر البيان، مع "إصدار قانون منع استعمال اللغة الفرنسية في الوثائق والخطاب والاجتماعات الرسمية، وتفعيل قانون تعميم استعمال اللغة العربية".

كما عبّر حزب جبهة التحرير الوطني القوة السياسية الأولى في البرلمان عن "تمسّكه بمطلب الاعتذار عن جرائم الغزاة المستعمرين الفرنسيين"، وهو ما اعتبره الحزب ضرورة حاليًا.

كما ذهب التجمع الوطني الديمقراطي في نفس المنحى، معتبرًا أن التصريحات الأخيرة لماكرون دليل على " ما يؤرق الفرنسيين من جرائم اقترفتها في حقّ الجزائريين"، داعمًا في بيان له لكل القرارات التي "تصب في مصلحة الدفاع عن الجزائر وشعبها ومؤسّساتها الدستورية".

 السؤال الذي يطرح بقوة اليوم في علاقة مع هبوب رياح قويّة على العلاقات الجزائرية الفرنسية، هل يُمكن للجزائر أن تصدر وتمرر قانون تجريم الاستعمار ردًا على قانون فرنسي يمجّد الاستعمار؟ وهل الجزائر خاصّة في جانب المؤسّسة التشريعية غير قادرة على توحيد الصفّ تحت مظلة وسائل قانونية وتشريعية لتجريم وإثبات ومعاقبة مرتكبي جرائم الحرب في الجزائر؟ وبذللك تقود هذه الخطوات إلى طلب التعويضات المناسبة لأبشع صور الانتهاكات في حقّ الإنسانية.

سياسيًا، تطرح هذه الخطوة العودة إلى إحياء القانون، واتخاذ زمام المبادرة من جديد، وعدم تجاوز جرائم فرنسا، العديد من الفرضيات المتعلقة بعدم تقادم الجرائم الحرب منها 17 تجربة نووية أجرتها فرنسا في الجنوب الجزائري ولا زالت تباعتها على الجزائريين جسيمة.

قانونيًا، دعا الباحث في القانون الدولي رياض بسعة، من جامعة الحقوق بالعاصمة الجزائرية، إلى ضرورة إعادة فتح تحقيقات متعددة الاختصاصات (علوم سياسية وتاريخية وعلم نفس وعلم اجتماع وحقوق)، حيال جرائم فرنسا باعتبارها مصلحة عامة للدولة والشعب الجزائري، لافتًا في تصريحات إلى "الترا جزائر"، أن التحقيقات متعددة الأبعاد (تاريخية وقانونية ومعنوية ومالية)، تشرف عليها هيئة قضائية تتولّى التحقيق بسرية عن تلك الوقائع والأحداث.

ولتمارس هذه الهيئة عملها، دعا الأكاديمي إلى ضرورة أن تتمتع هذه اللجنة بصلاحيات عديدة أهمها اللقاءات مع أشخاص والاستماع إليهم من مسؤولين سابقين ومجاهدين ومواطنين شهدوا على الجرائم ومؤرّخين، وأيضًا إمكانية الانتقال إلى الأماكن التي تخصّ التحقيق بالمعاينة.

وفي النهاية، ما ينجم عن هذا التحقيق يتم توزيعه على نواب البرلمان بغرفتيه، بعد إبلاغ الرئاسة والوزارة الأولى، ليتم التصويت عليه وإطلاع الرأي العام الجزائري، ومنه يمكن مساءلة الدولة الفرنسية عن هذه الجرائم وفق قواعد وإجراءات القانون الدولي.

إجهاض المبادرة

اللاّفت للنّظر، أن مباردة البرلمان الجزائري باقتراح قانون لتجريم الاستعمار، تم الإعلان عنها في فترة حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، فكانت المرة الأولى في العهدة البرلمانية ( 2002-2007) من طرف كتلة الإصلاح الوطني مباشرة بعد قرار الجمعية الوطنية الفرنسية لقانون تمجيد الاستعمار الفرنسي في 23 شبّاط/فيفري 2005، وتمّ رفضه من طرف مكتب المجلس آنذاك. أما المرة الثانية فكانت خلال العهدة النيابية ( 2007-2012)، من طرف النائب موسى عبدي عن كتلة حزب جبهة التحرير الوطني نهاية العام 2009، ولقيت مبادرته تأييدا من عدة أحزاب، وتم توقيع عريضة أمضى عليها 50 نائبا.

