05-يوليو-2024
1

(الصورة: الترا جزائر)

أيام وليالي، أسابيع طويلة، تحضيرات على قدم وساق، شعارات تحضر في الخفاء والعلن، " تجريب – بروفات" للأغاني الرياضية، الكل يبحث عن المفاجأة لفرجة التسعين دقيقة التي سيحتضنها ملعب كرة القدم (5 جويلية)، لكن فعليا مقابلة الطموح للفوز بدأت في الشارع، والمنافسة انطلقت بين المناصرين وعلى مستوى الأحياء والجدران أيضا.

تزينت الأحياء الجزائرية وخاصة بالعاصمة بثلاث ألوان هي الألوان التي تزين الراية الوطنية (الأحمر والأبيض والأخضر) لكنها كرويا فثنائية الأحمر والأبيض لاحت في أقمصة ولافتات نادي " مولودية الجزائر، بينما احتفظ نادي شباب بلوزداد باللونين الأحمر والأبيض

تزينت الأحياء الجزائرية وخاصة بالعاصمة بثلاث ألوان هي الألوان التي تزين الراية الوطنية (الأحمر والأبيض والأخضر) لكنها كرويا فثنائية الأحمر والأبيض لاحت في أقمصة ولافتات نادي " مولودية الجزائر، بينما احتفظ نادي شباب بلوزداد باللونين الأحمر والأبيض.

الجيران

مشياً على الأقدام، بهذه الطريقة يمكن لـ" الترا جزائر" أن توثّق تلك اللحظات الجميلة التي تسبق النهائي الكبير، والتي لا يمكن أن نجدها بهذا الحجم والزّخم إلاّ على مستويين اثنين: خلال مناسبات وطنية كالاحتفالات بعيد الثورة التحريرية وعيد الاستقلال، وفي مناسبات كروية عندما يكون المتنافسون من نوادي تنتمي للمدينة نفسها سواء بالعاصمة الجزائرية أو بمدن أخرى تُعرف بـ" نوادي الجيران".

البداية كانت من منطقة "بئر مراد رايس"، شعارات بالأحمر والأخضر وبالأبيض والأحمر، منافسة حتى على مستوى المحلات وكل " يغني على ناديه"، يقول الحاج عبد القادر لـ" الترا جزائر" بأنه تربى في حي شعبي بالضبط بحي " الحرش" لكنه يناصر مولودية الجزائر لعلاقتها بجبهة التحرير الوطني.

جيله يحب المولودية أو الشباب أو الحراش أو الاتحاد أو النصرية، لكن تشجيعه بعيد كل البعد على التعصب لفريق دون آخر، فنحن في النهاية جيران ومن منا لا يرأف بحال جاره؟.

تعصب للأحمر والأبيض

لا ينطبق هذا الكلام الذي يبوح به، كثيرا أمام تعصب جمهور كرة القدم، فنادي شباب بلوزداد يتعصبون للونين الأحمر والأبيض، وهو ما تفيده عبارة " المتعصبون" الموقعة في العديد من جدران الشوارع، فعلى بعد 5 كيلومترات تحت شمس حارقة نحو حي " صالومبي" الاسم التاريخي لمنطقة " المدنية" حاليا، أين لاحت الشعارات الكبرى لنادي شباب بلوزداد، يقابلها أيضا بشكل أخف لافتات المولودية، في تناغم واضح، بينما الكل يتوقع الفوز.

4

 نحو "ديار السعادة" ثم " ديار المحصول" بالقرب من وزارة الصحة الجزائرية وليس ببعيد عن " الصرح التاريخي " مقام الشهيد" لا حديث إلا عن "شباب بلوزداد، فكل العمارات والأزقة الضيقة ترفع الرايات واللافتات، فضلا عن احتفالات ليلية في ساحة " الرياح الكبرى" وسط حي ديار المحصول لتأدية الأغاني وتوجيه المناصرين أيضا للاحتفالية الكبرى.

مرورا بمنطقة " رويسو" تنتشر اللافتات أيضا، فيقول كريم وهو من محبي " بلوزداد" بأنه يتوق لمشاهدة النهائي في المدرجات إذ اشترى تذكرة الملعب منذ أيام، لافتا إلى أنه منذ أن كان عمره ست سنوات يناصر فريق " بلكور" بالرغم من أن عائلته منقسمة بين ثلاث نوادي عاصمية.

