تعرف مستشفيات الجزائر في الآونة الأخيرة توافدًا معتبرًا بسبب عدوى جدري الماء أو ما يعرف بـ "بوشوكة" في المجتمع الجزائري، والذي يصيب أساسًا الأطفال لكنه قد يمتد للكبار والنساء الحوامل، وهو مرض يستدعي تكفلًا طبي تجنبا للمضاعفات خاصة للبالغين الذين لم يصابوا بالعدوى من قبل والنساء الحوامل.
طبيبة أطفال لـ "الترا جزائر": التغير المناخي وارتفاع وانخفاض درجات الحرارة الذي يضعف المناعة ويحفز العدوى البكتيرية والفيروسية
ويكون الإقبال عادة في المستشفيات بالنسبة للمصابين بالعدوى على وحدات الطب العام والأمراض المعدية، بينما من النادر أن يحتفظ بالمريض خاصّة من الأطفال في المستشفى، لأن العدوى تزول تلقائيًا بعد فترة قصيرة من الزمن، وفق ما يؤكّد الأطباء في المصحات العمومية، بينما يصبح الأمر خطيرًا بالنسبة لبعض البالغين الذين يكون جهازهم المناعي ضعيفًا.
ووفق ما رصدته "الترا جزائر" في عدد من روضات الأطفال والمدارس الابتدائية بالجزائر العاصمة، فإن نسب التغيب ارتفعت بشكلٍ ملحوظ، بسبب موجة العدوى التي تنتقل بسرعة بين صغار السن نظرًا لاحتكاكهم مع بعض وعدم إمكانية إلزامهم بالتباعد. وذكرت عاملة تحدثنا إليها في روضة بالضاحية الغربية للعاصمة أن نسب التغيب قد تصل إلى نصف عدد الأطفال في حال وصول العدوى لكنهم سرعان ما يعودون بعد أسبوع دون تسجيل أي خطر على صحتهم.
عدوى شائعة
تحدث عدوى جدري الماء أو الحُماق بسبب الفيروس النطاقي الحماقي وهو فيروس من نوع الهربس شديد العدوى، ينتقل بسرعة عبر لمس الطفح الجلدي مباشرة أو عن طريق الرذاذ الموجود في الهواء الناتج عن سعال المصاب أو عطسه، وكذلك من المرأة الحامل الى الجنين. وغالبًا ما تكون بؤرة العدوى بين الأطفال في المدارس والحضانات. ويكون الشخص المصاب معديًا يومين قبل ظهور الحويصلات إلى غاية الشفاء.
وتؤكد الدكتورة غزال، طبيبة أطفال في حديث عن "بوشوكة" مع "الترا جزائر" أنها عدوى فيروسية شائعة جدًا وتتميز بسرعة انتشارها خاصة بين الأطفال في المدارس، حيث تصيب الأطفال ما بين السنة و14 سنة.
وأبرزت المختصة أن هذه العدوى شائعة جدًا وتظهر في كل فصل ربيع، وما جعل التركيز عليها يتراجع هو انشغالنا بفيروس كوفيد-19 خلال السنوات الماضية والذي جعلنا ننسى الفيروسات الأخرى. وما يكون قد رفع عدد المصابين بهذه العدوى خاصة بين الأطفال هذه السنة، وفق المتحدثة هو التغير المناخي وارتفاع وانخفاض درجات الحرارة الذي يضعف المناعة ويحفز العدوى البكتيرية والفيروسية.
وعن الأعراض الشائعة للعدوى، قالت الطبيبة إنها تبدأ بعد فترة حضانة تدوم 14 يومًا تقريبًا، وتتميز بحمى وسيلان في الأنف وإرهاق ثم ظهور طفح جلدي مع حكة قوية مع ظهور البثور في البدايه حمراء اللون ثم تتحول إلى حويصلات مملوءة بسائل صافٍ يتحول لاحقًا إلى غائم، وأخيرًا تتطور الحويصلات إلى قشور داكنة اللون، ويبدأ الطفح الجلدي بالظهور على الوجه وفروة الرأس والظهر والبطن ثم ينتشر في الجسم كله، ويصبح المريض معديًا قبل 24/48 ساعة من بدء ظهور البثور الأولى ويبقى معديا طوال فترة الطفح الجلدي حتى الشفاء.
