18-يونيو-2022
قطع الإنترنت (الصورة/Getty image)

(الصورة/Getty image)

رغم وعود السلطات العليا في الجزائر بعدم قطع الانترنت خلال الامتحان النهائي للطور الثانوي الباكالوريا، إلا أن سنة 2022 أبت إلا أن تكون مثلها مثل السنوات الفارطة، إذ منذ سبع سنوات كاملة أصبحت ظاهرة قطع الإنترنت بشكل كلي أو جزئي "تقليدًا راسخًا" تعتمده الحكومة كل عام، من أجل محاربة غش بعض الممتحنين وتأمين دورة البكالوريا، دون أي اعتبار لتداعيات هذا الاجراء على الاقتصاد الوطني ككل، والخسائر المالية المنجرة عن ذلك على وجه الخصوص.

خبير في الشؤون المالية: الجزائر سجّلت خسائر غير مباشرة بلغت 500 مليون دولار يوميًا بسبب قطع الإنترنت خلال امتحانات الباكلوريا

خمسة أيام مرت بساعاتها و"جيغاتها"، اختصرت فيها السلطات كل الطرق في سبيل محاربة الغش وتأمين هذا النوع من الامتحانات، في طريق واحد وهو قطع الانترنت، ولمدة ثماني ساعات كاملة كل يوم، تحمّل فيها الاقتصاد الوطني خسائر جمة.

500 مليون دولار كلفة اليوم الواحد !

رغم عدم الاجماع على تقدير دقيق للخسائر المالية المنجرة عن اجراء قطع الانترنت، بسبب الامتحان النهائي للطور الثانوي، إلا أن بعض الأرقام تشير إلى خسائر كبيرة مباشرة وغير مباشرة، يتكبدها الاقتصاد الوطني سوى من جهة الخزينة العمومية أو الشركات أو حتى الأفراد.

وحسب الخبير في الشؤون المالية، محفوظ كاوبي، والذي أكد في حديثه لـ "الترا جزائر"، أن قرار السلطات قطع الإنترنت مؤقتًا، خلال إجراء امتحانات الباكالوريا، وجّه ضربة قوية للشركات الناشطة في مختلف القطاعات، التي تكبدت خسائر بمئات ملايين  الدولارات، وأبرز ذات الخبير المالي أن بعض هذه الشركات اشتكت بدورها من اللجوء الممنهج لهذه الممارسات، التي تؤثر بشكل معتبر على أنشطتها.

وبحكم قطع الإنترنت ثمانية ساعات في اليوم خلال فترة الامتحانات، وهي نفس فترة الدوام والعمل في كثير من الشركات والمؤسسات، يقول الخبير في الشؤون المالية، محفوظ كاوبي، إن "الجزائر تسجل خسائر غير مباشرة تصل إلى 500 مليون دولار يوميًا"، أي بإجمالي خسائر تقارب 2.5 مليار دولار طيلة الخمسة أيام من امتحانات البكالوريا.

49 مليون دولار "إنترنت مستورد"!

من جهته، لم يغفل الموقع "نت بلوكس كوست"، أحد المصادر ذات المصداقية حول حركة الإنترنت وتأثيرها الاقتصادي على البلدان في جميع أنحاء العالم، عن قطع الشبكة العنكبوتية في الجزائر خلال اجراء الامتحانات في شهر حزيران/ جوان الجاري.

ويكشف ذات المصدر في مؤشراته الرقمية حول الأثر الاقتصادي، والتكاليف المالية الناجمة عن انقطاع الانترنت وبيانات الهاتف المحمول وتقييد بعض التطبيقات المهمة، مشيرا إلى أن الاقتصاد الجزائري يتكبد فاتورة تصل إلى 6.74 مليار دينار جزائري، أي ما يعادل حوالي 49 مليون دولار في اليوم، مع العلم أن الجزائر تستورد الانترنت من الخارج عبر كابلات بحرية.

وتجدر الإشارة إلى أن أداة "نت بلوكس كوست أوف شات داون"، تقدر الأثر الاقتصادي لانقطاع الأنترنت عموما أو انقطاع بيانات الهاتف المحمول أو تقييد التطبيقات، باستخدام مؤشرات من البنك الدولي والاتحاد الدولي للاتصالات والمكتب الاحصائي للجماعات الأوربية والولايات المتحدة.

حلول تقنية بديلة

وفي ظل عجز الحكومة عن اتخاذ إجراءات تقنية بديلة لقطع الانترنت وحجبها، يوضح الخبير في مجال الاتصالات والتكنولوجيات الرقمية، يوسف بوشريم، أن الحكومة، ممثلة بوزارة البريد وتكنولوجيات الإعلام والاتصال بإمكانها توفير حلول عديدة وبديلة لإجراء قطع الإنترنت وتعطيل مصالح المواطنين والشركات، وهذا بالاعتماد على متعاملي الهاتف النقال الذين يتعين عليهم توفير أجهزة تشويش قوية وبشكل مجاني، بصفتهم مشاركين في عملية تطوير القطاع.