4

استعدادات كريم لم تتوقف على التذكرة بل أيضا من ناحية القميص والراية الرياضية للنادي، وذلك منذ أن أنهى دراسته في الثانوية، صوب عينه على نهائي الكأس، وهدية أسرته كانت شراء لوازم رياضية تضمن له التشجيع الجيد للنادي.

على طول الشارع الرئيسي من " رويسو " مرورا بمنطقة " الحامة، نحو " بلكور" وهو الاسم الثاني الشعبي لنادي" بلوزداد"، يحتفظ السكان وعشاق النادي العاصمي بصور المشاهير للنادي، والتي رسمت على طول الجدران في الحي، على غرار اللاعب " لالماس".

وفي انعطافة تاريخية لهذا الحي العتيق، انتشر في المخيال الشعبي والرياضي في الجزائر، وخاصة على مستوى العاصمة الجزائرية، أن شباب بلوزداد، الذي يحمل اسمه من الشهيد" محمد بلوزداد: هم أبناء حي "لعقيبة" في منطقة" بلكور" الاسم التاريخي والتقليدي للحي، إلا أنهم في المقابل يتوزعون عبر عدة أحياء عاصمية وحتى خارج المنطقة في حذ ذاتها.

الأخضر والأحمر "حب وعقلية"

في الجهة الأخرى من الجزائر البيضاء، وبالضبط من شارع الشهيد العربي بن مهيدي، نحو ساحة الشهداء مرورا بحي "الكيتاني" إلى غاية باب الوادي والقصبة، رفع السكان أعلام المولودية في الشرفات.

وبالإضافة إلى ذلك، رفعت لافتات كبرى تربط بين عمارة وأخرى، ترمز للنادي العاصمي، على غرار" مولودية من 1921"، ومولودية حمرة خضرا"، "بعلامك جوال" و" صوتك يدوي في الميدان"، شعارات تنبئ بحب الكرة المستديرة وأفيون الشعوب.

4

إلى ذلك، يتحدّث المناصرون لـ" الترا جزائر" عن مقابلة "غير عادية"، بين جارين وناديين عريقين من أكبر النوادي في الجزائر وفي العاصمة الجزائرية.

وقال وليد حميتي (23 سنة)، بأن أغلب أفراد عائلته انتقلوا للعيش بمنطقة " بئر توتة" على بعد 15 كيلومترا، غير أنه بقي وفيا لـ"نادي القلب"، مولودية الجزائرية تجري فيدمه، وهو سيناصر الفريق في الملعب، مشيرا إلى النسخة الـ57 بين الناديين ستكون " نار نار" بداية من منافسة الشارع.

وقبل ثلاثة أسابيع، شارك حتى في "حي الكتاني" بقلب العاصمة، في تجريب الأغاني التي سيؤديها المناصرون في الملعب، موضحا، لقد أشرفت مجموعة" التراسالمولودية" عديد التجارب والتجمعات، على مستوى حي "باب الوادي" للاستعداد لتأدية الأغاني وتحضير المناصرين وحتى بيع الأقمصة الخاصة بالنادي والشعارات واللافتات التي سترفع في المدرجات.

بيع القمصان والرايات: عنوان آخر للنهائي

كما هو الحال بحي" بلوزداد" نحو ساحة "أول مايو" مرورا بحي الشهيدة "حسيبة بن بوعلي" إلى غاية معقل نادي " باب الوادي"، انتشرت المحلات التي تبيع القمصان الخاصة بالناديين، في لفتة تجارية بحتةتجذب المتابعين من مختلف مشاربهم، وتعتبر تجارة رابحة.

وكما هي العادة، فارتداء قميص يحمل رمز النادي، يعطي صورة نمطية وإشارة واضحة لحب صاحب لذلك النادي،.

ازدهار التجارة في القمصان والملابس الرياضية والرايات، عبر مختلف أسواق العاصمة، والأوشحة وأعلام وشعارات ومنتجات أخرى تحمل ألوان " الأحمر والخضر والأبيض" والتي تجد رواجا منقطع النظير.

1

تتغذى هذه التجارة من المغامرة التي يخوضها نادي مولودية الجزائر منذ مدة طويلة، يشير رشيد وهو بائع ملابس رياضية ووضع سلعته في حي " ميصوني" التجاري، إلى أن المولودية عادت بقوة للساحة الكروية هذا العام.