خطير على البالغين
وأكدت الدكتورة أن هذا الفيروس خطير على فئات معينة من المجتمع مثل البالغين الذين يعانون من نقص المناعة ويمكن أن يسبب لهم تلفا في الرئة، والأطفال حديثي الولادة الذين أصيبت امهاتهم بالعدوى أثناء الحمل مع معدل وفيات يمكن أن يصل إلى 30٪، بالإضافة إلى التشوهات الخلقية في الجهاز العصبي والعينين. أما عن التشخيص، فهو حسبها سهل جدا إذ غالبا ما يكتفي الطبيب بالتشخيص السريري من خلال تمييز الحويصلات، وفي حالاتٍ نادرة، يجري اختبارات دمويَّة وفحصٌ لعينات مأخوذةٍ من القرحة.
وأضافت المختصة أن الشخص الذي أُصيبَ بجدري الماء يحصل على المناعة، ولا يمكن أن يُصابَ به مرة أخرى، ولكن يبقى فيروسُ الحماق النطاقي كامنا في الجسم بعد الإصابة الأولى بالعدوى، ويمكن أن يعاود نشاطه في وقتٍ لاحقٍ في بعض الأحيان مؤديًا للإصابة بـ "الهربس".
وبحسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية عن عدوى جدري الماء، فهي تنتشر في الشتاء والربيع أو الأشهر الباردة والجافة ويمكن أن يظهر على شكل موجات كبيرة كل سنتين إلى خمس سنوات، وهو فيروس شديد العدوى حيث تتراوح معدلات الإصابة الثانوية بالحماق من 61 إلى 100٪. واكتساب العدوى يكون في سن أصغر في البلدان ذات جو معتدل وأكثر من 90 ٪ من الأفراد أصيبوا قبل سن المراهقة خارج برامج التطعيم. وبدون تطعيم، يصاب جميع الأفراد تقريبًا بنوع خطير من جدري الماء بعد سن الرشد.
معالجة عرضية
وأما بخصوص العلاج، أفادت المختصة أنه يجب التقيد بالعزل حتى الشفاء للتقليل من العدوى، وتعقيم وتجفيف البثور في كامل الجسم عدة مرات في اليوم بمحلول معقم (يوزين مائي)، وتناول الأدوية التي تهدئ من أعراض المرض مثل خافضات الحرارة في حال وجود حمى ومضادات الهيستامين التي تقلل من الحكة ونادرًا المضادات الحيوية، مع الاستحمام يوميا بماء فاتر وحذرت الطبيبة من تناول الأسبرين أو أي خافضات حرارة أخرى ماعدا البراسيتامول ومضادات الالتهابات لأنها تحدث مضاعفات خطيرة تؤدي إلى الوفاة.
وعن سبب عدم توفر اللقاح ضد جدري الماء في الجزائر، أشارت الطبيبة، إلى أن عدوى "البوشوكة" هي عدوى حميدة ونادرًا جدًا ما تتعقد، بالإضافة إلى أنها تحدث مرة واحدة بالعمر وتكسب الطفل مناعة دائمة لهذا التطعيم ليس ضروريًا.
ينصح الأطباء باتخاذ مجموعة من التدابير وهي عزل الطفل المصاب والالتزام بالدواء الذي وصفه الطبيب، والاستحمام والتقيد بالنظافة حتى لا تتعفن البثور
وللوقاية من مضاعفات عدوى جدري الماء ينصح الأطباء باتخاذ مجموعة من التدابير وهي عزل الطفل المصاب والالتزام بالدواء الذي وصفه الطبيب، والاستحمام والتقيد بالنظافة حتى لا تتعفن البثور وتقليم الأظافر، والحرص على متابعة درجة حرارة الطفل والذهاب إلى المستشفى في حال كانت مرتفعة جدًا، بالإضافة إلى تفادي الحكة وتقشير البثور حتى لا تبقى ندبات مدى الحياة خاصة في منطقة الوجه، وعدم استعمال القطن في تعقيم البثور لأنها تحفز التعفن البكتيري واستبداله بضمادات معقمة، والتخلص من المحلول المعقم اسبوعين بعد الفتح لاه يصبح غير فعال، وعدم تعريض الطفل السليم عمدًا.