23-نوفمبر-2017

تقنين الإجهاض يثير جدلًا جزائريًا (فايز نور الدين/أ.ف.ب)

قدّمت وزارة الصحة الجزائرية مؤخرًا مشروع قانون جديد لتتم مناقشته من قبل مجلس النواب، وقد أثار هذا القانون جدلاً كبيرًا لاحتوائه مادة تبيح للأم إجهاض جنينها في حال ما أثبت التشخيص الطبي إصابة الجنين بمرض ما أو في حال فرضية ولادته مشوهًا أو حاملًا لعاهة مستديمة، وقد أورد نص القانون الجديد شروطًا يسمح فيها للأم بالإجهاض تحت ما أسماه بـ"الظروف الذهنية والنفسية والفيزيولوجية للحامل". 

يثير مشروع قانون الصحة الجديد في الجزائر جدلًا واسعًا حول سماحه بتقنين الإجهاض في حالات متعددة وهو ما يرفضه البعض لاعتبارات دينية واجتماعية

قانون الصحة الجديد، الذي عرضته الحكومة على لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية للبرلمان وذلك تمهيدًا لمناقشته في جلسات علنية لممثلي الشعب في قبة البرلمان، لقي رفضًا وتنديدًا من عديد الأطراف من بينها نقابات مستخدمي قطاع الصحة التي رأت في نصوص القانون "تجاوزًا لأخلاقيات المهنة"، فيما رأت أطراف أخرى أن "تقنين الإجهاض عمل مناف لأخلاق المجتمع الجزائري من جهة وعصف بتعاليم الدين الإسلامي من جهة أخرى، وأن إباحة الإجهاض تحت طائل ظروف معينة سيجعله يتوسع ليشمل نطاقات أخرى، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه لكل من تريد التخلص من حملها وذلك تحت حماية القانون كما سيتيح ذلك "لعصابات الإجهاض" فضاءات رحبة للعمل في ظل وجود قانون يبيح ذلك".

الملاحظ في القانون الجديد عدم ذكر لفظ "الإجهاض" علانية، ففي المادة 81 نجد التالي: "عندما يكون التوازن الفيزيولوجي والنفسي والعقلي للأم مهددًا بخطر بالغ، يجب على الطبيب أو الأطباء المعنيين، بالاتفاق مع الطبيب المعالج أن يخبروا الأم، ويتخذوا بموافقتها كل الإجراءات العلاجية التي تمليها الظروف"، لكن هذا التعبير اعتبره الجميع توجهًا صريحًا لتقنين الإجهاض.

وقد سبق للمشرّع الجزائري التطرق لموضوع الإجهاض في قوانين سابقة مما يجعل القانون الجديد إعادة معالجة للقضية في حقيقة الأمر. ففي قانون الصحة لعام 1985، والذي تم تعديله عام 2008، تم توضيح أن عملية الإجهاض تعد أمرًا ضروريًا في حال ما تبين وجود خطر يحدق بصحة الأم ويهدد توازنها الفيزيولوجي والعقلي. لكن مشروع القانون المثير للجدل حمل اشتراط تشخيص طبي معمق قبل إصدار الحكم بالسماح بالإجهاض.

وبعيدًا عن البرلمان ودعوة النقابات للاحتجاج إزاء مشروع القانون الجديد، اختلف الجزائريون في ردود أفعالهم حول مسألة تقنين الإجهاض، فيرى البعض أن السماح بذلك قد يكون "سببًا في نشر الفساد والزنا" بدعوة أن التدارك سيكون متاحًا في حال ما وقع أحد في الخطأ، وذهب أصحاب هذا التوجه إلى أن مسألة السماح بالإجهاض لا يجب الخوض فيها أصلًا بناء على معتقدات الجزائريين وحتى عاداتهم وستغرق المجتمع الجزائري في انحلال أخلاقي وتذهب بذلك قدسية الروح ومفهوم الأمومة. أما الاختلاف الأعمق فكان عن إباحة الإجهاض إذا تبين أن الجنين مشوه.

جدل الإجهاض في الجزائر

جدل الإجهاض في الجزائر

جدل الإجهاض في الجزائر

جدل الإجهاض في الجزائر

في ذلك، يرى الإعلامي نبيل سليماني في تصريح لـ"ألترا صوت" أن "الجميع يدرك حساسية الموضوع لاسيما وأن المجتمع الجزائري لا يزال محافظًا إلى أبعد حد، القانون في مادته 81 لم يبح الإجهاض مباشرة ولكنه أجازه في حالات كثيرة فيها من الكلام ما فيها، أن تسمح للأم بالإجهاض لمجرد علمها بتشوه خلقي عند جنينها فهذا يعد حسب رأيي جريمة في حق الجنين، أنا مع إسقاط الجنين إن كان يمثل خطرًا على الأم من منطلق الحفاظ على حياتها وحياة أسرتها، بعيدًا عن هذا لا يمكن الحديث عن تقنين للإجهاض في إطار آخر".

المعارضة الأبرز لمشروع قانون الصحة الجديد كانت من الهيئات الدينية والأحزاب ذات المرجعية الإسلامية والتي دعت لإعادة النظر فيه قبل توجيهه للمصادقة

المعارضة الأشرس لهذا القانون تأتي من الهيئات الرسمية الممثلة للمرجعية الدينية في الجزائر وكذا الأحزاب ذات التوجه الإسلامي، التي دعت الحكومة لسحب بعض مواد القانون من المسودة التي سيناقشها نواب الغرفة الأولى، ففي ذات السياق، أكد وزير الشؤون الدينية السابق والرئيس الحالي للمجلس الإسلامي الأعلى أبوعبد الله غلام الله أن "وزارة الصحة لم تطلب رأي المجلس الإسلامي الأعلى بخصوص إضافة مواد جديدة تقنن الإجهاض".

ومن جهته وجّه خطيب المسجد الكبير بالعاصمة الجزائرية علي عية رسالة للجنة الصحة بالبرلمان، جاء فيها أن "الفقهاء أجمعوا على حرمة قتل الجنين بعد نفخ الروح فيه أي بعد مرور 120 يوماً، إلا في صورة إذا كان استمرار الحمل يؤدي إلى وفاة الأم لأن حياتها ألزم عند الضرورة القصوى"، على أن يكون ذلك "بتقريرين طبيين أو أكثر يؤكدان أن بقاء الجنين يضرّها وأن حياتها مهددة بالموت".

جدل رد عليه وزير الصحة مختار حسبلاوي كون "مشروع القانون حاز على تزكية عديد الأطراف من بينها وزارة الشؤون الدينية ولا مجال للحديث عن مراجعته من جديد". ولا يزال الجدل متواصلاً في غياب إجماع حول بعض المفاهيم الدينية والطبية ذات العلاقة بالإنجاب والإجهاض وفي ظل مجتمع جزائري محافظ مقارنة بجيرانه في هذه المسائل.