ويقول ذات الخبير إن الإنترنت ليست "جريمة"، وهي عبارة عن تكنولوجيات يمكن من خلالها محاربة الغش في كل الامتحانات، وليس قطعها.

5 مليون دولار حقوق "غير معوّضة"!

وعلى مستوى خسائر مشتركي وزبائن الهاتف المحمول، بسبب قطع الإنترنت، يؤكد الخبير في مجال تكنولوجيات الإعلام والاتصال، يوسف بوشريم، أنه وبعملية حسابية بسيطة تصل خسائر هذه الفئة على مستوى المتعاملين الثلاث، إلى أكثر من 700 مليون دينار جزائري، أي ما يعادل خمسة ملايين دولار خلال الخمسة أيام من امتحانات البكالوريا.

وتجدر الإشارة، إلى أن الشركات المشغلة للهاتف المحمول وهي موبيليس، أوريدو، وجازي تشتري الإنترنت من شركة اتصالات الجزائر، ولم تعلن الأخيرة أي طريقة لتعويض هذه الشركات، وبدورهم لم يعلن متعاملو الهاتف النقال الثلاث، عن أية آلية لتعويض الزبائن المقدر عددهم بـ32 مليون مشترك مصرح به.

وفي هذا السياق، تطالب الجمعية الجزائرية لحماية المستهلك وارشاده، من متعاملي الهاتف النقال الثلاث واتصالات الجزائر، بتعويض الزبائن عن الساعات التي قطع خلالها الإنترنت، كما جددت دعوتها للحكومة بإيجاد حلول وبدائل أخرى، لتفادي قطع الشبكة الذي يضر بمصالح المواطنين على وجه الخصوص.

أسبوع "أبيض" للوكالات السياحية

مثل كل القطاعات الأخرى، تأثر نشاط وكالات السياحة والأسفار وشركات الطيران بقطع الانترنت، بعد أن تعذر عليهم إجراء عمليات الحجز والتسجيل، خاصة وأن الفترة الحالية هي فترة عطل واصطياف.

وأكد رئيس الجمعية الوطنية لوكالات السياحة والأسفار، محمد أمين برجم، في تصريح لـ "الترا جزائر"، أن عمليات الحجوزات والتسجيل شُلّت تمامًا خلال ساعات قطع الإنترنت ما تسبب -حسبه- في حدوث "أسبوع أبيض" بالنسبة للوكالات السياحية، واعتبر ذلك خسائر تتكبدها هذه الأخيرة بدون أي تعويضات، من الجهات الوصية.

التجارة الإلكترونية "الضحية الأكبر"

ويتسبب قطع الإنترنت خلال تنظيم امتحانات البكالوريا في خسائر معتبرة للمؤسسات الاقتصادية التي تتعطل نشاطاتها، لا سيما القطاعات التي تمارس التجارة الإلكترونية، فضلا عن تعطيل شبه كلي للتطبيقات المالية والجبائية المتصلة بنشاط هذه الأخيرة، التي لا يختلف اثنان على أنها أكبر متضرر من عملية قطع الشبكة العنكبوتية، وحجب بعض التطبيقات خاصة المتعلقة بالتواصل الاجتماعي.

واشتكى ناشطون في التجارة الإلكترونية في حديثهم لـ "الترا جزائر"، من تعطل تجارتهم طيلة ساعات قطع الانترنت، مؤكدين أن شبكات التواصل الاجتماعي أصبحت مصدر رزق لملايين الجزائريين، الذين ينشطون في المتاجر الافتراضية والتجارة الإلكترونية.

تأثرت شركات كثيرة بسبب قطع الإنترنت خاصة في مجالات التجارة الإلكترونية والسياحة وشركات الطيران والنقل

مناخ الأعمال "على المحك"

على بعد أيام عن المصادقة على قانون الاستثمار الجديد، والذي تأمل الجزائر منه أن يعطي نفسًا جديدًا لمناخ الأعمال والاقتصاد الوطني ككل، وفي وقت تزامن قطع الإنترنت مع مجيء وفود مهمة من شركات ورجال أعمال من دول مختلفة، تُعنى بالتجارة والاستثمار بالجزائر، ومع افتتاح المعرض الدولي الجزائري، تفاجأ كثير منهم بصعوبة التوغل في الشبكة العنكبوتية، ما تسبب -حسب متتبعين- في تعطيل كثير من مصالحهم، الشيء الذي يُفقد نوعًا ما الثقة في مناخ الأعمال بالجزائر، خاصّة أن التكنولوجيا في الوقت الحالي تعتبر من أهم عناصر البنى التحتية لنجاح الاستثمارات.