ارتفعت درجة حرارة الحديث عن كرة القدم المحلية منذ تأهل الناديين إلى النهائي، وعجت الشوارع وكبريات طرقات العاصمة الجزائرية بطاولات تعرض سلعا متنوعة من أقراص مسموعة تتغنى بالناديين وراياتهما بمختلف الأحجام وصور فوتوغرافية لنجومها في الميدان وقمصان وأشياء أخرى. 

تتغذى هذه التجارة من المغامرة التي يخوضها نادي مولودية الجزائر منذ مدة طويلة

في هذا الصدد يقول رشيد "إنها تجارة رائجة جدا وتذر الكثير من المال" ولجلب مزيد من الزبائن فانه لجأ إلى استعمال الأغاني المخصصة لكلا الناديين، ولزيادة التأثير على الزبائن قام بالرفع من صوت مكبرات الصوت فأضحى صداها يمتد على مئات الأمتار.

ويرى عديد هؤلاء "التجار الصغار" المستفيدين من مقابلة لكرة القدم أن السلعة الأكثر مبيعا هي بالطبع القمصان التي تحمل اسم الناديين ثم اسم اللاعبين المشهورين.

وما يمكن ملاحظته أيضا، أن هنالك في بعض المحلات المنزوية في الشوارع الضيقة سواء في بلكور أو باب الوادي، قد استغلت بعض المؤسسات الصغرى للخياطة هذا الجو المفعم بالحماسة لهذا اللقاء الحاسم لإنعاش أعمالهم وزيادة مدخولهم تزامنا مع عيد الاستقلال وتكون الفرحة فرحتان.

"الكاراكاج" و"التّيفو": موجات الفرح

لقد تحول حب كرة القدم لدى الآلاف من الأنصار في الجزائر، إلى روابط " عاطفية" بينها وبين نواديها، ترجمته من خلال " شعار " الترا شباب بلوزداد": "علامك بانْ، يا الشّايعة فكل مكان، نسّيتينا في المْحان" أي (رايتك تظهر في كل مكان وتمكن النادي من إخفاء الأحزان)، وأظهره أيضا" التراس مولودية الجزائر" (المولودية.. حب وعقلية)، وهي لغة بسيطة تتمرد على الواقع وتتطرف في حب الناديين، ومتابعة لاعبيهما.

ومنذ ظهورها كمجموعات مولعة بالكرة، فبات تشجيعها مختلف تماما عن التشجيع العادي، إذ تعتمد على الأغاني الملحنة جماعيا ويتدربون عليها لمدة طويلة، فضلا عن تجهيز الرايات الخاصة والعبارات المواتية للمناسبة، وارتداء القمصان الموحدة.

وبالإضافة إلى ذلك، يقوم الالتراس بتنظيم المشجعين لتقديم صور رائعة في المدرجات وبحركات جماعية وموحدة، وهتافات خاصة، تضمن تمضية التسعين دقيقة في أجواء خرافية.

يقول الباحث من جامعة الجزائر في إفادته عن مجموعات "الألتراس" في الجزائر، بأنها كظاهرة رياضية مرتبطة بالتشجيع الكروي وعشق اللعبة، إلا أنها أيضا تعتبر ظاهرة اجتماعية ارتفع منسوب الالتفاف حولها

وفي هذا الإطار، نجم عنها أيضا ما يسمى بـ"التيفو" التي تعني " المشجّع" وهي عموما طلعة استعراضية أو لافتات ضخمة ولوحات فنية يرافق إطلاقها دوما دخول اللاعبين للميدان، فضلا عن ما يسمى بـ "الكاركاج" وهي عملية إطلاق جماعي ومكثف للألعاب النارية.

يقول الباحث من جامعة الجزائر في إفادته عن مجموعات "الألتراس" في الجزائر، بأنها كظاهرة رياضية مرتبطة بالتشجيع الكروي وعشق اللعبة، إلا أنها أيضا تعتبر ظاهرة اجتماعية ارتفع منسوب الالتفاف حولها لفئة الشباب في المجتمع الجزائري كنتيجة لعدة عوامل اجتماعية، كمتنفس اجتماعي.

وفي ضوء استعدادات الناديين للفرجة في الميدان، يبقى الشارع وبعض الساحات ملتقى العشرات من الأنصار لإخراج إبداعاتهم وإعطاءها مسحة جمالية لعرضها في منافسة الكأس.