وقد اقترح القانون حسب النائب السابق عبدي، 15 مادة تطالب بتعويض الجزائريين ومحاكمة مجرمي الحرب وتعويض ضحايا التجارب النووية في الصحراء الجزائرية، ولكن لم يلق مقترح القانون النور منذ ذلك الوقت.

أما فيما تعلق بسنّ قانون لتجريم الاستعمار الفرنسي، وإضفاء الصفة الجرمية على مختلف الأفعال التي قام بها الفرنسيون طيلة فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر، يضم تقدير العقوبات المقابلة والمسلطة عليهم، والتعويضات اللازمة دفعها من طرف فرنسا، تمهيدا لمساءلتهم داخليا أو خارجيا باللجوء إلى محكمة العدل الدولية أو المحكمة الجنائية الدولية.

كما نشير هنا، إلى أن الدستور الجزائري يحمي تاريخ الثورة الجزائرية، وبذلك يُمكن للبرلمان المساهمة في مساعي تهيئة الأرضية القانونية من جديد لتجريم الاستعمار الفرنسي والمحافظة على التاريخ، عن طريق عدة قنوات.

ولتوضيح ذلك قالت الأستاذة في القانون العام فريدة بو فناية، في حديث إلى "الترا جزائر"، أنه مادامت هذه الجرائم لا تعرف التقادم فالمساءلة ممكنة، لافتة إلى أهمية توطيد العلاقة بين البرلمان والمجتمع المدني الثوري، عبر اللجان البرلمانية الدائمة لا سيما لجة الشؤون القانونية والإدارية وحقوق الإنسان إضافة إلى تفعيل النشاطات العلمية وتشجيع الدراسات التاريخية المتعلقة بالتاريخ الجزائري.

إرادة سياسية

بعيدًا عن الشق القانوني، هناك معيقات، أجهضت مجهودات التجريم القانوني، واعترضت كل الخطوات البرلمانية السابقة، أهمّها طبيعة النظام السياسي الجزائري ومنظومة الحكم، عبر تلك العلاقة الوظيفية والعضوية بينها وبين البرلمان. أي بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

ومن هذا المنطلق، يرى الناشط الحقوقي نور الدين آيت أوفلة، أن اتخاذ أيّة إجراءات نحو تجريم الاستعمار تحتاج إلى تزكية من السلط التنفيذية، خصوصًا وأن الجزائر وفرنسا تربطهما اتفاقيات، وعلاقات دبلوماسية، علاوة على تقدّم لافت في دراسة مختلف الملفات العالقة بين البلدين.

وكنتيجة لذلك، قال آيت أوفلة، إن قضية تجريم الاستعمار الفرنسي تحتاج إلى إرادة سياسية وشعبية كبيرة، خاصّة في الوضع الحالي والتطورات السياسية التي تعرفها العلاقات بين الدولتين، موضحًا في تصريح لـ"الترا جزائر" أن البرلمان بصفته السلطة التشريعية في البلاد بما خوله له الدستور من صلاحيات تمكنه من أخذ زمام المبادرة والردّ على تجاوزات قانونية في فرنسا، بالتنسيق وظائفيًا مع الجهاز التنفيذي والسلطة السياسية في البلاد.

في نهاية المطاف، يبدو أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أراد كسب نقاط لصالحة بتوظيف ورقة الاستعمار الفرنسي للجزائر سياسيًا، والضغط في اتجاه كتابة تاريخ يتوافق مع إسقاط جرائم الاستعمارعن كاهل فرنسا، من خلال كتابة تاريخ مشترك يصنّف الجزائريين والفرنسيين بصفتهم ضحايا حرب من الطرف.

يبدو أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أراد كسب نقاط لصالحة بتوظيف ورقة الاستعمار الفرنسي للجزائر سياسيًا، والضغط في اتجاه كتابة تاريخ يتوافق مع إسقاط جرائم الاستعمارعن كاهل فرنسا

يتجاهل ماكرون، حملات الإبادة العرقية والإعدامات التي تمت في حقّ المدنيين العزّل والأطفال لقرابة قرن ونصف من الزمن، غير أن اندفاع ماكرون جلعت الملف يعود إلى الخلف خطوات أخرى، بعد التحرّك الجزائري في اتجاه سنّ قانون يجرّم الاستعمار الفرنسي، وهو ما تلخّص في بيان الرئاسة الجزائرية، بأن جرائم الحراب لا تسقط بالتقادم.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

عاصفة دبلوماسية وشيكة بين الجزائر وباريس

ماكرون: النظام الجزائري أنهكه الحراك الشعبي